رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
5٬457   مشاهدة  

“أنت ديوث” .. كيف انتشر بيننا هذا المصطلح وما تأثيره على المجتمع؟ (1)

ديوث
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



“أنت ديوث” .. “مساء الدياثة” .. *صورة تحمل خروف صاحب قرون كبيرة تدل على مفهوم الدياثة التي يقصدها صاحبه* .. خمسة سنوات أو أكثر قليلًا هي مدة انتشار هذا المصطلح كالنار في الهشيم على مواقع السوشيال ميديا ، وعقود كثيرة هي مدة انتشاره من الأساس .. حتى أن استهلاكه أصبح مثيرًا للسخرية أكثر من أن يؤخذ على محمل الجدية .

                             

تعمّق المصطلح بشكل كبير وبالأخص بين فئة الشباب على مواقع السوشيال ميديا حتى أصبح يستخدم لفظ ديوث في الصور الساخرة “الكوميكات” ، حتى وصل لأن يكون كاللبانة في فم كل من هب ودب .. حينما تنشر صورة لك مع زوجتك، أو أمك، أو ابنتك، أو أستاذتك، أو مديرتك في العمل،  فأنت معرض بكل بساطة لأن يقول لك أحدهم : “أنت ديوث” ! لمجرد أن شكلها لم يعجبه ، أو أن معاييره الأخلاقية تختلف عن معاييرك الأخلاقيية ، مدمًرا بذلك الحق في الخصوصية ، واندلعت بذلك نار الاتهامات التي طالت نجوم المجتمع قبل أن يستشري هذا الاتهام في المجتمع الذكوري بين الرجال وبعضهم ، وبالأخص أبرز الأحداث التي ظهرت الفترة الأخيرة :

 

شريف منير وبناته

كانت أبرز قضايا الاتهام في الفترة الأخيرة ، عندما نشر الفنان شريف منير صورة لابنتيه كاميليا وفريدة معلقًا : كاميليا شريف منير ، وفريدة شريف منير .. وهنا انطلقت الاتهامات الجنونية في التعليقات معترضين على شكل ملابس ابنتيه ، ومعلقين تعليقات جارحة للفنان وابنتيه .. وقتها تحوّلت القضية لقضية رأي عام عندما قام الفنان شريف منير بحذف ثم نشرها مرة أخرى ، ورد ردود حادة تناسب التعليقات الجارحة التي طالته هو وبناته ، ومن ثم تفجرت هذه القضية وأصبحت مسار جدل مجتمعي لفترة طويلة لم تنتهي سريعًا .. وقال الفنان وقتها : الأفراط في حسن النية قد يكلفك الكثير .. بعد ما نزّلت صورة بناتي فريدة 16 سنة ، وكاميليت 12 سنة .. شوفت تعليقات من ناس مرضى .. وقليلي الرباية .. وجرحوا بناتي وجرحوني فمسحت الصورة .. ولقيت البوست ده معناه ينطبق عليا .. حسبي الله ونعم الوكيل .

 

ووصف متأثرًا أن زوجته وبناته طلبن حذف الصورة وهو بذلك احترم رغبتهن ولكن بعد تفكير قرر إعادة نشرها لكي يثبت أنه حر وأنه لن يسمح لأيًا ما كان أن يحدد ما يقوم بنشره على صفحته ، ولجأ الفنان لمباحث الإنترنت مشيرًا لأنه يكن كل الثقة في القانون وأنه لن يسامح أو يتهاون مع من أجرموا في حقه أو في حق بناته ، ولن يتنازل عن المحاضر الذي قدمها ضد هؤلاء ، ممتنًا لكل التعليقات الإيجابية والمساندة من الجمهور السوي ، ضد المجرمين والمتنمرين .

 

ديوث
شريف منير وبناته

يوسف الشريف وزوجته

في هذه الحالة ، كانت هناك مفارقة غريبة ، حيث تلقى الفنان يوسف الشريف دعمًا هائلًا على مواقع السوشيال ميديا بعد تصريحاته التي انتشرت بأنه يشترط في تعاقداته في الأعمال الفنية عدم لمس أي فنانة مبررًا بذلك أنه صاحب فلسفة فنية خاصة بشخصه ، فانهالت عليه التعليقات المؤيده لموقفه ، والرافضة والساحقة لكل من يحاول أن ينتقده ، لكن سرعان ما تحولت حالة التأييد هذه إلى تنمر واتهامات من كل حدب وصوب عندما نشر الفنان يوسف الشريف صورة تجمعه مع زوجته إنجي علاء في حديثة منزل ، وعلق كثيرين أن ملابسها غير شرعية ، وأن الفنان بذلك يخالف ما قال وعليه أن يحذف هذه الصورة ! ، وقتها علق الكثيرين : أن شراء رضا السوشيال ميديا يقلب الطاولة على صاحبه .

 

ديوث
يوسف الشريف وزوجته

عمرو السولية وابنته

أما عن أغرب حالة برزت في الفترة الأخيرة ، هي حالة اللاعب عمرو السولية ، لاعب النادي الأهلي ، وابنته ليلى صاحبة الثلاث سنوات ، عندما نشر صورة تجمعهما في سيارته ، فتلقى على إثرها تعليقات أقل ما يقال عنها أنها “جارحة ” عندما علق أحدهم على مظهرها ، وأحدهم نصحه بأن “يتقي الله” .. وعلق اللاعب بعدها : تم إتخاذ كافة الإجراءات القانونية وعمل محاضر لكل من أساء فى حقى أو فى حق أى فرد من أفراد أسرتى ياريت أى حد يتعرض لأى موقف مشابه ميسكتش عن حقه علشان نقدر نقضى على الظاهرة البشعة المنتشرة فى مجتمعنا وسيحاسب كل من أساء ربنا يحفظنا جميعاً !

ديوث
عمرو السولية وابنته

 

لم تكن الحالات الثلاثة السابقة ، هي الحالات التي انتفضت إليها المجتمع جدلًا ، وحاول الكثيرين الابتعاد عن الحديث حول هذا المصطلح وتأثيره خوفًا من أن يطولهم من الإساءة جانب .. لكننا تواصلنا مع محمد أبو العيون، الباحث في الفكر الإسلامي – متخصص في التراث وشئون الأزهر والذي بدوره شرح لنا جذور المسألة ولماذا وكيف انتشرت بهذه الطريقة في مجتمعنا في الفترات الأخيرة ومن السبب وما الدوافع في انتشارها :

 

مصطلح “ديوث” في اللغة مشتق من “دَيّثَ” بمعنى سهل الأمر وذلله، وفي الشرع يُقصد به الرجل الذي يُدخل الرجال الأجانب أو الغُرباء على أهل بيته وهو ما يُعرف شعبويًا بـ”القواد”؛ هذا التعريف اللغوي والشرعي للمصطلح يقودنا إلى أن المقصود بـ”الدياثة” هي تسهيل الرجل وتذليله وموافقته على إرتكاب أهل بيته لفعل الزنا، وهو فعلٌ تأباه الطبيعة البشرية عامة، وعُرف عن العرب حتى من قبل الإسلام رفضهم لمثل هذا الفعل، ولذلك كان هذا المصطلح غير منتشر داخل المجتمع الإسلامي حتى حقبة السبعينيات من القرن الماضي.

 

ومنذ سبعينيات القرن الماضي وتزامنًا مع غزو السلفية الوهابية لمصر وحدوث ما عُرف بـ”سلفنة مصر”، توسع المنتمون إلى تيار الإسلام السياسي في استخدام مصطلح “ديوث” دون مراعاة الضوابط الشرعية التي جعلت هذا الوصف حكرًا على من يرضى لأهل بيته إرتكاب فعل الزنا؛ فصاروا يصفون الرجل الذي يعطي لزوجته أو شقيقته أو ابنته حقها في التعليم والعمل وحرية ارتداء الملبس والخروج بـ”الديوث”.

 

إقرأ أيضا
القاهرة الإخبارية

ثم توسع الإسلاميون في إطلاق هذا المصطلح وصاروا يصفون به كل من يخالفهم أيديولوجيا بـ”الدياثة”؛ فكل داعٍ للإصلاح والتنوير، وكل مدافع عن حرية المرأة، وكل مطالب بفصل الدين عن السياسة، وكل رافض أو مجابه لمصطلحات الحاكمية والخلافة الإسلامية ووصاية رجال الدين والكهنوت… إلخ، كل هؤلاء باتوا مطاردين بهذا المصطلح الذي يقتلهم معنويًا لأنه يشوه صورتهم وسط المجتمع الذي يعيشون فيه.

 

ولم يكتفي دعاة السلفية الوهابية – والتيار الإسلاموي في العموم – بتشويه كل من يخالفهم من الأحياء بهذا المصطلح؛ بل ذهبوا لأبعد من هذا، حين تتبعوا كل دعاة الإصلاح والتنوير ورموز الفكر والأدب والفن والسياسة الذين رحلوا عن دنيانا وراحوا يُسقطون عليهم هذا الوصف التشويهي، ولأن الإسلامويون كانوا يصدرون أنفسهم للمجتمع على أنهم المتحدثين باسم الله فقد نجحوا في إقناع المجتمع بمزاعهم، وأصبح المصريون – ولأول مرة في التاريخ الحديث – يُطربون وهو يسمعون داعية مثل عبد الحميد كشك، يخوض من فوق منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعراض الفنانين والمفكرين ويصفونهم بالدياثة.

 

هذه “الردة المجتمعية” التي حدثت جراء الغزو الوهابي، أفقدت مصر عقلها وأخلاقها، وأصبح معها الإصلاح والفكر والفن وكل معاني الرقي والجمال “دياثة”، وفي المقابل تجذر داخل الوجدان المجتمعي أن الظلام هو الفضيلة والشرف، وهنا أصيب التنويريين والمفكرين وحتى الفنانين بنوعٍ من الخوف والفزع لأن كل من يجرؤ على إعمال عقله والإبداع في أي مجال من مجالات الحياة تنتظره حملة شعواء من تشويه السمعة والنيل من أهل بيته، وتكفيره، أو على الأقل اتهامه بمعاداة الإسلام؛ ففضل بعضهم الانسحاب بالكلية من هذا المعترك، بينما ظل الآخرون يهمسون بأفكارهم وإبداعاتهم في صالونات مُغلقة.

 

وإذا نظرنا إلى البعد الديني لوصف شخص بـ”الدياثة”، نجد أن النص القرآني الذي يقول الله سبحانه وتعالى فيه: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (النور: 4)، كان حاسمًا في اعتبار الواصف “فاسق” ولا تُقبل له شهادة طوال حياته حتى لو تاب، إضافة إلى وجوب جلده 80 جلدة، لأنه اتهم غيره بـ”الدياثة” دون أن يأتي ببينة قاطعة تؤكد اتهامه، والتشريع الإسلامي كان حاسمًا في مسألة معاقبة هؤلاء المتطاولين حفاظًا على أعراض الناس، ولأن عناصر التيارات الإسلاموية يأولون النصوص القرآنية بما يخدم مصالحهم وأغراضهم فقد اعتبروا نساءهم هن “المحصنات” دون بقية النساء، وبالتالي باتوا يخوضون في أعراض غيرهم تحت زعم أن هذا جهاد لنصرة الدين.

 

الكاتب

  • ديوث محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
10
أحزنني
1
أعجبني
4
أغضبني
4
هاهاها
2
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان