الضرب في الميت حرام .. ماذا يحدث لشواهد القاهرة و مقابرها ؟
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أدّى الموت دورًا مختلفًا و مهمًا في الحضارةِ المصرية، فمعظم الآثار على امتداد تاريخ الدولة المصرية ما هي إلا قبور و شواهد.. الأهرامات التي هي من عجائبِ الدنيا مقابر.. وادي الملوك مقابر جماعية لملوك مصر وحكامها في مصر القديمة و أثر شاهد على عظمة هذه الحقبة من تاريخ مصر، وأماكن أخرى عبّرت عن قُدسيّة الموت و احترام الأموات عند المصريين، فنحن من علّم العالم الحفاظ على الموتى بحيث لا تمتد إليه يد اللصوص!.
ولمّا حافظ المصريون على تاريخ و شواهد بلادهم على امتداد عقود طويلة، جاء اليوم الذي يَهدم فيه المصريون أنفسهم تاريخًا امتد نحو 1400 سنة، ففي الثاني من مايو 2023، بدأت عملية إزالة جبانات القاهرة القديمة لاسيما مدافن الإمام الشافعي ومدافن السيدة نفسية ومدافن السيدة زينب لإنشاء محور وكوبري يخترق هذه المدافن التاريخية التي تمثل الطابع الثقافي والمعماري للقاهرة.
الموت والتاريخ
تمتد جبانات القاهرة التاريخية على مساحات واسعة، و تضم مدافن عِدّة منها مقابر باب الوزير، و مقابر باب النصر، و مقابر المجاورين، و قرافة المماليك إلى جانب مقابر الشافعي، و السيدة نفيسة، والسيدة زينب، وتعتبر هذه المقابر شاهد على التطور المعماري لمدينة القاهرة حيث تُمثل هذه الجبانات نسيج متكامل لكل طبقة من طبقات التاريخ الممتد للمدينة، و يمكن إدراك ذلك حينما تسير وسط المكان .. تعلوا القباب حولك من كل جانب، و قد حفرت فيها الزخارف و النقوش الإسلامية، إضافة إلى العبارات التي نقشت على شواهد القبور التي هي تاريخ في حد ذاتها.
تاريخ ثقافي يندثر
وسط مخاوف و مصير مجهول لمحو تاريخ مصر الفني والثقافي والتاريخي، تُزال قبور الموتى دون وعي أو رحمة أو خطط مدروسة، فهناك قبور لشخصيات هامة أثرت التاريخ الإنساني أُزيلت أو مهددة بالمحو الكامل في إطار تطوير الدولة الطرق وإنشاء المحاور، منها مقبرة يحيى الشبيهي، و القاسم الطيب، والإمام الليث، و فاطمة العيناء، إلى جانب بعض الشخصيات الدينية الحديثة أمثال الشيخ محمد رفعت، وبعض الفنانين مثل يوسف وهبي، عبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، فريد الأطرش، وأسمهان، إلى جانب بعض الشخصيات السياسية و الأمراء لعل أشهرهم قبر الأميرة فريدة حفيدة محمد علي باشا، و بالطبع بعض الشخصيات الأدبية أمثال حافظ إبراهيم وأحمد شوقي وطه حسين وغيرهم .
ليست المرة الأولى
و ليست المرة الأولى التي يتم فيها إزالة مقابر تاريخية شاهدة على ثقافة و تاريخ و سياسات من سبقونا، فهناك أماكن أخرى مثل ترب الغفير تمت إزالتها لتطوير و إقامة محور الفردوس، رغم إن هذه المقابر مسجلة في اليونسكو.
ومن أهم الشخصيات التي أُزيلت قبورها في مقابر الغفير، مقبرة الفيلسوف أحمد لفي السيد رائد من رواد النهضة، ومدفن نازلي هانم حفيدة محمد علي، و مدفن أسرة عبود باشا و هو مؤسس شركة السكر وخط البريد المصري ومن مؤسسي بنك مصر وغيرهم من الشركات التي كونت الاقتصاد المصري الحديث، و مدفن حسن صبري رئيس وزراء مصر في عهد الملك فاروق وغيرها من القبور التي تحمل أسماء شخصيات أثرت الثقافة والسياسة والفكر المصري.
هدم مقابر القاهرة التاريخية ما هو إلا هدم لتاريخ لمرحلة مهمة في تاريخ مصر على مدار 1000 عام، فالأكيد أن هذه الإزالات تمت دون وعي أو تخطيط، هذه الإزالات هي كارثة ووصمة عار في تاريخنا الحديث، واعتقد أنهم لم يفهموا مقولة الضرب في الميت حرام على حقيقتها.
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال