162 مشاهدة
المجاعة في غزة، مشهد قاسي يُدار باحتراف

“اللقمة مغمسة بالدم”.. جملة قالها أحد سُكان غزة في تقرير لشبكة الجزيرة عن المجاعة القائمة منذ أشهر، عبَّر هذا الغزاوي عن حياة يعيشها كل أهل القطاع في جملة قالها بعد حديث طويل عن تلك المجاعة التي تُفرض عليه؛ يترك أسرته كل بضعة أيام متوجهاً لمنافذ المساعدات داعياً ربه ألا يُصيبه قناصين الإحتلال، ففي مشهد مهيب وكأنه يوم الحشر نرى ألاف الجائعين منتظرين الطحين ليبدأ فجأة القناصين بالإصطياد ثم ترى الناس تركض بالطحين مختلطاً بدمائهم محاولين النجاة أملاً في الحياة ليوم إضافي وكأنه مشهد سينمائي يخشى المخرجون تنفيذه حتى لا يُتَّهموا بالوحشية، فمن هذا المخرج الذي فعلها!
رؤية بالعدسة البشرية
حاولنا الوصول لداخل القطاع مستفهمين من مصادرنا عن الوضع وكأننا نخطف النظرات على ما بداخل الخيام، “روان منير” مواطنة غزاوية تعيش في خيمة مع 8 أفراد أخرين من عائلتها وطفلان لأختها الأرملة، “النا أكثر من شهر مشتهيين الخبز والخيمة كلها ما فيها حبة طحين” كذلك وصفة “روان” المجاعة و حالة الجوع التامة التي تعيشها برفقة العائلة وعندما حاولت الإستفاهم عن كيف أنتم مستمرون في الحياة؟ قالت “إذا حدا من أهل الخير يبعتلنا أكل بناكل، وإذا ما حدا بعتلنا بنضل جوعانين”، حيث نستشف من كل ذلك أن الحياة في غزة حالياً أصبحت مبنية على الجوع وأن الطعام أصبح شئ استثنائي وكما قالت “روان” فقد أصبحت التكيات شئ نادر وشحيح مما يُزيد الوضع مأسوية؛ أين المساعدات؟ هل لا تكفيكم؟ جاوبت روان أن المساعدات يتم سرقتها ولا تصل للمواطنين فهذا هو لغز أخر.

“جدو جدو، بدي خبز بدي دُقَّة” ذلك ما يسمعة رياض القائم في مصر من أجل العلاج عندما يتواصل بالأسرة في قطاع غزة ليأخذ الهاتف حفيده معبراً عن الجوع بتلك الكلمات التي يكاد يكون أستهلك بها سعرات أكثر من نصيبة من الطعام في اليوم، رياض يقول أن الأسرة نزحت خمس مرات على فترات مختلفة في مواجهة الطقس والعدو ولكن تلك المرة الأخيرة التي نزحوا فيها إلى سواحل خان يونس تعتبر هي الأقصى لإستخدام سلاح “التجويع”، الأستاذ رياض ترك خلفه أسرة تتكون من 13 شخص هم زوجته وأولاده وبناته وأحفاده، جميعهم الأن جائعين لا يستطيعوا الوصول لأي مساعدات؛ أما عن لاطعام فسبيلهم الوحيد هو الشراء من حين لأخر والذي يتم بعملية معقدة تُبخس من قيمة المال فتلك معاناة أخرى يعيشها أهل القطاع.
يروي لنا “رياض” أن أهله بالداخل يقولون أن الأموال قليلة جدا؛ مما يجعل الناس تلجأ للحسابات البنكية فمن يريد أن يقوم بالتحويل للتاجر والإستلام نقدًا فسيفقد خمسين بالمائة مما قام بتحويله، أما من أراد الشراء بالحساب البنكي مباشرة فسيقوم بدفع ضعف سعر السلعة فنرى أن شكارة الطحين التي بلغت السبع مائة شيكل؛ إذا أردت الحصول عليها تقوم بتحويل 1400 شيكل وكل ذلك فضلاً عن أن العملات الورقية الموجودة بالداخل أصبحت بالية لا يريد أحد من التجار التعامل بها فإذا وجدت من وافق فسيتعامل مع الورقة على نصف قيمتها الحقيقية؛ الأموال قيمتها تبخس والطعام أسعاره ترتفع ففي مشهد أخر يرويه لنا رياض عن أهله أن الأطفال الأن يعتمدوا على العدس للرضاعة مما يزيد المشهد سوء فكل تلك العناصر لاتجتمع في خيال سينيمائي بلا هو مشهد إجرامي مريض.
المشهد من العدسة العالمية
أما عن لغة الأرقام والنظر بعدسة المؤسسات الدولية على تلك المجاعة فنجد أن المنصة الخاصة بالأمم المتحدة المسؤولة عن تصنيف وتحليل حالة الأمن الغذائي وسوء التغذية على مستوى العالم IPC قد أصدرت تقرير في نهاية شهر يوليو يقول أن 1000 شخص لقوا حتفهم منذ مايو حتى الأن في محاولتهم للحصول على المساعدات أخرهم كان في هجوم على قافة مساعدات في 20 يوليو أسفر عن مقتل 73 شخص و إصابة 150 أخرون؛ أمَّا من لا يموت في محاولة أخذ الطعام فسيموت حتماً بالجوع فتكشف المنظمة في تقريرها أن ما دخل من المساعدات إلى القطاع لا يتخطى الثلاثون بالمائة من إحتياجات الطعام وما يزيد الوضع سوء هو أن 14% فقط مما يدخل من المساعدات هو ما يصل لنقاط التوزيعبسبب العنف والسرقة.
أصبح الناس في غزة نازحين جائعين مرضى؛ حيث يكشف التقرير أن 86% من الأسر لا تجد الطعام ليكون 20% من الأسر تعاني من نقص حدا في الغذاء و 30 % من الأطفال تحت عمر الخمسة أعوام يعانون من سوء تغذيه حاد و 15.5% من الأطفال في نفس العمر على عتبة المجاعة؛ الوفيات الأن لا تعتبر فقط على أثر العنف والقصف بل أن الأمم المتحده ذكرت أن 2 من كل عشر ألاف يموتون يومياً نتيجة الجوع، أما عن الماء فقد تكون السلاح القادم فذكرت الأمم المتحدة أن 90% من الأسر لا يحصلوا على مياه نظيفة وهذا ما يتوافق أيضا مع حديث مصادرنا والذين ذكروا أن منذ أسبوع وخط مياه “مكروت” القادم من اسرائيل قد تم قصفه مما يضطر الغزاوين إلى شرب مياه البحر المالحة والمختلطه بالصرف الصحي، مما يزيد المشهد مأسوية على شعب نازح من الحرب إلى المجاعة.

ليت الجائع آمن بل يعتبر الأن 88% من قطاع غزة مناطق غير آمنة لا يمكن لأحد أن يستقلها كمَسكن رغم ازدياد عدد النازحين، حيث أن فقط من 15 إلى 22 يوليو نزح 15 ألف شخص ليصل عدد النازحين إلى 762500 شخص نازح إلى مساحة 12 بالمائه من الأرض و فقط 15 بالمائة من البنية التحتية، مشهد وإن عرض في الشاشات يستحضر معه ضيق النفس كما أن لا يوجد عدسة تستوعبة من الأساس.
المجاعة وما خلف الكواليس
كنا وقد تسألنا عن لغز سرقة المساعدات فرض أنها الحل السحري لتلك المجاعة وجاء تقرير الأمم المتحدة أيضا ليقول أن 85% من المساعدات يتم سرقتها، كما أن مصادرنا جميعهم شددوا على أن المساعدات تُسرق ويقولوا أن السارق هو بين تاجر يريد إستغلام المساعدات كبضائع في السوق السوداء وعصابات منظمة من خارج القطاع تأتي وهدفها الوحيد هو إفساد عملية توزيع المساعدات على من يستحق ولا يبدو أن هناك مستفيد من ذلك إلا الاحتلال ورئيس وزراءه بنيامين نيتينياهو الذي يجلس خلف مونيتور الإخراج، فمن غيره وهو من منع الأنوروا من العمل الإنساني في غزة بعدما كانت تعمل على أربع مائة نقطة توزيع للمساعدات وإستبدلها بكومبارس صامت يسمى “مؤسسة غزة للعمل الإنساني – GHF” والتي تعمل على أربع نقاط توزيع فقط؛ أيضاً الأنوروا كانت تنظم توزيع المساعدات وإرسال الرسائل إلى الفلسطينين للحضور لأخذ المساعدات، أما ال GHF فقد أتهمتها الأنوروا أنها تُشرف على مشاهد مروعة وفوضوية لأشخاص يسيرون أميالاً بحثًا عن الطعام، فقط ليُزجّ بهم في ساحات مسيّجة كالماشية، ويتم إطلاق النار عليهم من قبل الجيش الإسرائيلي.
لا يُعتبر كل ذلك رأي أو تخمينات بل سبق وقد زلَّ لسان أحد طاقم العمل وهو وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بالحقيقة عندما قال إن الجيش الإسرائيلي ينفّذ خطة لـ “تركيز” الفلسطينيين جنوب قطاع غزة، حتى يتم بحسب تعبيره، “نقلهم من هناك، إلى دول أخرى؛ كجزء من الخطة”، فمن الواضح أن الوضع داخل القطاع يُدار وكأنه سيناريو يُشرف عليه الاحتلال، يمكننا أن نراه بعدة عدسات والنتيجة واحدة فالمخرج آمن وطاقم العمل يجتهد والممثول مغصوبون على الأداء؛ وعلى الرغم من كل تلك التفاصيل قد يهاجم الكثير الحكومات الأخرى بداعى عدم دخول المساعدات فماذا وإن دخل المساعدات فظل تلك الفوضى ولازالت لن تصل ولازالت المياه ملوثة، مشهد قاسي يُذاع يومياً على مرأى ومسمع الجميع قد ترفضه الرقابة إذا نُشر في السينيمات فهل أصبح مشهد مقبول أن المخرج له إمتيازات تسمح له بالإجرام؟.
الكاتب
ما هو انطباعك؟









