همتك نعدل الكفة
49   مشاهدة  

الدعوة إلى شرب الخمر في مصر “تاريخ دمج العلم والوطنية لترويج المزاج”

شرب الخمر
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



قديم هو تاريخ الخمر ويعود إلى ما قبل الميلاد بقرون[1]، وعناصر التطور الذي شهده تعاطي الخمر في العالم عمومًا ومصر بالتحديد متعددة من حيث التصنيعوالترويج أيضًا، ولعبت المتغيرات السياسية والاقتصادية على مدار التاريخ المصري دورًا في تاريخ شرب الخمر والذي وصل لحد دعمه أيضًا.

بداية دعم شرب الخمر في مصر “ادعم اقتصاد البلد”

شرب الخمر
أحد أواني الخمر قبل الميلاد

في زمن الفاطميين كان تصنيع الخمر يدور بين السماح والمنع، إلى أن جاء صلاح الدين الأيوبي وقرر إبطال تلك الصنعة، لكن أصحاب صناعة الخمور دفعوا الأموال إلى ديوان نجم الدين أيوب والد صالح الدين لكي يتم استثناء الإسكندرية من ذلك القرار وهو ما تم بالفعل.[2]

وجاء أول شكل من أشكال دعم الدولة لشرب وتصنيع الخمور في زمن العزيز عثمان بن صلاح الدين الأيوبي إذ حلت في مصر أزمة اقتصادية عنيفة سنة 1196م طالت حتى القصر السلطاني نفسه فلم يجد العزيز عثمان مصاريف أهل بيته حتى، فأصدر قرارًا بإعطاء ضمان لصنع الخمور ومعنى الضمان أن تبيح الدولة صناعة الخمور في مقابل 17 ألف دينار، فتم بيعها في القاعات والحوانيت وحدث في شهر رمضان أول انتشار فعلي للخمور في الشارع.[3]

بإشراف الدولة على تصنيع الخمور باتت تلك حرفة مربحة، دفعت الأهالي لتنصنيع الخمور داخل بيوتهم، لكن الدولة قررت سنة 1198م منع صناعة الخمرة في البيوت بهدف شراءها من الأماكن المتخصصة في ذلك لأنها أماكن تدفع الضرائب.[4]

ضمان المِزْر .. المؤسسة الاقتصادية غير الشرعية

الانبيق وكان يستخدم في تقطير الخمر
الانبيق وكان يستخدم في تقطير الخمر

أثبت العصر الأيوبي أن الخمور اقتصاديًا صنعة تدر أموالاً كثيرة رغم وجود بعض السلاطين الذين حاربوها، وعلى نهج الأيوبيين سار المماليك فبعض سلاطينهم أبطل تصنيع الخمور والبعض الآخر سمح بها، لكن في إطار مؤسسي وهو سياسة ضمان المِزْر.

المِزْر كان أحد أنواع النبيذ وهو من الذرة وكان الأكثر انتشارًا بجانب أنواع أخرى كان يتم تصنيعها من القمح والشعير والبوظة، وكان ال12 رطل بدرهم والجرة ب30 درهم وزاد أسعارها مع الزمن، وبسبب ذلك جاءت سياسة ضمان المِزْر.

وخلاصة تلك السياسة الاقتصادية هو أن يلتزم شخص بتحصيل ضريبة من الضرائب التي يفرضها السلطان، فيما يتكفل هذا الشخص في مقابل توليه المنصب بدفع مبلغ مقرر عليه للديوان في أوقات معينة، وإن زاد المبلغ عن المبلغ المتفق عليه فإن الزيادة تذهب للضامن لا الديوان.

هذا التنظيم الاقتصادي كما ذكر الدكتور سامي بن سعد المخيزيم عن موقف دولة المماليك البحرية تجاه الخمر، جعل هناك وسيلة نظامية سمحت بها الدولة لشرب الخمر وهو الحانات في الحارات وخصوصًا زمن الناصر قلاوون في حارة زويلة والروم والديلم، وقد عززت تلك السياسة من تحصيل الدولة للأموال اللازمة لدفع رواتب الجنود في أوقاتها ومعادلة موازنة الدولة.

العلم والوطنية طريقة أخرى لدعم شرب الخمر

قصف الاسكندرية قبيل الاحتلال البريطاني
قصف الاسكندرية قبيل الاحتلال البريطاني

في سنة 1891م قررت سلطات الاحتلال البريطاني لمصر تقنين بيع الخمر في مصر والسماع رسميًا ببيعه في مصر، فكان ذلك بمثابة الضوء الأخضر للشركات الأجنبية أن تنشط في مصر، مثل شركة بيرة التاج في الإسكندرية سنة 1897م لتقابل بموجة من الاعتراضات التي قادها رموز الحركة الوطنية في ذلك الوقت وعلى رأسهم عبدالله النديم صاحب مجلة الأستاذ وأحد الرموز الكبيرة لحركة أحمد عرابي.

عبدالله النديم
عبدالله النديم

أرشيف مجلة الأستاذ في سنة 1893م يكشف شكل العداء للخمور، فمثلاً قالت المجلة أن عدو الخمر لا يُسْمَع له قول[5]، ثم شنت المجلة هجومًا ضاريًا على بدء معرفة النساء في مصر شرب الخمر[6]، وحملة كهذه عندما تصدر من شخصٍ كعبدالله النديم فإن تأثيره سيكون كبيرًا، فلجأ الإنجليز لابتكار طريقة وهي العلم.

من حملات مجلة الأستاذ ضد الخمر
من حملات مجلة الأستاذ ضد الخمر

فمثلاً مجلة المقتطف سنة 1897م وقفت على الحياد في تلك المسألة فأرجعت أن شرب الخمر يتوقف على رؤية الطبيب، فإن رأى فائدة من شرب الخمر فلا بأس من ذلك[7]، لكن مع الزمن تأسست شركات مثل تأسيس شركة بيرة الأهرام والإبراهيمية سنة 1897م لقيت الشركة دعمًا كبيرًا أخذ شكلاً علميًا والآخر وطنيًا.

مدخل إحدى شركات تصنيع الخمور في الإسكندرية
مدخل إحدى شركات تصنيع الخمور في الإسكندرية

عبر صفحات مجلة اللطائف المصورة سنة 1927م والتي كانت إلى حدٍ كبير مع الإنجليز، قامت بالتسويق للشركة في شكل إعلانات مرفقة بآراء علمية من مجلة الجريدة الطبية وجريدة الطان الفرنسية، وذكرت أقوالاً لأطباء أوربيين مثل ألبرت مرتنس وفان ده فيلد وبول لندر وهرمس؛ والذين اتفقوا جميعًا على فائدة ذلك التعاطي للبيرة وما تنتجه الشركة من خمور.[8]

 من الترويج العلمي لشركة بيرة الأهرام والإبراهيمية
من الترويج العلمي لشركة بيرة الأهرام والإبراهيمية

ومع الدورة البرلمانية في مصر سنة 1927م ومطالبة الحكومة المصرية بتشجيع المنتج المصري، قررت شركة بيرة الأهرام والإبراهيمية الدخول في حملة صحفية للترويج لها من ذلك الباب، وتبنت مجلة مصر الحديثة المصورة الترويج للشركة بين 1927م و1930م[9]، رغم أنها أصلاً تخضع لإدارة كانت بين شراكة انجليزية وفرنسية.

إعلان بيرة الأهرام والإبراهيمية
إعلان بيرة الأهرام والإبراهيمية
من أخبار بيرة الأهرامات سنة 1929م
من أخبار بيرة الأهرامات سنة 1929م

بداية النهاية لدعم الترويج للخمور

من أخبار تقنين المشروبات الروحية والمخمرة سنة 1941م
من أخبار تقنين المشروبات الروحية والمخمرة سنة 1941م

ورغم أن مصر في 7 يوليو سنة 1941م قررت بيع المشروبات المخمرة في أوقات معينة وحظر بيعها في غير تلك الأوقات[10]، لكن مع مطلع الخمسينيات كان هناك دعم للخمور بشكلٍ غير مباشر وصل في بعض الأحيان لقيام الحكومة بتنفيذه.

شرب الخمر
من إعلانات البيرة في مصر

فمثلاً لجنة المالية في البلديات المختلفة رفعت تقريرًا حول ميزانيتها لعام 1951م / 1952م، قالت فيه أن ضريبة الخمور شهدت جمودًا وانكماشًا وسبب ذلك هو منع الترخيصات الجديدة لمحال المشروبات، واقترحت استثناء الإسكندرية والأماكن التي تشهد المصايف من قرار المنع.[11]

إقرأ أيضا
أوبرا

وفي يوليو من العام 1951م أعدت وزارة التجارة مذكرة بشأن تنظيم صناعة المشروبات[12]، والوجود الحكومي في شرب الخمر كان معروفًا في الإطار الرسمي ويتم الإعلان عنه علنًا، فمثلاً وزارة المواصلات في فبراير 1951م نفت أنها دفعت 1150ج كثمن للمشروبات في حفل مؤتمر البريد بالقاهرة.[13]

قانون حظر الخمر في الوقائع المصرية
قانون حظر الخمر في الوقائع المصرية

وبقيت مسألة الترويج للخمور بعيدة نسبيًا إلى أن جاء عصر السادات وأصدر القانون رقم 63 لسنة 1976م والذي نص على حظر شرب الخمر في الأماكن العامة، ويتم استثناء الفنادق والمنشآت والأندية ذات الطابع السياحي، ثم حدد في المادة الثالثة منه حظر النشر والإعلام عن المشروبات وبذلك توقف الترويج للخمور ابتداءًا من 1 أغسطس 1976م.[14]

قبل ذلك القرار الرسمي بسنة كان هناك تمهيد له في سنة 1975م وذلك التمهيد لفت نظر الفنان الرسام صلاح جاهين من خلال رسوماته الكاريكاتيرية الساخرة، إلى أن أقر مجلس الشعب في 17 مايو 1976م قرارًا بوضع وضع عقوبة السجن 6 أشهر لمن يشرب الخمر في الأماكن العامة، مع منع تناول الخمور في الأماكن والمحال العامة وقصر تقديمها على الفنادق والمنشآت السياحية والأجانب فقط؛ لكن صدرت مادة في ذلك القانون تخص حظر النشر أو الإعلان عن المشروبات بجميع أنواعها، ومن هنا كان الاختفاء التام لعملية الترويج للخمور في أي إعلانات مرئية أو مصورة.


 

[1]  محمود حمود، الخمر في التاريخ القديم، مجلة المعرفة السورية، مج55، ع633، يونيو 2016م، ص171.
[2]  المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، ج1، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1418هـ / 1997م، ص151.
[3]  النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، ج28، ط/1، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة – مصر، 1423هـ / 2002م، ص452.
[4]  المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج1، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1418هـ / 1998م، ص197.
[5]  مجلة الأستاذ، ع21، س1، 10 يناير 1893م، ص489.
[6]  مجلة الأستاذ، ع27، س1، 21 فبراير 1893م، ص648.
[7]  مجلة المقتطف، ع1، ص21، 1 يناير 1897م، ص63.
[8]  مجلة اللطائف المصورة، ع28 نوفمبر 1927م، ص26.
[9]  مجلة مصر الحديثة المصورة،  ع27 أكتوبر 1927م، ص33، وع4 يونيو 1930م، ص41.
[10]  جريدة المقطم، ع8 يوليو 1941م، ص2
[11]  جريدة البلاغ، ع27 يناير 1951م، ص7.
[12]  جريدة البلاغ، ع16 يوليو 1951م، ص5.
[13]  جريدة المصري، ع26 فبراير 1951م، ص5.
[14]  جريدة الوقائع المصرية، ع33، يوم 12 أغسطس 1976م، ص652.

الكاتب

  • شرب الخمر وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان