الانتظار .. الجزء الأصعب من الحكاية
-
عزة سلطان
كاتب نجم جديد
البدايات كلها حلوة، كل الصغار هم مرادف الجمال والرقة، وليت الحياة كلها تُختصر فى البدايات!
لكن الابتسامات ودقات القلوب يا جيجي ليست كل شيء.
عزيزتي جيجي
عشرات من أحلام اليقظة قد تكفي لتمرير بعض الوقت، لكن مرارة ستظل عالقة فى مساحة بعيدة فى الروح، سنُعيد اجترارها فى أوقات البعد ولحظات الفراق، ومن هنا تبدأ الحكاية وليست من الابتسامة.
يا جيجي
كانت الثواني تتباطئ فى المرور وأنا أقف فى مكاني مصلوبة فى فراغ الشارع، أتمني أن أُطل علي ساعتي لأعرف هل اقترب موعد وصوله أم لا، ربما أخطأت للوصول مبكرة، وربما لم أصل قبل الموعد لكنه هو من تأخر، ظلت الثواني تتابع وتجتمع فى دقائق، وأنا أخشي أن يلحظ أحدهم انتظاري، نعم نحن نخشي أن يري العابرون انتظارنا، فيسخرون منا في قرارة أنفسهم، رغم أنهم يرون ذلك ويسخرون، فقط حين ننتظر نُلهي أنفسنا في أشياء عديدة ظنًا أن الآخرون لن يلحظوا.
فى البداية يأتي الانتظار مشفوعًا بشغف الاشتياق، احتمالات اللقاء، عشرات التوقعات للنظرة الأولي عند المقابلة، كيف ستتم المصافحة، ماذا يرتدي، اشراقة عينيه، عطره كل التفاصيل التي تعلو بالاشتياق إلي مراحله القصوي، وهكذا هي البدايات شغف واشتياق.
هل تعرفين يا جيجي كيف يتحول الاشتياق إلي قلق؟ إنه الانتظار
تنفلت الدقائق ويبهت الاشتياق، تُصبح نظرات المارة بمثابة سهام موجهة، تعري المنتظرين، الابتسامات والضحكات مجهولة المصدر تصير فعل سخرية مؤكد، معذبون هؤلاء الذين ينتظرون فى الشوارع أو عند محطات المواصلات، يصبحون مثل شاخص مجاني متاح لتعلم الرماية، كل مار يُلقي نظرة، يتفحص المنتظر، وكم من فتيات انتهكتهن عيون العابرون.
أقول لك يا جيجي عن الانتظار.. إنه دومًا الأصعب، حين لا تسندك حجج ظهور قوية فى مكان الانتظار، تقفين بينما الحافلات تمر واحدة تلو الأخري وأنت تنتظرين، تهزمك نظرات التشفي، وهسهسات المتلصصين، يُصلب الاشتياق فى لحظة وتئده إحتمالات القلق، تبدأ الهواجس السوداء فى التتابع، عشرات الأسئلة التي تخرج مرة واحدة عن مبررات التأخير، حدوث مكروه، ثم وهو الأصعب حين يُصيبك الشك فى القلب فتصير الهواجس مبررات للهدم، انعدام القيمة، وعدم التقدير وعدم الاحترام وكثير هم أبناء الشك.
نعم يا جيجي أنا ابنة الزمن القديم، لم نكن نملك هواتف محمولة، ولا تمتلأ المدينة بالمقاهي، لكن هل تعتقدين أننا نمتلك ثقافة الاعتذار عن التأخير، عن تقديم عذر مقبول يمحو الوحدة ويربت علي القلب؟
حين تمرين علي المقاهي وتجدين فتاة وحيدة ينهشها الآخرون بنظراتهم، يضعون أمامها نكاتهم وسخافتهم فى مقابل وحدتها، ألم تُشاهدي ذلك؟
حتي تمارسي الانتظار بآدمية عليك أن تلجأي إلي المقاهي ذات الماركات العالمية، حتي لا يخترق أحدهم انتظارك، ويمكنك تصنع حالة الانشغال بالقراءة أو بمتابعة شيء ما علي هاتفك المحمول.
أعرف رجلًا لم ينتظر فتاته عشر دقائق بعد موعدهما، الرجال أكثر قدرة علي العبور من مأزق الانتظار، علي الانشغال بنساء أخريات يملأن خياله، ليست لديهم هواجس القلق والشك التي نولد بها ونتربي عليها.
لكنك يا جيجي لا تصدقين أن امرأة يمكن أن تنتظر ساعة وساعتين وربما أكثر، تصرخين متعجبة لماذا لا ترحل؟ إنه الأمل نعم الأمل فى أن يأتي ولو متأخرًا، أن تزول صعوبات الوحدة وتتحول لانتصار باللقاء، حين ننتظر نرفض الهزيمة، نشعر بان ثمة شخص يتلصص علينا، شخص سيلمح خيبتنا ويؤول ضعفنا.
ننتظر لنثبت لأنفسنا أننا لنا قيمة عند من نحب، لدينا مكانة في قلوب من ننتظرهم، حتي مع نمو الشك وازدهاره يُصبح الأمل هو الثغرة التي سيتم اختراقنا منها لنعود إلي وضع الاشتياق، هذا الأمل هو السرطان الذي ينهش فى الروح مغزول بالشك، فلا نرحل ولا نصفح فيما بعد.
في النهايات وكل العلاقات تنتهي تتجمع أوقات الانتظار دليل وشاية، الشك والهواجس التي نبتت علي مدار أوقات عديدة تأخر فيها الحبيب أو الصديق، تصبح أوقات الانتظار السوس الذي ينخر فى أسس العلاقة، وكما كان الأمل هو متكأ من ينتظر ليستمر فى وحدته، يُصبح الانتظار بتداعياته هو بقعة الحبر التي تعكر صفو الحليب، تأتي مصحوبة بكل الشكوك وتتجدد لأفكار والهواجس حول انعدام القيمة وضيق الأفق، حين نحب لا نضع فى ملفاتنا مساحات الانتظار، فإن أتت كانت العبء و الهوة التي نسقط فيها فنخسر.
يا جيجي هل تنتظرين مني أن أحتفظ بكل الاشتياق بعد كل هذا الانتظار والوحدة؟
الكاتب
-
عزة سلطان
كاتب نجم جديد