أحمد الحجار النجومية في طورها الأنقى
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
بالطبع لكل فنان جانب إيجابي وآخر سلبي، لكن عندما يحضر اسم أحمد الحجار فنحن نتحدث عن حالة فنية نادرة لا تحدث كثيرًا، يمكن اعتبارها نجومية في طورها الأنقى على الإطلاق.
اقرأ أيضًا
ممكن أقول للأستاذ أحمد الحجار : أنا بحبك قوي
دائما ما يضع الجمهور تصورات خاطئة عن نجوم الفن، فتأتي متناقضة عكس بعضها، أما يراهم في صورة ملائكية حالمة تعكس حساسية مفرطة، أو شخصيات متعالية مستهترة تنام نهارًا وتعيث فسادًا بالليل، كل تلك الصور المتداعية تعكس افكارًا نمطية عن شخصية الفنان وعن مفاهيم النجومية.
في حوار سابق مع المطرب علاء عبد الخالق وبالحديث عن بعض أغنيات البدايات أتى ذكر أحمد الحجار الذي قدم له ألحان “مشاعر” “وياكي” “راجعلك” فقال نصًا عنه “أحمد الحجار أجمل شخص ممكن أن تقابله في حياتك كلها، ولن ابالغ في وصفه بملاك حقيقي يتجسد في صورة بشر”.
لم يبالغ علاء عبد الخالق في وصف أحمد الحجار بالملاك، فليس وحده الذي اختصه بهذا الوصف، فعندما تقابل اي شخص من الوسط الفني تصادف وأن اجتمع به مرة واحدة على الأقل، فحتما سيقول لك نفس الكلام.
أحمد الحجار شخص نفي السريرة لا يلوك في سيرة الاّخرين، لا يحمل أي ضغائن تجاه أي فنان، ظهوره الإجتماعي محسوب وبدقة بعيد عن جلسات الأنس والمزاج والنميمة، يزهد الأضواء والشهرة، لن تسمع عن مشكلة واحدة كان طرف فيها، ولن يتصدر أسمه عناوين الصحف والمواقع سلبًا، بإختصار أنت في حضرة صوفي يتحدث بلغة مختلفة غير إعتيادية من ملحن.
في بيت العائلة كان الفتى الصغير أحمد يتابع عن بُعد دروس والده لأخيه الأكبر المطرب علي الحجار، فيقول أنه كان يخجل من مجرد الغناء امامهما، كان يستعيض عن الغناء بممارسة هواية دندنة الألحان بالصفارة، تلك الهواية التي ستتحول بصمة مميزة جدًا في الحانه بعد ذلك.
في أولى سنوات الدراسة في كلية التربية الموسيقية صنع أول ألحانه “اعذريني” لكنه ظل حبيس الأدراج يدندنه من حين لاّخر داخل البيت ومنعه الخجل من أن يعرضه على أخيه علي الذي كان يخطو أولى خطوات الشهرة والنجومية، لعبت الصدفة دورها في يوم كان يهم علي بالخروج حتى سمعه يدندن اللحن فألغى الخروج وجلس يستمع إلي تفاصيل تلك الأغنية البديعة التي ستصير عنوان لأحد أنجح ألبومات الفترة وأكثر ألبومات على الحجار مبيعًا على الإطلاق.
كان حلم الأب إبراهيم الحجار أن يصير مطربًا وملحنًا معروفًا فاصطدم بالواقع البيروقراطي البغيض الذي أصر على حذف اسم الحجار فتبخرت الاحلام سريعًا وتحققت مع جيل الأبناء، فيظهر الثلاثي في الألبوم العائلي “الأحلام” والذي لحن فيه أحمد الوجه الأول وتكفل الأب بتلحين الوجه الثاني، كان هذا الألبوم بمثابة إعلان أن الأحلام قد تصير واقع حقيقي يومًا ما.
أهم ما اكتسبه أحمد الحجار في تلك الفترة هي قدرته الكبيرة على انتقاء الأشعار الجيدة، فنجد أن البدايات كانت مع شعراء عامية يكتبوا الأغنية على مضض “عثمان اسماعيل” “حسين حسيب” “وحيد مخيمر” ثم “جمال بخيت” الذي شكل معه ثنائي فني فقدما “تسأليني” “بحبك وانطلق عصفور” في البوم “في قلب الليل”
اقتصرت الحانه في البدايات على صوت أخيه علي الحجار وهو الأمر المغري لأي ملحن يريد استعراض الحانه مع صوت قوي قادر على غناء كافة الألحان الصعبة، ومع ذلك لم يحاول الإستعراض مطلقًا بل من الجائز أن نقول انه صنع ألحانًا دافئة استطاعت ترويض هذا الصوت القوي الجامح.
ساهم أحمد الحجار في بدايات علاء عبد الخالق الفنية وهو ماجعله يحتك بمدرسة موسيقية جديدة على الاذن المصرية من خلال توزيعات حميد الشاعري، وهو أمر يحسب له أنه لم يهاجم تلك الموجة الجديدة من الغناء بل تفاعل معها وكانت ألحانه بمثابة نقطة إنطلاق فني جديد له.
الفجر لسه بيبتسم بين دمعتين
لم يتملك أحمد الحجار موهبة التلحين فقط، فحباه الله بصوت دافي شجي حنون، وكانت هناك محاولات كثيرة لتقديمه كمطرب لكنه كان يرفض لأسباب تتعلق بطبيعته الخجولة التي لن تقبل الظهور في الملاهي والأندية الليلية، لكن بعد محاولات مضنية أصدر مجموعته الأولي “حنين” مع شركة سونار، أثبت هذا الألبوم أن يجوز الجمع بين تيارات فنية وموسيقية مختلفة وأن الخلاف بينها ماهو إلا محض هراء، فكتب كلمات الألبوم بالكامل الشاعر “جمال بخيت” أحد اقطاب العامية المصرية ، ووزعه رمزان من رموز الموجة الموسيقية الجديدة “طارق مدكور”و”حميد الشاعري”
حققت “عود” شهرة واسعة له بل صارت أشهر أغانيه حتى الأن، كانت الحد الفاصل التي حولت أحمد الحجار من ملحن خجول لا يظهر إلي مطرب انتزع مكانة فنية مرموقة وسط تنامي صعود أجيال جديدة من الغناء.
واصل أحمد الحجار مسيرته المدهشة كملحن فلحن “هتعرفينى” علاء عبد الخالق و”أنا حلمك” لهشام عباس” ماليش غير قلب “أنوشكا” الدنيا دروب “أنغام” “لما الشتا يدق البيبان” التي انتزعها علي الحجار منه وصارت أكتر أغنياته إكتمالا على حد قوله.
من العلامات المهمة في مسيرته تعاونه مع محمد فؤاد بتلحين ألبوم فيلم “أمريكا شيكا بيكا” بالكامل والتي غني فؤاد “يعني ايه كلمة وطن” والتي تعتبر أهم أغنيات فؤاد على الإطلاق
أصدر مجموعته الثانية “أتمنيت” والتي ضمت رائعته “لملمت خيوط الشمس”، ثم “ولا عمري” وأعاد غناء بعض ألحانه الشهيرة في ألبوم “الأحلام” الذي صدر في أوائل الألفينات.
ضد التصنيف
يحسب الجمهور حساباته الغير منطقية احيانًا ويعشق تصنيف الفنانين، لكن في حالة أحمد الحجار صعب أن تضع في مصاف تيار موسيقي بعينه، فلو مررت على عدة حوارات له سنجد أنه لا يخرج علينا بتنظيرات فنية تغازل فئة بعينها ويهاجم أي تيار موسيقي حتى لو لم يتسق مع أفكاره الخاصة، آراءه منضبطة في الغالب يقف على مسافة واحدة من الجميع، نجح مع جيله من المطربين والمطربات ونجح مع الأجيال التي تلته حتى الأجيال الشابة التي دأبت الصحف على مهاجمتها ليل نهار لم يجد غضاضة في التعاون معهم، ملحن كرس عوده ليخرج لنا أعذب الألحان ويصنع أغنيات حفرت مكانة مميزة بين عدة أجيال متعاقبة.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
مقال عظيم جدًّا بيعرَّف أي حد مين هو الفنان العبقري العظيم الدافي أحمد الحجار، اللي كتير يجهلوه، واللي أكيد فايتهم كتير وخسروا كتير لو ماسمعهوش، مسيرة فنية فريدة من نوعها، مليئة بالزُهد والنقاء والسلام والرُقِي، بعيدة كل البعد عن العِراک والمنافسة وسباق الفنانين، مسيرة فنية راقية فعلًا…