رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
587   مشاهدة  

العامية.. لغتنا الجميلة

العامية
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



كسكان شمال وادي النيل دايمًا عندنا لغتين، لغة رسمية للدولة والدين ولغة شعبية للناس، عشان كده مع وجود اللغة العربية كلغة للدولة وللدين.. يكون لنا كناس لغة خاصة بينا، العامية المصرية، اللي واصلة لمستوى من التطور يسهل رصده في تراث أدبي وفني كبير كيفًا وكمًا يستحيل إغفاله.

خلال نقاش مع عالم المصريات، د. أحمد صالح، فهمت أن أجدادنا كان عندهم 3 خطوط للكتابة، خط للدولة.. الهيروغليفي، خط للكهنة.. الهيراطيقي، خط للناس.. الديموطيقي، وماقدرتش أحدد هل هي مجرد خطوط لنفس اللغة ولا 3 لغات ولا 3 لهجات لنفس اللغة، لأن مافيش أي مراجع صوتية تحسم الأمر، فقط اللغة القبطية بتستخدم كمرجع صوتي للخطوط الثلاثة.

YouTube player

الثابت تاريخيًا أننا ورغم كل ما مر علينا من محتلين لغتنا أتغيرت (بشكل رسمي) مرة واحدة، كل الغزاة سابونا على لغتنا وعقيدتنا، وركزوا في المُفيد.. نهب خيرات أراضينا الخصبة ونقلها لعاصمة الأمبراطورية صاحبة جيش الاحتلال.

بداية المشاكل الدينية كانت مع الرومان لما أمبراطوريتهم قررت تحارب المسيحية.. في عهد الأمبراطور دقلديانوس، ثم لما عملت نسختها الخاصة من المسيحية وبقت تضطهد أي مسيحي بمذهب مختلف، والأضطهاد ده كان له أثر سلبي ع الآثار وحاجات تانية مش من ضمنها اللغة.

العامية

وضع ساهم بشكل غير مباشر في فك رموز لغتنا القديمة، لأنه أدى لاستخدام المحتل للغتنا في منشوراته (الموجهة لينا) بجانب لغته الخاصة، وهي الحالة المنطبقة على مفتاح اللغة المصرية “حجر رشيد”، الحجر اللي أنكتب عليه قرار سلطة الاحتلال البطلمي المتمثلة في بطليموس الخامس بإعفاء رجال الدين من الضرائب.

بعيد عن تاريخية فساد رجال الدين وصفقاتهم مع السلطة حتى ولو كانت سلطة الاحتلال، فالشاهد هنا أن الكَتَبَة نقشوا القرار بـ3 لغات.. أو بمعنى أدق خطين ولغة، الهيروغليفي والديموطيقي وفي أخر الصف لغة المحتل الإغريقية، ما ساعد الفرنسي شمبليون على تفسير اللغة المصرية بناء على معرفته بالإغريقية، المهم هنا هو أن دولاب عمل الدولة المصرية استخدم لغته وكمان فضل الشعب يستخدم لغته تحت أي احتلال.

العامية

مع الغزو العربي الوضع اختلف لأنه جاي شايل (دين، لغة)، ودينهم قدس لغتهم، عكس الرومان اللي اتبنوا دين مش ابن لغتهم أصلًا.

قرر الحاكم باسم الدولة الإسلامية -عبد الملك بن مروان- أن يعتمد لغته المقدسة، في نظره، كلغة التعامل في دواوين البلاد اللي احتلها.. وإحنا من ضمن، فتم طمس اللغة المصرية الرسمية “الهيروغليفية”، ولغة المعبد.. الهيراطيقية، تكفلت بيها قرون الاضهاد الديني من روما المسيحية ثم الدولة الإسلامية.

فرض التعامل باللغة العربية في دواويين الدولة أجبر الشعب لأول مرة على تعلم لغة المحتل، بس مش هو السبب الوحيد لتغيير لغتنا.. كمان انتشار الإسلام عامل مهم، وهنا مش مجال مناقشة أسباب انتشار الإسلام.. ولا أسباب بطء انتشار اللغة لدرجة أن الفاطميين كان ليهم دور كبير في انتشارها بين أجدادنا، الأهم أنا أحد الأسباب راجع لشكل الغزو نفسه.

العامية

بمراجعة كل محتلينا هنلاقيهم جُم من دول قايمة بذاتها وقررت تتوسع، فأرسلت جيوشها لاحتلال أرضنا الخصبة عشان تستولى على خيراتها.. وطبعًا الاستفادة من موقعها الاستراتيجي.

أما العرب فماكنش عندهم دولة بالمعنى المفهوم لكلمة دولة، المركز يقبع في منطقة صحراوية قاحلة ووجود بئر ماء في بقعة ما كفيل أن يحولها لقرية أو حتى مدينة، بالتالي فهو مجتمع قبلي، وتكون نواة الدولة كان بتحالف عدد كبير من القبائل البدوية أنطلق بره حدودها القاحلة في اتجاه أراضي تانية أكتر خصوبة وصلاحية لحياة رغدة، تقريبا نفس تجربة الماغول باستثناء الدين.

العامية

مافيش دليل على ده أكبر من اختيارهم دايمًا مكان عاصمتهم خارج مناطقهم الأصلية.. في واحدة من المدن اللي تم احتلالها حتى لو هيبنوا مدينة من الصفر الكوفة.. دمشق.. بغداد.. القاهرة.. إلخ.

لدرجة أن أهم مدينتين في الإسلام، مكة والمدينة، فضلوا بلا تطورات معمارية وخدمية عليها القيمة، من بعد الخلافة الراشدة لغاية سقوط الدولة الإسلامية، كلامي ده يسهل رصده بالبحث عن ما يسمى بالآثار الإسلامية داخل حدود شبه جزيرة العرب، خاصة مكة والمدينة.

إقرأ أيضا
الدراما التركية

عرب كتير استقروا في الشام ومصر.. نقدر نفهم ده من وقائع اغتيال الخليفة التالت عثمان بن عفان، فلو حبينا نوصف الوضع بمصطلحات عصرية هنسميه “استعمار أستيطاني”، وضع يسهل رصده في الصعيد من خلال وجود قبائل وعائلات يتفاخر أبنائها بانتمائهم لقبائل شبه الجزيرة، طبعًا نسبة منهم مُستعربين بس مش ده موضوعنا.

العامية

عوامل كتير أدت لانتشار اللغة العربية في مصر، بس ثقافتنا تغلبت في نقطة مهمة جدًا.. وهي عادة إنتاج لغة خاصة للشعب غير الغة الرسمية للدولة أو لغة الكهنة/الدين، فبقت اللغة العربية الجامدة -بفعل التقديس- قاصرة على دواوين الدولة والجوامع، أما الشعب فخلط اللغة الجديدة بلغته اللي أصلًا هضمت لغات محتلين سابقين وبقى عندنا “العامية المصرية”، لغة حية بتتطور يوميًا كأي كائن حي يحترم نفسه، كل يوم تضم مفردات جديدة وتنقرض منها مفردات قديمة.

لغتنا الحية هزمت اللغة المقدسة، وماعدش حد بيستخدمها حتى رجال الدولة أو رجال الدين.. إلا في المحافل الرسمية، والأمر مابيسلمش من أخطاء لغوية صارخة، لغتنا هي اللغة اللي بيفكر بيها الكل بما فيهم الساسة ورجال الدين.

حتى وسائل الإعلام لجأت لما أصطلح عليه “اللغة البيضاء”، عشان يقدروا يوصلوا لأقرب نقطة من لغة الشعب، ومافضلش للُغة المحتل إلا بعض الجيوب اللي بتتحصن فيها.. ويمكن حصرها على صوابع الأيد الواحدة.

ختامًا.. أوقع دليل على الهزيمة الكبيرة للغة العربية أمام العامية المصرية هي محاولة أي إنسان استخدام اللغة المهزومة لمدة يوم واحد في الحياة.. ويبقى يفرجنا مين هيفهمه أو هيتعامل معاه على محمل الجد، ورعنا يسترها أصلًا ويومه ماينتهيش بالجواز من هنومة.

الكاتب

  • العامية رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
2


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان