202 مشاهدة
ألبوم أنا بحبك أنت : رامي صبري و استمرار البحث عن هوية مستقلة

-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
أطلق المطرب رامي صبري ألبومه الجديد “أنا بحبك أنت” وسط موسم صيف مشتعل فنيًا حيث تتوالى صدور ألبومات النجوم تباعًا، هذا الألبوم يضع رامي صبري في مواجهة مباشرة مع هؤلاء النجوم في ظل رغبة الجميع في إثبات الحضور والتألق في صيف شرس فنيًا لم تشهده الساحة الغنائية المصرية منذ فترة كبيرة.
في ألبوم “أنا بحبك أنت” لم يخرج رامي صبري كثيرًا خارج إطار فريق العمل الذي اعتاد التعاون معه فنجد أسماء ثابتة مثل تامر حسين ، عمرو المصري مع أمير طعيمة ، محمد عاطف ، أحمد جابر ، أدهم معتز أما على صعيد الألحان فشارك رامي صبري في تلحين ثلاث أغنيات بجانب مدين ومحمد شحاتة وعمرو الخضري والمفاجأة هي وجود أغنية من ألحان حسام حبيب، أما التوزيع الموسيقي فاعتمد على رفيق دربه طارق توكل بجانب عمرو الخضري وأسامة الهندي.
تفاصيل الألبوم
أنا بحبك أنت
على الرغم من الخبرة الطويلة للشاعر أمير طعيمة إلا أنه استخدم تلك الخبرة في نحت أغنية باهتة ومكررة، بداية من عنوان الأغنية حيث يعج الأرشيف الغنائي بمئات الأغاني تحمل نفس الاسم، مع الاعتماد على مفردات مستهلكة مثل بحبك انت وحبيبي التي كررها أكثر من 15 مرة مما أفقدها أي طابع مميز.
لم يختلف اللحن الذي وضعه رامي صبري على مقام النهاوند كثيرًا، جمل لحنية متوقعة ومألوفة، توزيع اسامة الهندي في قالب ال Latin Pop بنفس الحليات المعهودة من البيركشن والصقفات مع جيتار كلاسيكي في خلفية الغناء، باختصار أغنية تحيلنا إلى أوائل الألفية وقت انتشار موجة الموسيقى اللاتينية في مصر، الأغنية مثال واضح على الأغنيات التي تعتمد على قوالب لحنية جاهزة ولا تحمل أي بصمة فريدة أو مميزة في فقر ابداعي أنتج في النهاية أغنية تشعرك بالملل من أول لحظة.

بحكيلك عن الأيام
تمثل كلمات أحمد معتز نموذجًا متقنًا لكتابة أغنية درامية تحمل بساطة لغوية وعمق عاطفي دون تعقيد في الألفاظ أو صور مجازية مبهمة او خارج السياق، الفكرة تدور حول موضوع الفراق وما يسببه من ألم نفسي و تجسيد للصراع بين الحب والكرامة، الكلمات متماسكة جدًا ببناء محكم وتدفق أفكار منطقي واعتماد على مفردات مباشرة عبرت بشكل جيد عن الفكرة.
لحن حسام حبيب على مقام النهاوند يكشف عن فهمه العميق جدًا لطبيعة العلاقة بين الكلمة واللحن حيث بنى اللحن بشكل جيد وجعل كل جملة موسيقية تعكس بدقة مضمون الكلمات، لحن يثبت أننا أمام ملحن قوي جدًا أضاع من عمره الفني الكثير بسبب مشاكله الشخصية.
توزيع أسامة الهندي أكمل تلك التحفة الفنية، حيث صب اللحن في قالب الـ Pop Ballad، توظيف ذكي جدًا للبيانو و كوردات الجيتار مع هارموني ثري جدًا وتوظيف جيد للإيقاع، ثم منح مساحة واسعة لـ رامي صبري ليقدم أداء متواصلًا دون انقطاع في اختيار رائع حيث خلق حالة من التدفق العاطفي المستمر جعل المستمع في تواصل مع الأغنية دون تشتت ثم جعل الفاصل الموسيقي في نهاية الأغنية كنقطة تحول قبل العودة إلى السينيو الرئيسي ثم ختام بهمهمات رامي صبري مع البيانو والجيتار حتى تتلاشى الموسيقى تدريجيًا، الأغنية واحدة من أفضل أغاني صيف هذا العام ولن أبالغ أن قلت أنها واحدة من أحلى ما غنى رامي صبري في مسيرته.

بياع
معالجة بمفردات قاسية جدًا من الشاعر عمرو المصري لفكرة الخيانة واستحالة عودة الحبيب مع رغبة شديدة في الانتقام والتشفي، لحن قوي جدًا من عمرو المصري على مقام الكرد مع عربة حجاز وظفها بشكل رائع في قفلات الجمل، التوزيع جاء بسيط جدًا أفضل ما فيه هو جملة الفاصل الموسيقي مع توظيف جيد لاّلة الناي في مردات الغناء أعطت مساحة مقبولة من الحزن ، الأغنية موسيقاها تحيلك تلقائيًا إلى أغنية “هيجيلي موجوع” أنجح أغنيات العام الماضي.
العوض على الله
كلمات محمد عاطف تتناول موضوع الخيانة العاطفية من منظور الضحية أمام طرف اخر ظالم ، الفكرة تقليدية بمعالجة مباشرة مع الحديث من منطق الشخص الضعيف المستسلم النادم على العطاء الزائد ويرى العوض على الله.
لحن رامي صبري على مقام الكرد بأفكار بسيطة تماهت مع فكرة الكلمات ،تسلسل جملة السينيو يشبه إلى حد ما نفس تسلسل جملة سينيو أغنية “ولا ليلة من لياليك” لـ محمد حماقي من ألحان تامر على، توزيع بسيط من طارق توكل مقسوم بطئ مع كوردات جيتار وجملة فاصل جيدة من الوتريات.
بقلبي معاك
يعيد تامر حسين تدور المفردات والقوافي المتوقعة مثل “نتلاقى ، مشتاقة” ” معاك ، وياك” وأكاد أجزم أنه يميل إلى تحديد القافية أولًا ثم بناء الجملة حولها حتى لو أثر ذلك على ترابط الفكرة، لكن عموما المستمع يتغاضى عن كل ذلك إذا نجح الشاعر في التعبير عن فكرته خصوصًا لو كانت رومانسية حالمة تدغدغ المشاعر.
على صعيد اللحن، قدم مدين لحناً حالماً ورومانسياً على مقام الكرد، نجح في التعبير عن الكلمات ببراعة. أما التوزيع الموسيقي، فيحمل بصمة أسامة الهندي الواضحة، حيث يتبنى قالب الفلامنجو. يتصدر الجيتار المشهد الموسيقي بالكامل، بداية من الرتم والكوردات المصاحبة للغناء، بالإضافة إلى صولو جيتار حالم يتناغم مع الغناء ويبرز في الفواصل الموسيقية
مستغرب أنت
من المرات القليلة التي يظهر فيها تامر حسين بشكل جيد، الكلمات تعكس شخصية صلبة قادرة على تجاوز جروحها تتحدث من منطق القوة واللامبالاة تجاه من تسبب في ألمها، الصياغة مباشرة لكنها نجحت في التعبير عن الفكرة بشكل جيد،لحن على شعبان على مقام النهاوند مكون من فكرتين تم توظيفهم بشكل جيد لخدمة فكرة الاغنية، توزيع طارق توكل صب اللحن في قالب الـ Latin Pop بشكله المعروف من توظيف جيد للجيتار بطول الاغنية مع الإيقاعات وهارموني بسيط.
فقدت الأمل فيكي
فكرة الكلمات تدور حول نقطة اللاعودة في العلاقات العاطفية حيث يعلن الطرف الأول يأسه وفقدانه الأمل في إصلاح العلاقة رغم البناء الجيد لكلمات عمرو المصري إلا أن المعالجة قاسية بعض الشئ حيث تتخذ منحى هجوميًا “هتعيشى بعدى مكروهة”
لحن رامي صبري على مقام النهاوند مع عُربة حجاز قوية، لكن على الرغم من بناء اللحن الجيد فإنه لم يتماس مع فكرة الكلمات بشكل كبير وتشعر بفجوة بينهما، هذه الفجوة اتسعت مع توزيع عمرو الخضري الفارغ تمامًا والذي اعتمد على جملة اللحن “فقدت الأمل فيكي” في المقدمة وجملة الفاصل،دون إضافة أي لمسه منه سوى جملة خاطفة من الكمان لم تظهر كثيرًا.
حلوة
والأن مع الأغنية الحشو في الألبوم، كلمات أحمد جابر مكررة عن الحبيب اللي “جميل جمال مالوش مثال” والغريب أن رامي صبري سبق وغنى أغنية تحمل نفس الأسم وأن حاول التحايل بتغيير عنوانها “كل حاجة فيها حلوة” ، لحن محمد شحاته على مقام الكرد بجمل مستهلكة مع توزيع إيقاعي من طارق توكل، أغنية تنساها بمجرد أن تنتهي منها.
غلطان
فكرة تقليدية جدًا من الشاعر عمرو المصرى صاغها بمفردات مباشرة وقوافي مستهلكة ويبدو أنه يتبني خطابًا عنيفًا في الاغاني الدرامية ” يعيش خسران، يعيش تعبان، يعيش ندمان” لحن تقليدي من عمرو الخضري على مقام الكرد به مسحة من الحزن لا تتناسب مع الكلمات التي تتحدث من منطق قوة مع توزيع فارغ هارمونيًا يوضح انه قد يكون جيدًا كملحن لكنه ضعيف كموزع.

تيجي نتصور
أغنية عبثية جديدة يتحفنا بها تامر حسين توضح أنه نال من التقدير والفرص ما يفوق استحقاقه، أغنية بلا معنى تفتقر إلى أي طرح جديد او مختلف مع تكرار ملحوظ لمفرداته المعتادة والمحدودة جدًا وتكرارها بشكل سخيف مثل “يلا يلا يلا” و”الله الله الله” و”تعالى، تيجي”،واستكمالًا للعبث هو تزامن صدور الأغنية مع أغنية أخرى كتبها لعمرو دياب بعنوان “يلا” والتي تشابه فيها بعض المفردات منها “تيجي نرقص”، أما على صعيد اللحن فقدم مدين لحنًا ضعيفًا على مقام النهاوند بجمل مستهلكة بينما يفتقر توزيع طارق توكل إلى التميز في قالب الـ Latin Pop ويوضح الفارق الكبير بينه وبين أسامة الهندي.
الختام
يكشف ألبوم “أنا بحبك أنت” عن خلاصة رحلة رامي صبري الفنية، والتي تتسم بالبحث المضني عن هوية غنائية مستقلة، فالتباين الصارخ في مستوى الأغنيات بين أعمال عالية الجودة تبرز قدراته الحقيقية واخرى تتهاوى إلى مستوى متدن وكأنها صادرة من فنان آخر تمامًا، ليس مجرد تذبذب عابر بل هو انعكاس لغياب رؤية فنية راسخة وعدم استقرار على مسار إبداعي واضح، هذا التخبط يكشف أن رامي صبري لم يرسي قواعد محددة لبناء هويته الخاصة وأن كل أغنية تمثل محاولة قد تصيب أو تخطئ في سبيل اكتشاف ذاته الفنية.
هذا التباين لو اعترف به يجب أن يدفعه إلى تقييم شامل أولًا لفريق العمل المحيط به فضعف الكلمات التي لا تليق بمطرب يصنف نفسه من نجوم الصف الأول وبعض التوزيعات الموسيقية التقليدية التي تفتقر إلى الإبداع والتجديد والتي تعيق بشكل كبير بناء هوية متفردة، فهو يحتاج إلى فريق عمل يلهمه يترجم رؤيته لا أن يقيده ويكرر ما هو سائد.
الأهم من كل ذلك هو ضرورة الابتعاد عن محاكاة أعمال مطربين اخريين لأن هذا ضد خلق هوية خاصة وأن يدرك جيدًا أن أغنياته الناجحة كانت عندما قرر أن يكون نفسه وليس شبحًا لغيره مثل “حياتي مش تمام، يمكن خير، بين الحيطان” والتي أظهرت نضجًا فنيًا حقيقيًا وكشفت قدرته على تقديم محتوى يعكس شخصية فنية مستقلة ومتميزة والجمهور بطبيعته يميل إلى التجارب الأصلية ويقدر الفنان الذي يقدم رؤيته الخاصة ولا يجنح إلى النسخ المكررة أو المنسوخة من تجارب سابقة مهما كانت ناجحة، رحلة البحث عن الهوية الفنية مسار شاق لكنها كفيلة بتحقيق الاستمرارية والنجاح والبقاء في ذاكرة الجمهور فترة أطول.
ألبوم نانسي 11 : بين التنوع الأمن ورهان الاستمرارية
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
ما هو انطباعك؟









