الموسيقار وليد فايد .. مايسترو العرب وفخر الموسيقى المصرية
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
عند تناول السيرة الذاتية لأي موسيقي مهم يجب توخي الحذر عند استخدام أفعل التفضيل؛ كونها مسألة شائكة جدًا لان استخدامها يعني أنك مريت على التاريخ الموسيقي دون أن تهمل حقبة منه، لكن للأسف تنتشر تلك الصيغ بشكل مبالغ فيه خصوصًا عند الحديث عن فترة التسعينات التي تفرق دم الريادة والأفضلية الموسيقية فيها على أسماء بعينها، وكل من هب ودب أصبح يتحدث عن تلك الفترة وينسب الريادة والأفضلية على حسب أهواءه ودون تقييم موضوعي، بل والكارثة هي حصرها في أسماء لا تتعدى أصابع اليد الواحدة رغم غزارة إنتاج تلك الفترة بشكل يصعب حصر كل ما جاء فيها أو الحديث عنها بشكل عابر دون تدقيق.
في التسعينات كان هناك تنوعًا موسيقيًا مدهشًا، صحيح أن الانتشار كان لصالح أغنية بعينها “الأغنية الشبابية” لكن على الطرف الأخر منها كانت هناك أسماء مهمة جدًا، سطرت تاريخًا فنيًا مهمًا، احترمت فنها واحترمت ذائقة الجمهور وحاولت أن تصنع أغنية جديدة تناسب العصر وفي نفس الوقت ذات قيمة موسيقية عالية، وعندما كان سوق التوزيع الموسيقي أغلبه عبارة عن صقفة وطبلة كان لدينا المايسترو وليد فايد أحد أهم الوجوه في مضمار التوزيع الموسيقي الذي سطر تاريخًا مبهرًا ولازال يعبر عن الوجود المصري وأهميته في الوطن العربي كله.
ينحدر وليد فايد من أسرة فنية، حيث يعتبر الأبن الأصغر للمطرب الشعبي الكبير “فايد محمد فايد” بزغت موهبته مبكرًا في العزف على الأورج، وكان مثار إعجاب الجميع فكانت تطلبه العديد من الفرق الموسيقية للعزف معها، كحلم أي عازف كيبورد في أي فرقة هي أن يأتي اليوم ليقود بنفسه فرقة موسيقية، حتى جاءته الفرصة مع بداية التسعينات ليرحل إلى دولة الإمارات لينضم للملحن خالد ناصر الذي استعان به في تنفيذ بعض ألحانه.
في تلك الفترة كانت الموسيقى المصرية تسير في اتجاهين مختلفين، اتجاه جيل الوسط واتجاه جيل الأغنية الشبابية وأن ظلت الشعبية الجماهيرية لصالح الشباب، وتسبب هذا الأمر في رحيل العديد من العازفين المهرة إلي دول الخليج حيث الاهتمام أكثر بجودة الموسيقى و الصولوهات المنفردة والأهم هو الحفاظ على شرقية الموسيقى، ومن هنا بدأت رحلة وليد فايد في التوزيع الموسيقي من خارج مصر.
في حياة وليد فايد العديد من المحطات البارزة والهامة والتي حققت نجاحًا كبيرًا في الوطن العربي بأكمله بل أن شهرته خارج مصر فاقت شهرته داخلها.
اقرأ أيضًا
مولانا …أول فيلم مقال توك شو في تاريخ السينما
“وحدك حبيبي” وليد توفيق.
اقتنص وليد فايد أول فرصة لبداية مشواره في التوزيع الموسيقي مع المطرب اللبناني وليد توفيق في ألبوم “وحدك حبيبي” حيث اعتمد عليه في توزيع وتنفيذ ثلاث أغنيات منها الأغنية الرئيسية للألبوم.
“يا حبيبي” محمد الحلو.
في عام 95 دخل سوق الغناء المصري مع المطرب “محمد الحلو” في ألبوم “ياحبيبي” حيث لحن ووزع خمس أغنيات دفعة واحدة، منها أغنية “يا حبيبي” والتي كانت اتجاه مغاير لما تسير عليه الأغنية المصرية في تلك الفترة، حيث سنجد اهتمام قوي بالكلمة مع ألحان قوية ذات طابع شرقي تطريبي، وتوزيع رصين معتمد على التسجيل الحي للالّات وخطوط الوتريات المكتوبة بحرفية شديدة ثم كورال المشايخ الذي استعان به وكأنه يطرق بابًا جديدًا في الأغنية المصرية، مما ينم على أننا أمام موسيقي يدرك قواعد التأليف الموسيقي والهارموني الشرقي بشكل لافت. تلك الأغنية أعادت محمد الحلو مرة أخرى إلى سوق الغناء بعد فترة توهان واثبتت خطأ نظرية أن الجمهور عايز كده بعد النجاح الجماهيري التي حققته تلك الأغنية رغم أنها كانت لا تعبر عن اتجاه سوق الغناء التجاري.
مرحلة الانتشار داخل مصر.
النجاح الكبير التي حققته أغنية “يا حبيبي” رفعت من أسهمه كثيرًا في سوق التوزيع الموسيقي وأصبح محط أنظار الجميع فتعاون لأول مرة ملحن وموزع مع المطربة وردة في ألبوم “ح اسهرك” حيث وزع ستة أغنيات من أصل ثمانية ضمها الألبوم، وتعاون مع بعض جيل المطربين الشباب مثل “مصطفى قمر” في أغنية “سيد الأمارة” ووزع “تشرف و”ماتبصليش” للمطرب الشعبي حكيم، ووزع ألبوم “المسحراتي” لإيمان البحر درويش، ولحن ووزع “الغالي” و”قمر” للمطربة حنان، و”ده قلبي ده” للسورية أصالة، بالإضافة إلي تعاونه مع المطرب اللبناني “فضل شاكر” والتي دشنت بداياته القوية في عالم الأغنية العربية.
محمد عبده والنقطة الفاصلة في مشواره.
حقق وليد فايد انتشارًا لا بأس به في التسعينات لكن تظل المحطة الأهم في تلك الفترة حين اختيار فنان العرب المطرب الكبير محمد عبده لتوزيع أغنية “غالي” في ألبوم “أقرب الناس” أول ألبوم بعد عودته من الاعتزال، ثم كانت المفاجأة باختياره لقيادة الفرقة التي أحييت أهم حفل العودة في لندن عام 1997.
“حسين الجاسمي”
انطلق وليد فايد ليتعاون مع أغلب مطربي الوطن العربي لكن هناك بعض المحطات المهمة التي كانت سببًا في شهرة بعض المطربين مثل تجربته مع المطرب “حسين الجاسمي” في أول ألبوماته الصادرة سنة 2002 وضربت له أغنية “بودعك” والتي كانت شكلًا جديدًا في الأغنية الخليجية ثم انفجر معه بعد ذلك في أغاني “يا صغر الفرح” و”قول رجعت ليه” و”انا الشاكي” والتي أثبت قدرته على صنع أغنية شرقية إيقاعية بروح عصرية تناسب تغييرات الموسيقى التي حدثت بعد الألفية الجديدة.
في الخليج لم يترك أحد لم يتعاون معه حيث وضع توزيعاته على أغاني لكبار المطربين والمطربات هناك فنجده حاضرًا في ألبومات”محمد عبده” “نوال الكويتية” وعبدالله الرويشد”و”اصيل ابو بكر” راشد الماجد “عبد الكريم عبد القادر””حمود ناصر” “رابح صقر” “ماجد المهندس”
ينتمي وليد فايد إلي مدرسة في التوزيع بدأها المايسترو الكبير طارق عاكف، وسار على نفس الدرب بالاهتمام الشديد بالمقدمات الموسيقية والتركيز الشديد على تسليمات الغناء وتطوير اللوازم والفواصل الموسيقية في فهم قوي للمقامات الموسيقية وانتقالاتها مع خطوط وتريات مكتوبة بمهارة شديدة، مع تكنيك عزف على الكيبورد أصبح بصمة تميز بها.
قاد وليد فايد الاوركسترا خلف العديد من المطربين المهمين في الخليج لكن يبقى الحدث الأهم في حفل تريو الرياض ليلة رأس السنة الماضية حيث ألهب الحضور بعد أن قاد الاوركسترا في الحفل في مهمة ثقيلة جدًا أتمها بنجاح كبير بسبب جمع هذا العدد الضخم من النجوم في حفل واحد وغنائهم بشكل جماعي، وخرجت الموسيقى بمستوى مبهر جدًا، وهذا يفتح الحديث عن أزمة الموسيقى المصرية الحالية التي يغيب عن ساحتها هم الموسيقيين المصريين الذي ينشطوا خارجها حيث يجدوا الإشباع الفني والمادي لهم، في ظل أزمة الإنتاج الحالية وتحكمات المطربين التي تحجم من عملهم، وعليه وجب أن نلقي الضوء على مسيرة هذا المايسترو العبقري الذي ينال شهرة ضخمة جدًا في دول الخليج ولا ينالها بنفس القدر داخل بلده الأم مصر.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال