أعلم أهل الأرض الذي خرب حياتي

حظي الحلو جعلني أبن لممثل كوميدي، راجل فرفوش كده وبيحب الحياة، وفي نفس الوقت مش نجم.. فبيعرف يفسحنا ويمشي معانا في الشارع بقدر من تدخلات معجبين مش مزعج خالص، كان شخص متفتح ومتمدن، وده يبان من ألبوم الصور العائلي، صور أعياد الميلاد والمناسبات وما تحويه من ملابس ومشروبات وصورنا “ع البلاچ” أب وأم و3 أطفال كلهم بالمايوهات.

تقول المقولة الشعبية الكافكاوية “الحلو مايكملش”، وهي العنوان المناسب لجوازة أبويا لأسباب عائلية بحتة من بنت عمه.. السِت التي هي ماما.

الماما هي أبنة لأسرة شديدة التعقيد النفسي في بناءها، كانت أحد نتائج هذه التركيبة حرمانها من التعليم بوصفها “البِّكّرَيَة” ومن واجبها تكون دراع أمها اليمين في البيت، يكتمل سوء الحظ أن تستقر الأسرة دي في مدينة السويس الباسلة، اللي بطبيعتها مدينة عمالية بأمتياز فكانت هدف لاستيطان الجماعات الدينية أسوة بباقي المدن العمالية خلال فترة “دولة العلم والإيمان”.

صحيح البابا أسس أسرته في القاهرة، عشان يبقى قريب من دايرة صناعة الفن، بس فضل اللينك مفتوح مع المدينة الباسلة عبر ولاد عمه اللي همة أخوالي، فلما أنضم واحد منهم في شبابه لواحدة من جماعات الإسلام السياسي كان للحدث ده تأثير كبير على أسرتي.. على حياتي.

الدعوة فكرة أصيلة في الإسلام، والتجنيد نقطة أساسية على أجندة كل تنظيم سياسي، فلما يكون الأمر متعلق بالإسلام السياسي يبقى الأستقطاب عند الكادر من دول زي النفس. والتيارات الإسلامية في بداية ظهورها كانت بتشتغل بشكل أساسي على نشر الأفكار في الوسط المحيط لكل كادر؛ التكتيك اللي ساعدهم جدًا في تحقيق قاعدة جماهيرية في مجتمع ذكوري خارج من مرحلة تشبع بالأفكار القومية العروبية.

طاح خالي في أفراد أسرته ينشر فيهم الأفكار الوهابية، وقع تحت تأثيره أختيه.. أمي وخالتي، الخالة كانت أصغر ومش متجوزة فبسهولة لبست النقاب، وبقت أول مدرسة منتقبة في مدرسة كلابشة البتدائية.. ويمكن محافظة أسوان كلها، الإدارة وقتها حولتها من مدرسة لعمل إداري.

هو نفسه كان تركيبة نسوانجي كلاسيكي عظيم.. بس أنضرب بموضوع الدقن والشغلانة دي، فبدل ما يكون “ألعوبان” ذائع الصيت بقى “مزواج” بائس، حيث يقول أبو إمامة الباهلي إنه سمع النبي يقول: “تزوجوا فإِنَّي مُكاثِرٌ بكم الأُمَمَ ، ولَا تكونوا كرهبانِيَّةِ النصارى” صححه الألباني.

ولإن عبد الله بن عمر قال إنه سمع النبي بيقول: “تَناكحوا تكثُروا فإنِّي أُباهي بكم الأممَ يومَ القيامةِ حتَّى بالسَّقطِ“. فالتيارات المتشددة حرمت تحديد النسل.. فبقت النتيجة عدد لا بأس به من ولاد وبنات الخال اللي ماعرفش عددهم، وظروف خالي المادية بقت متكسرة مع إن اللي زمايل دُفعته في شغله بشوات بالمعنى الدارج للفظة حاليًا.

الأخت التانية، التي هي الماما، هي الأكبر ومتجوزة وعايشة بشكل مختلف تماما، ضرب خالي فيروس التشدد الديني في بيتنا خلال زيارته المعتادة لبيت أخته وأبن عمه، بدءت علاقة ماما تتغير بأم ماجد جارتنا المسيحية.. اللي باتفرج عندهم ع الفيديو وابنها بيلاعبني شطرنج وكوتشينة.

طقس صلاة الجمعة بقى له مساحة أكبر من حياتنا، الموضوع ماعدش مقصور على أني بانزل أروح الجامع الأحمر أسمع الخطبة وأصلي الركعتين وأروح. لأ الموضوع كبر وبقت رحلة أسبوعية لجوامع بعيدة.. أو زي ما بقى إسمها “مساجد”.

الموضوع توسع وتعمق، بقى ممتد لمساجد تانية غير “بتاعت الأوقاف”، أغلبها بعيد عن البيت.. رمسيس والزتون وطرة وحلوان، المشوار في حد ذاته بقى “تارجيت”.

عن أَبي هريرةَ أَنَّ النبيَّ قَالَ: “مَنْ غَدا إِلى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّه لهُ في الجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ” مُتَّفَقٌ عليه.

وعنهُ أيضًا أَنَّ النَّبِيَّ قالَ: “مَنْ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ، ثُمَّ مَضى إِلى بيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرائِضِ اللَّهِ، كانَتْ خُطُواتُهُ، إِحْدَاها تَحُطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرى تَرْفَعُ دَرَجَةً” رواه مسلم.

ماسورة أحاديث انفجرت في بيتنا وسيطرت على حياتنا، أمي تحولت لست ناقمة على حياتها وشايفة كل حاجة فيها حرام لبسها ولبس عيالها ومدارسهم وشغل جوزها ويمكن جوزها شخصيًا.

نجحت الماما -مدفوعة بإيمانها العميق بكل ما يستجد من فتاوى مدعومة بأحاديث- في تحويل حياة أسرتها لجحيم لا ينتهي إلا بتحولها بالكامل لإتّبَاع الدين الجديد أو تشتتها بالإنفصال بأي شكل، وكان الشكل الأسوء على الإطلاق هو الخيار الشعبي الأصيل “هنكمل عشان العيال”.

تفرغت ماما لمشروعها المبني على فكر “التكفير والهجرة”، وهي إنها توفر من فلوس بابا “الحرام” ما يمكنها من بناء شراء أرض وبناء بيت جديد، قال يعني ده كده هيبقى بيت حلال، وفي نفس الوقت بث الأفكار اللي بتستقبلها من خالي واتعرفت بنفسها على بعض مصادرها.. مستغلة معرفتها بالقراءة دون الكتابة.

غرقنا في بحر من التسابيح والأذكار والأدعية الملازمة لكل فعل يومي.. بداية من الصحيان وحتى العودة للنوم، مرورا بدخول الحمام والخروج منه والأكل والشرب والمذاكرة والعطس واللعب والبيع والشرا… إلخ.

المزيكا بقت حرام.. وشقتنا اللي كانت دايمًا فيها أصوت مزازيك متنوعة بقت مركز لأصوات الحويني ومحمد حسان وفوزي السعيد وحسين يعقوب ووجدي غنيم… إلخ، حتى القرآن بصوت محمد رفعت أبو كهارب بتلعلع تراجع لصالح صوت الشيخ العجمي الغرقان في العياط والكئابة.

على بابا ما فطن لأسباب التحول وقام بطرد خالي ده ومنعه من زيارتنا مرة تانية كانت الفاس وقعت في الراس، الماما تحولت تماما وبقت مركز لبث أفكار الدين الجديد في البيت، فحتى خروج خالي من الجماعة -بعد أمن الدولة ما فهموه غلطه- ماقدرش يوقف كرة التلج اللي انطلقت.

إقرأ أيضا

جوناثان ميجورز .. عندما تدير الحياة ظهرها لك في اللحظة المثالية

الشعراوي.. ندوة للرأي.. حديث الروح.. بقوا برامج أساسية لتجميع الأسرة غالبا من غير بابا المشغول. الخناق بقى ركن أساسي في حياتنا، والماما نشرت وسط الجارات الحجاب والأذكار وعداوة أم ماجد أو على الأقل التوجس منها.

بقى الخناق ركن أساسي في حياتنا، واحدة من الخناقات اللي مانسهاش بين أبويا وأمي، لما الماما أصرت ترجع القربان اللي نانا بنت أم ماجد نزلتهولنا زي كل سنة، وفرحت جدا لما بابا كسب المعركة.. لأني كنت باحبه قوي مع الشاي بحليب.

أخواتي الأتنين لبسوا الحجاب وأنا مسحت شرايط الأغاني وسجلت عليها خطب ودروس زي “العفن الفني” و”عذاب القبر” و”المفسديون” وغيرها من العناوين البراقة، أختي الأكبر مني تجاوزت الحجاب ولبست النقاب تقريبا سنة 90، وبقت واحدة من أوائل المنتقبات في جامعة القاهرة.

بابا اتحاصر بكم مرعب من النكد وكره الحياة والإحساس بالخسارة الشخصية، كم من الإحباط جنب المرض نجح إنه يخلص عليه بعد ما كسب أخر معركة أسرية بالإصرار على استكمال أختي الصغرى تعليمها الأبتدائي في مدرسة الراهبات الفرنسيسكان زي بقيت أخواتها، بعد ما كانت الماما مصرة تنقلها مدرسة الرويعي عشان ماينصروهاش. حيث أن القاعدة الشرعية المعروفة هي أن: “وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ” جزء من 120-البقرة.

أهم ما أذكره في الفترة دي أن النسبة الأكبر من الأحاديث اللي حفظناها وشقلبت حياتنا كان مصدرها ومصدر شرحها هو الشيخ الصاعد المعروف بلقب “أعلم أهل الأرض” الشيخ أبو إسحاق الحويني، أيوه نفس الراجل اللي خرج علينا من كام يوم بفيديو يعتذر فيه عن أخطاءه وتشدده تماشيًا مع النسخة الجديدة من إسلام البترو-دولار.

اقرأ أيضا

رغم الانفتاح..لماذا التنصَّلَ السعودي من راب “بنت مكة”؟