جنية الجملين : لجلب الحبيب والرزق والنصيب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
محاولًا الدعبسة في زخانيق التاريخ ، عثرت على زاوية جديدة يمكنني أن استشعر بها التاريخ كلحم ودم وشئ ملموس، ذو شكل محدد ، ورائحة خاصة ، وبصمات مبهمة من أيادي الأجداد .. إنها يا أصدقائي “العملات النقدية” .. ولن يسعنا التحدث بشكل مختصر في هذا المجال ،فهو موضوع شديد التعقيد ، شحيح المعلومات الموثقة ، به من المغالطات ما يروج به التجار حتى تزداد أهمية العملة التاريخية وبالتالي يزيد قيمتها النقدية في سعر البيع ، لكن أيضًا كل عملة من العملات تحمل سرًا من أسرار التاريخ بين طياتها وحروفها وظروف نشأتها ، و بها من السحر الخاص ليس بالقيل، وحياة تنفرد بها عن غيرها من العملات ، يكفي فقط أن تلمس بيديك عملة معدنية قد أعطاها موظفًا مجتهدًا في وزارة المعارف يدعى “أحمد افندي” لحفيده ليشتري بها بونبون .. أو ورقة ألقتها مرأة مصرية حرة في وجهة عسكري انجليزي ظن بها الظنون .. أو حتى تعريفة خفيفة الوزن تبرع بها جد جدودك للمجهود الحربي، كانت هي آخر ما في جيبه
ذلك سأقدمه لكم عبر سلسلة مطولة ليس لم أضع لها عنوان خاص ، لكنها باختصار سوف تجعلك تنظر إلى العملة النقدية والورقية بشكل غير ذي قبل .
جنية الجملين
أولًا لابد من تفسير لكلمة “جنية ” .. جنية : كلمة مشتقة من اسم الدولة الإفريقية “غينيا” كان يستخرج منها الذهب وتصنع منه الجنيهات الذهبية .. وكان بريق الجنية يذهب العقل فسمي “جنية”
أما عن جنية “الجملين” فهو أول عملة ورقية مصرية ضُربت في 5 يناير 1899 في عهد عباس حلمي الثاني ، صدرت عن البنك الأهلي المصري ، هذه الورقة تصميمها بسيط للغاية حيث كانت عبارة عن رسمة لجملين في الوسط وبعض الزخارف حول اسم البنك
أبعاد الورقة : 158 x 81 مم
هذه الورقة جاء عليها اثنين من التوقيعات وهم : السير – الوين بالمر، و السير – فريدريك رولات
جنية الجملين عملة نادرة جدًا لم يطبع منها سوى 100 ألف نسخة أو أقل ، تعرض أغلبها للهلاك ، والباقي منها حول العالم حوالي 30 ورقة فقط ، وهي كمية شحيحة بالذات في العمل الورقية ، لأن العملة الورقية أسرع هلاكًا من العملة المعدنية، يبلغ سعر هذه الورقة حوالي نصف مليون جنية مصري ، بحسب آخر سعر بيعت به هذه الورقة في قاعة مزادات “سبينس” اللندنية بعام 2018
أسيادنا يطلبوه :
يعد جنية الجملين ضلعًا محوريًا في أخبث عملية نصب يمكن أن تراها في حياتك .. يذهب الرجل مثلًا إلى أحد الدجالين ليشتكي له ضيق الرزق أو معاناة عدم القدرة على الإنجاب أو غيرها ، فينظر الدجال له بنظرة عميقة ويطلب منه أن يأتي بـ “جنية الجملين” حتى تتمكن الأسياد من حل مشكلتك .. يخرج الرجل من عنده وهو يضرب أخماس في أسداس ويهتف داخل نفسه : من أين أجد هذا الطلب ؟ يفاجئ برجل آخر من مساعدي الدجال وكأنه أحد الزباين يعرض عليه المساعدة ويخرج له “جنية الجملين ” مزورًا من جيبه ويعرضه بسعر 50 ألف جنية ، ويأكلها الزبون ويحبس وراها بـ شاي .
شاهد على العصر
كان “جنية الجملين” أحد الشهود على حادثة دنشواي عام 1906 ، أي كان عمره وقتها 7 سنوات حين هجم فلاحين المنوفية على ضباط الإنجليز بعد أن ضرب أحدهم جرن الحمام الخاص بالشيخ محمد عبد النبي والذي كان يحوي محصوله من القمح فاشتعل حتى صرخت زوجة مؤذن القرية فضربوها بعيار ناري فسقطت قتيلة ، واستشاط غضب الفلاحين وخرجوا للامساك بأحدهم فهرع الانجليز مهرولين حتى مات أحدهم بضربة شمس .. على إثرها نصبت المشانق وأعدم أربعة من الفلاحين ، والجلد 50 جلدة بالقطة الإنجليزي ذات الأذرع الخمسة ، وأحكام شاقة مؤبدة على 7 آخرين.
ربما كان جنية الجملين يطل من جيب أحد الخواجات ليشاهد شنق الفلاحين ، ربما بكى الجملين أو صبّر أحدهم الآخر وقال له : الفلاحون سيصبحون أبطال فيما بعد !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال