لماذا تدعم المرأة بقاء ” السبوبة ” التي تقتضي أن تظل هي أصل الشهوات والشرور والشقاء؟
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
هل يصمد أهل السبوبة أمام انفجار الناس بالظلم الواقع عليهم نتيجة تدليس ممثلين الدين المزعومين لعقود متتالية
“لا أحد يريد أن يقول الحقيقة”
ناديت مؤخرًا عبر كل المنابر المتواضعة المتاحة أمامي بأنه لا حاجة لوسيط بيني وبين الله وأن عليّ أن أسعى لفهم ديني وقراءة كتبي دون توجيه من أصحاب المصالح المرعوبين خوفًا من فقد موضعهم في أكشاك السبابيب بين برامج متناثرة على فضائيات جمهورهم فيها معظمه من الجهلاء القطيع – وهم عدد لا يستهان به – وبين سطوة وسلطة تأتيهم بالمنافع الثمينة النابعة من احتكارهم وحدهم فهم الدين والتحدث عنه، وفي مجتمعات يحكمها الجهل كمجتمعاتنا المنكوبة تجدهم يترقون ويصبحوا مندوبين عن الله لدى العامة الذين يقدسونهم بالتبعية ويسبوا كل من حاول كسر أصنامهم المصنوعة من عجوة رديئة لا تصلح حتى للمضغ.
“لا علم غير علم رجل الدين”
يمكنك تسجيل ملاحظة مهمة فوسط عاصفة الكشف عن قضايا التحرش المريعة بمجتمعنا المتدين بطبعه والتي شملت الكثير من شهادات تحرش واغتصاب المحارم والتحرش بالذكور والأطفال، رغم ذلك لم يعلو صوت فوق صوت رجال الدين، هو فقط الصوت الوحيد المنشود والأكثر بحثًا حتى أن الجهة الرسمية التي أطلقت توضيحًا وتفسيرًا لحسم الجدل الديني المثار هي دار الإفتاء المصرية المعنية بالفصل في الحلال والحرام، أما العلم فلا مقام له في مجتمعاتنا الجاهلة البائسة.
ورغم أن الدراسات النفسية البديهية قد قطعت منذ زمن بوجود علاقة بين الكبت الجنسي والقدرة الفكرية للإنسان، حيث اتفقت العلوم النفسية والاجتماعية على نتيجة مهمة وهي أن القوة والقدرة الفكرية تعتمد على تجارب الإنسان الحُر لمشاعره، وأن المجتمعات المكبوتة جنسيًا هي دون المستوى من حيث القدرة الفكرية من الأساس، لذلك نسعى لأن يكون الإنسان الحر بداخلنا هو الأكثر حضورًا حتى نكون أكثر قدرة على العطاء والتفكير والإبداع والقايدة، يظل المجتمع عاجزًا عن تفسير لماذا تراجعنا في كل المجالات وأصبحت الشواهد على العنف والعدوانية مؤكدة، وهنا الكبت لا يعني الانحلال أو الإباحية الجنسية بل يعني حرية الاختيار وفهم واحترام الممارسة وتقديس العلاقة الزوجية والاهتمام بالحب والعطاء.
وإذا عدنا للوراء نتذكر العالم والفيلسوف “ابن سينا” في كتابه “القانون في الطب” حيث يقول ” القوة النفسية تشتمل على قوتين أحدهما قوة مدركة والأخرى قوة محركة، والقوة المدركة كالجنس هي قوة مدركة في الظاهر وقوة مدركة في الباطن والمدركة في الظاهر هي الحسية” هنا يؤكد ابن سينا على الربط بين النفس والجسد.
غير أن المعممين من التجار أصحاب الأكشاك تسابقوا لتأكيد عدم وجود هذا الربط، بل دعموا التلويح بوجود غريزة لدى الذكور تقود بهمجية كما أقنعوا شبابًا يافعًا جاهلًا وزادوا بارتباط عدم تهذيب الهمجية بالفحولة المباركة، حتى تظل أبواب التبرير – أقصد الأسباب وفق ادعائهم – مفتوحة ليظل وجودهم حاضرًا وقويًا.
لكن أزمة فضائح التحرش فرضت عليهم أن يواجهوا زيف التدين الذي يدركونه وينكرونه لتستمر السبوبة.
وجدت في مواجهتهم الأخيرة ما هو كاشف لنواياهم كالتالي:
تحدث أصحاب الأكشاك عن تحرش الرجل بالمرأة واعتداءه عليها باللفظ أو اللمس أو حتى بالاغتصاب وتجاهلوا جميعهم دون اتفاق بينهم ما كتب عن التحرش بالأطفال وهو الأكثر شيوعًا في الشهادات الواردة وللجنسين كذلك تجاهلوا التعليق على تحرش الذكور بالذكور والاعتداء عليهم والتحرش من قبل النساء بالذكور أو الرجال أيضًا.
ويمكنني أن أفكر في موقفهم المتناقض المنافق كالآتي.
- يعلم أصحاب الأكشاك أن اعترافهم بكل ما ذكر عن أنواع التحرش سيفقدهم سلطتهم الدينية في توجيه المرأة إلى الحشمة والرجل اضطرارًا إلى غض البصر.
- يعلم أصحاب الأكشاك أن مواجهتهم الحقيقة سيفتح الباب للعلم ويفسح المجال للعلماء لكي يتقدموا الصفوف الأمامية ويعيدهم لمقاعدهم الخلفية طالما استمروا على نفاقهم واستغلالهم الدين لخدمة مصالحهم وربما إن أراد أحدهم البقاء في الصورة اضطر لأن يعطي الدين حقه فتضيع منه السبوبة.
- يعلم أصحاب الأكشاك أنهم إن واجهوا الحقيقة فسيقودهم ذلك للاعتراف بأنه لا أثر لملابس المرأة على الرجل وأن الملابس هي جزء من الثقافة والهوية المرتبطة بالشعوب والأماكن والمناسبات والأعراف والاعتياد والشيوع.
قبل أن تبدأ في السب دفاعًا اسأل نفسك سؤالًا واحدًا، لماذا تجاهل أصحاب الأكشاك قضية التحرش بالأطفال والتي فضحتها شهادات الضحايا وأظهرت انتشارها بعد أن كتب الالاف عن تعرضهم للإيذاء من قبل قريب أو جار أو مدرس في سنوات الطفولة المبكرة وكانوا بالمناسبة من الجنسين؟
ثم ألحق السؤال السابق بالسؤال التالي، لو أنك على أحد الشواطئ الشهيرة بأوروبا والجميع بين مستلق تحت أشعة الشمس أو سابح في المياه ووجدت سيدة بعباءة سوداء تغطي كامل جسمها وحذاء لامع بكعب عالي وفي يدها حقيبة تجتاز الشاطئ كأنها تعبر بوابة الكترونية لمركز تجاري في دولة خليجية ما، فعلى من سيستقر نظرك وإلى من سيأخذك فضولك؟ إلى الغريب والشاذ عن الجماعة والمخالف للزي المتوقع للمكان – تبدوا إجابة متوقعة وبديهية لكننا ننكرها.
كذلك إن فوجئت بزميلتك في العمل تجلس خلف مكتبها مرتدية البكيني في أكثر الدول تحررًا فكيف لا تكون حديث البناية كلها ومحط أنظار الزملاء والزميلات، وربما تحولت بنهاية الدوام إلى مزار لكل العاملين يأتون يلقون نظرة على غرائبيتها ليس أكثر، ومن المتوقع أن يتم فصلها من العمل لعدم لياقتها.
ماذا عن الاف الشهادات التي أكدت وقوع حالات تحرش في أثناء أداء مناسك الحج والعمرة؟ لماذا لم يذكرها أحد رغم شيوعها أيضًا.
الشهوة ليست جنس فقط لكن أصحاب الأكشاك لا يعرفون غير الجنس شهوة وأداته المرأة ومسئوليته تقع عليها فلن تجد واحدًا منهم خرج بإقرار العقوبة على المتحرش دون أن يذكرنا بوجوب الحجاب والحشمة على المرأة، وإن لم يلقي عليها بالمسئولية، مثل الداعية الكيوت صاحب واقعة المانيكان الشهيرة الذي اضطر للتحدث إلى جمهوره بعد تذكرهم ماضيه محاولًا تجنب أخطاء من سبقوه في تسجيل مواقفهم في مسألة التحرش نفسها ولوم الضحية، ليؤكد ” صاحب الكشك الكيوت” الذي قام بزراعة شعره بعد أن فقده بفعل جين الصلع السائد على موقفه ضد المتحرش غير أنه أكد أيضًا في الفيديو نفسه على ضرورة التزام المرأة بالزي المناسب، ثم يعود ويؤكد عدم تبريره للتحرش ووجوب عدم ربطه بملابس المرأة والتي يجب أن لا نذكرها بالتقصير في الموضع نفسه حتي لا نؤذي الضحية التي تعلم جيدًا وجوب التزامها بالحشمة، ثم يوجه كلامه للشباب في جملة صريحة إذا رأيت من الفتاة تجاوزًا في زيها فغض بصرك ليؤكد صاحب الكشك الكيوت مرة أخرى أن غض البصر مرهون فقط بتجاوز الفتاة وعدم التزامها الحشمة الواجبة عليها لكن لا علاقة لكل ذلك بجريمة المتحرش.
عندما أقول إن اعتداءك على الاخرين بالضرب تصرف همجي ينم عن عجز في التصرف وضعف في أدوات التواصل وافتقار للحجة لا أتبع ذلك بأن الحياة ضاغطة وأن ضبط النفس وقت الغضب راجع لعوامل قدرة معينة تختلف باختلاف المعتدي وظرفه، فقط أقول أن التعدي على الآخرين بالضرب جريمة ممنوعة.
السرقة أيضًا جريمة وإن فُتحت أمامك خزائن الأرض وإن علمت بوجود الاف الجنيهات في حقيبة زميلك بينما يظل الدائنون يطرقون بابك لاسترداد حقوقهم.
إن الإفراط في تناول الطعام مثلًا إلى حد الشراهة والتسبب في السمنة مرض يستوجب العلاج النفسي والبحث وإن امتلأت ثلاجتك بما لذ وطاب.
المال والطعام والسلطة شهوات تخضع للعقل وللمنطق والتطرف والهوس حيال إحداها يستوجب العقاب أو العلاج بينما الجنس وحده شهوة لا يمكن التحكم بها فهي منفصلة عن العقل ويبررها زي المرأة والكشف عن جسدها وطريقة مشيتها ونعومة صوتها وإن حدث التحرش للأطفال فهو بسبب امرأة كشفت عن أنوثتها أيضًا، وإن حدث أثناء تأدية المناسك فهو بسبب امرأة مُتخيلة الخ، وكأننا توقفنا بفضل أصحاب الأكشاك أمام وصف زكي مبارك للمرأة عندما قال “المرأة تملك أصول الشهوات وهى باب الدمار والخذلان والجحيم ، هي البلاء يصبه الله على رؤوس العباد ، هي الشقاء المعجل والكرب الذى يسبق الموت ، والمرأة في جميع أحوالها مصدر فساد ولها مداخل إلى الفتنة يعجز عنها ابليس “.
أو كما اعتقد عباس محمود العقاد في تغزله بالمرأة بسلبيتها فكتب في كتابه المرأة في القرآن ” المرأة تستعصم بالاحتجاز الجنسي لأن الطبيعة قد جعلتها جائزة للسابق المفضل من الذكور فهي تنتظر حتى يسبقهم إليها من يستحقها فتلبيه تلبيه يتساوى فيها الإكراه والاختيار، كذلك تصنع إناث الدجاج وهي تنتظر ختام المعركة بين الديكة أو تنتظر مشيئتها بغير صراع.
إن تحرر عقل المرأة والرجل هو باب الخلاص من سبوبة أصحاب الأكشاك التي طال بقاءها كثيرًا.
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة