همتك نعدل الكفة
661   مشاهدة  

الحديث عن “علا مصطفى”.. في محبة امرأتي، الفنانة الجميلة والإنسانة الأجمل

الحبيبات
  • - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد



لا يحب الرجال زوجاتهم، في العادة المؤسفة، قدر ما يحبون الحبيبات والصديقات والنساء اللواتي يخطفن عيونهم في الشارع.. ولحسن حظي كانت امرأتي هي نفسها الحبيبة والصديقة وألطف امرأة خطفت عيني في الشارع. قد أحبِّذ أن يظل تعارفنا سرا، أرى ألا أبوح به، غير أننا بالأساس تعارفنا عند الله في العلياء بعالم لا ينتمي إليه هذا العالم الوضيع.

ماتت أمي في مارس 2013، وفور موتها قررت ترك صعيدي الجنوبي الذي عشت فيه عمري كله، قنا تحديدا، والاستقرار في القاهرة، لم يكن ينقصني شيء لأنفذ ما قررته، لا سيما وطفلتي تنتظرني في القاهرة، طفلتي التي كنت أحكي لها القصص من الصعيد في الهاتف حتى تنام، وحين كانت تخبرني بآلامها كنت أطير إليها بالتضامن، لم يكن معنا أحد يسمعنا أو يشعر بنا حينذاك سوى قطط بيتهم التي تطعمها قبيل الفجر وصلاتها التي تحرص عليها مع ندائه الحميم!

لقاؤنا الأقرب إلى الروح كان في وسط القاهرة، عند تاجر الفضة الشهير “فتحي إبراهيم”، جاءتني يومها كما أردتها أن تجيئ، الجينز الأزرق والتيشيرت الأصفر والصندل الأبيض والمانيكير الأزرق الصافي والعطر المركَّب الفواح، كنت يدا خشنة حانية امتدت لأرق الأيدي وحضنا دافئا فسيحا اتسع لأروع الأحضان.

مع الوقت، صار المكان الذي أحبذه في وسط القاهرة مكانها الأثير، لكنها لم تكن تعتاد الذهاب إلى الكافيهات ولا المتنزهات في العموم؛ لأنها وليدة بيت لا يعتمد التجدد كإجراء ضروري لإنعاش الحياة.. فكنا نظهر معا أو أكون مع صحبتي ما دامت غائبة.

أعزَّني والدها الطبيب الكبير، الذي يُكْبِر الثقافة وأهلها والإبداع وأهله، من لقائي الأول به، وفي نهاية ذلك اللقاء أوصلني للأسانسير بنفسه، كما لا أنسى، وكلما هممت بضغط زر النزول فتح الباب، وقال لي: لا تتأخر عني!

من يومها، إلى أن عانى من سرطان البنكرياس اللعين ومات به ومرورا بوقائع الخطوبة والزواج وإنجاب ابنتنا الأولى “خديجة” التي سر حضورُها قلبه أعظم سرور، أصبحنا صديقين مقربين، إلا أنه كان يسمِّينا بالأشقاء (عليه الرحمة وله الطمأنينة)!

“علا” هادئة لا تستريح في الأجواء الصاخبة، وسيدة بيت ممتازة، ولديها قابلية لتعلم الجديد في كل مجال تخوضه، ومتحدية ومتفوقة، قطتها “ميشو” خليلتها الوحيدة، وقرآنها عال حيث تقيم، وبخورها مشتعل، ولو ملكت مالا فإنها تنفقه دفعة واحدة على أشياء بسيطة لذيذة ترغبها أو تعلم أن من في محيطها يرغبونها، وتود لو صارت غنية لتطعم حيوانات الشوارع..

امرأة غيور بجنون، ولا تكذب ولو على رقبتها سكين، وشديدة الاحتمال إلى درجة مدهشة، نظيفة الداخل، ومكرها الصغير مهضوم ومكشوف، ولا تمكر في كثير، لكن في قطعة آيس كريم بالشيكولاتة تود الاستفراد بها بعيدا عن الأعين!

كممثلة، هي متحققة تماما وراسخة، لكنها قليلة الحظ ومظلومة، ووحيدة بلا علاقات في وسطها (فكرة العلاقات لا تروقها بالمرة وليس لها محل من الإعراب عندها) وقد تكون مقصرة ببعض الجوانب للأمانة.

من عجيب أنها لم تنل عضوية نقابتها التمثيلية حتى الساعة، بينما نالها الأدنى منذ أعوام (عملت أكثر من اللازم لكن حصلت على تصاريح أقل من المطلوب وركزت في المسرح والدوبلاج على حساب التلفزيون والسينما).. عاملت فنانين كثيرين، من بينهم رموز في المجال، فدورها مع السيدة “ميرفت أمين” في مسلسل “بشرى سارة” لا يسقط من الذاكرة (شخصية رابعة خادمة بيت الممثلة الكبيرة المذكورة بطلة المسلسل)، ودورها في مسلسل “قيود من نار” أيضا (شخصية فهيمة الزوجة الثانية للفنان محمد شرف تاجر الحشيش الذي يفرض عليها أن تتنكر في زي شاب يختار له اسم قنديل لئلا تكشف زوجته الأولى قصة زواجهما السري) والأمثلة كثيرة.. ومن صُدَفِها السعيدة في العمل شغلها مع مخرجين كبار كجمال عبد الحميد وسمير سيف وعمر عبد العزيز وأحمد نادر جلال وعمر الشيخ.. (شيء طيب كهذا يبقى في سيرتها الذاتية موثقا بالأدوار وعناوين الأعمال).

بجملة ما عملته في الفن، وهو موجود وباق ولا يزال يذاع، كان ينبغي استثناؤها في مسألة “العضوية النقابية”، من باب موهبتها الباذخة وعملها الوافر المخلص، غير أنها بلا واسطة أيضا، ولو كان زوجها الذي يكتب عنها الآن كتابة صادقة ودودة؛ هو ملء السمع والبصر كشاعر وكاتب، ومكرَّما رسميا مرتين في مجال الأدب، وتعده هي نفسها أبلغ أساتذتها وأرقاهم، إلا أنني لا أطلب من أحد شيئا، حتى لو كان بمثابة حق ضائع، وفرحي بحدوث الأشياء الجيدة يكون عبر إحساسي بحدوثها بصورة طبيعية، وإن كنت أعلم أن تلك أمور نادرة ببلادنا التعيسة بالإنكار وعدم التقدير!

قبل أن أكتب هذه الكتابة البسيطة المختصرة عن زوجتي الغالية؛ كان السؤال الواضح في ذهني: لماذا يكون مقبولا تماما أن أكتب عن نساء في حياتي، ومستغربا أن أكتب عن السيدة الأشد سطوعا في هذه الحياة؟!

لقد أصرت “علا”، عندما أنجبنا ابنتنا الثانية، أن نسميها “صفية”، وهو اسم والدتي العظيمة الراحلة، والذي كان عنوانا لواحد من أشهر دواويني الشعرية، ديواني الذي فاز بجائزة اتحاد كتاب مصر لشعر العامية في عام 2015؛ أصرت لأنها وفية لامرأة لم ترها لمجرد أنها والدة فارس الأحلام، ولأن صورة أمي، بمنأى عن ارتباطنا ببعضنا، علقت بوجدانها في دائرة حنين ووقار كبيرين.

إقرأ أيضا
مابولولو

اقرأ أيضا

هذا رأيي في لقاء السيدة انتصار السيسي

للتواصل مع كاتب المقال

[email protected]

الكاتب

  • الحبيبات عبد الرحيم طايع

    - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
7
أحزنني
0
أعجبني
4
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان