رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
1٬455   مشاهدة  

سالمونيلا .. كيف تصنع فنًا وقحًا بضمير مرتاح؟  

سلامونيلا


جذب صديقي زميلتنا في العمل، من«قفاها»، لم يعترض أحد، هي لم تعترض، بل أقسم بالله ضحكت وقهقهت، ومشيت معه، يده في عنقها، يجرها من ياقة قميصها، دون أن تبدي اعتراضًا، أو تذمرًا، وقفت عاجزًا، مرتبكًا، أمام الموقف كله، صديقتي هذه، لا تخلو صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي من التدوينات التي تدافع عن المرأة، بل تظهر شراستها في الألفاظ التي تستخدمها في تدويناتها، كيف تحولت فتاة أخرى؟ كيف تواطأت أمامنا فجأة ضد نفسها؟، وسمحت لصديقنا أن يجرها بهذه الطريقة المهينة التي لا يسمح بها طفل صغير وسيصرخ اعتراضًا؟

أعرف أنك ستقول الموقف كله «ضحك» لكن تعالى نفك الخيط من أوله، قبل فترات كان المسموح به حتى ولو بالضحك، استخدام عبارات المطرب «تامر حسني»، رغم سخافتها وما تحويه من إيحاءات جنسية فجة، لم نعترض، أو بالأحرى، بلا وعي العبارات تمكنت منا، أفواهنا تنطقها دون أن ندري، والطرف الآخر «الأنثى» تقبلها بلا وعي، دون اعتراض!

خطوة بخطوة، اكتسبت تلك الفجاجة، خطوات بدواخلنا، أصبحت أمرًا واقعًا، بل إن اعترضت تصبح مُسخة «دقة قديمة»، ناهيك عن وقائع التحرش التي أصبحنا نتنفسها.

تلك الخطوات، التي مرت من خلال الضحك والسخرية، دون وعي منّا، دفعت زميلنا في العمل إلي أن يمسك بياقة قميص صديقتنا ويجرها أمامه وهي تضحك، ناهيك عن المواقف الأكثر فداحة وجرأة، التي أوصلت الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي، دون وعي، أن يشاركن أغنية مصورة تعضد من مواقف تعدي الرجل عليها، وهي تضحك!

يبدو أننا سنستيقظ على خبر على واجهة الصحف والجرائد « شاب يقتل صديقه ويعترف كنت بهزر»

خرج علينا المخرج تميم يونس بأغنية مصورة سالمونيلا تحت مفهوم السخرية و”الهزار” والضحك، حسبما قال في فيديو شخصي له على «فيس بوك»، ليته ما نطق، فقد زاد الطين بله!

كلمات أغنية  سالمونيلا الرديئة، تصور موقفًا لشاب يحذر  فتاة معجب بها من أن تقول له «لأ» لأنه سيتعرض لها، ويطاردها، ويتوعدها، ويسبها «وإن قولتي لي لا يلعن أبو شكلك، بكرة يقابلك حد يقول لك لاء تلق طعامتك  تيجي في كرامتك، دبة ويجي لك سالمونيلا وتصحي فشلة وتجري ورايا ما تلحقينيش».

سالمونيلا

لا تخرج أغنية سالمونيلا عن سياق الواقع المزري الذي خلقته السخرية البغيضة في الآونة الأخيرة، تستطيع أن تنتقد وتسخر من كل القيم والشخصيات بأي طريقة كانت، وتستخدم العبارات المؤذية وأنت مطمئن، وفي النهاية، استرخ واعترف بأريحية «كنت بهزر»، وإن كان جلدك «تخين» قل مثلما قال«تميم» :«مكنتش حابب أطلع في فيديو، لكن حبيت أوضح للي انتقدوا إني مش ضد المرأة، والمنتقدين للأغنية أقل مما توقعت».

ربما يكون موقف «تميم» مقبول، فالشاب يدافع عن أغنيته، لكن ما يثير الحنق والغيظ، أن الأغنية شهدت احتفاء كثيفًا من عدد كبير من الفتيات، في موقف لا يمكن وصفه سوى بأن المرأة تتواطأ على نفسها وتساعد الراجل في اكتساب مساحة وأرضية في إهدار حقوقها، فهل نوقف هذا الموقف على أنه من حق الرجل أن يعترض السيدة التي تقول له «لأ»؟ أو أنه ليس من حقها أن تقول «لأ» من الأساس؟

بلا شك، الأمور في بدايتها تكون مزعجة، ومع الاعتياد يقل هذا الشعور بالتدريج، وتصبح الأمور معتادة، بل وإن خالفتها تصبح غريبًا، فربما تخلق السخرية البغيضة واقعًا مزريًا، وقحًا، خاليًا من الإنسانية فيما هو قادم.

خطوة للخلف

تتصاعد وتيرة السخرية الوقحة، البغيضة، منذ سنوات، استلطفها الجمهور، ذكورًا وإناثًا، من الشاب المطرب تامر حسني الذي ظهر بمصطلحات شعبوية “روشة”، «يا واد يابت، آه يابنت الإيه، طي…ة قلبك» سرعان ما وجدت مجراها على ألسنة محبيه، وحققت أفلامه التي شهدت تصاعد نجومية «مي عز الدين» و«زينة» إيرادات عالية.

إقرأ أيضا
عبد المنعم إبراهيم

سالمونيلا

احتوت أغنيات تامر حسني حينها على كلمات وإيحاءات جنسية، فلم يعترض إلا قلة من الجمهور، ولا ما نسميها مجازًا الفنانة «مي عز الدين»  و «زينة» ولم نسمع صيحات المدافعين عن حقوق المرأة، بل ضحك الجميع، وضحك علينا في النهاية تامر حسني!

أصبحت أغنيات تامر حسني وايفيهاته أمرًا واقعًا، ومرت، وسكنت العقول وتحولت لأفكار مٌسلم بها، بل استخدم الشباب تلك العبارات والحركات السينمائية في التحرش بالفتيات في الشوارع.

تلك النوايا الطيبة، والسخرية والضحك، هدمتنا من الداخل، بالإضافة إلى الصفحات التي تسخر مجهودها كله للسخرية والمميز والكوميك والفيديوهات الساخرة، التي تتعدى على كل شيء إنساني دون أن يعترض إلا القليل، ووصلت صفحات بعض الشخصيات التافهة إلى الملايين من المتابعين، حتى أن بعض الصفحات المسيسة تستخدم السخرية في تمرير أفكارها، فمن خلال الضحك تخدرك، وبمرور تمسك نفسًا متلبسًا بقبول الأفكار التي كنت ترفضها كلية في البداية، تجد نفسك مسخًا، بفضل السخرية البغيضة.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
1
أعجبني
8
أغضبني
1
هاهاها
1
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان