الميزان يعيد فتح ملف تفجيرات القاهرة 1948م “حكومة النقراشي تسترت على الإخوان”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يسلط موقع الميزان عبر هذا التحقيق الضوء على تفجيرات القاهرة 1948 م والتي وقعت في الفترة من شهر يونيو حتى نوفمبر واستهدفت المنشآت اليهودية على يد التنظيم السري لجماعة الإخوان بشكل منتظم.
لماذا يفتح الميزان ملف تفجيرات القاهرة 1948 م
لأن شعارنا في الميزان (همتك معانا نعدل الكفة) أردنا أن نفتح ملفًا من أكثر ملفات مصر التاريخية غموضًا رغم التناول الكثيف له وهو ملف التفجيرات الإخوانية داخل نطاق القاهرة، إذ دافعت جماعة الإخوان عن نفسها في حكايتها مع النقراشي بحجة أنها كانت تجاهد في فلسطين وتثأر لها من اليهود في مصر وهو ما جعل النقراشي بسبب موالاته للصهاينة يقوم بحل الجماعة.
فيما يرى المناهضين للإخوان مثل الكاتب وحيد حامد في الحلقة 25 من مسلسل الجماعة 1، وأغلب المؤرخين لجماعات الإسلام السياسي، أن النقراشي باشا اتخذ قرار حل الجماعة بسبب ضلوعهم في تفجيرات القاهرة 1948 م لكون العمليات الإرهابية استهدفت مصريين بغض النظر عن ديانتهم.
اقرأ أيضًا
هكذا تبرع يهود مصر للجيش المصري في حرب 48 ..الميزان ينفرد بنشر وثائق التبرعات
أردنا موقع الميزان أن نقدم رؤية مغايرة لتلك السردية، لعدم دقتها من جانب، ولكشف الأكاذيب الإخوانية المتزامنة مع ذكرى حرب 1948 م، وإيصال رسالة لمن سيقرأ هذا التقرير في المستقبل أنه من أَمِنَ الإخوان – تحت أي ظرفٍ ومهما كان السبب – سيتعرض لغدرهم وستكون حياته ثمنًا وكان النقراشي نموذج مثالي على ذلك.
قبل أن تقرأ الملف .. أشياء هامة ينبغي عليك معرفتها
هناك 5 أشياء تاريخية ينبغي قراءتها قبل مطالعة هذا الملف :-
أولاً / كافة تفجيرات القاهرة 1948 نفذتها جماعة الإخوان باعترافتهم في مذكراتهم.
ثانيًا / لم يكن لدى الإخوان الجرأة في الاعتراف بتلك التفجيرات وقت حدوثها.
ثالثًا / لم يكن ضحايا التفجيرات من يهود مصر فقط بل كان من الضحايا مسلمون ومسيحيون وأجانب.
رابعًا / لم تتخذ حكومة النقراشي أي رد فعل تجاه عمليات الإخوان اتقاءًا للغضب الشعبي عليها وذلك لعدم وجود وعي لدى أغلب المصريين في التفرقة بين اليهودي والصهيوني.
خامسًا / تبرر جماعة الإخوان عبر موقعها إخوان ويكيبيديا عملياتها بتبريرين
أحدهما :- أن التفجيرات جاءت للانتقام مما يفعله الصهاينة في القدس
(وهذا غير صحيح لأن الانتقام ينبغي أن يكون في فلسطين لا شوارع القاهرة)
والآخر :- أن يهود مصر كانوا متورطين في الصهيونية
(وهذا غير صحيح فلم يكن كل يهود مصر متورطين في أعمال الصهيونية، وحتى إن كان كذلك، فالتصرف معهم يكون من مؤسسات الدولة الأمنية حينها – القلم السياسي – لا من أفراد وجماعات مسلحة)
والآن إلى مطالعة الملف
ما قبل وقوع تفجيرات القاهرة .. الخلفية التاريخية سريعًا
لم تكن حرب 1948 هي بداية المواجهة ضد يهود مصر، فالمواجهة المصرية ضدهم بدأت قبل النكبة بـ 3 سنوات وتحديدًا في 2 نوفمبر عام 1945 م وكان اسمه يوم فلسطين في ذكرى وعد بلفور.
كان المفترض أن تكون فعاليات اليوم مظاهرات تصل أصداءها إلى السفارة الإنجليزية في قصر النيل، وتبدأ فعاليات المظاهرات بعد انتهاء أداء صلاة الغائب في الجامع الأزهر على أرواح شهداء فلسطين.
يمثل الطريق من الجامع الأزهر إلى ميدان الإسماعيلية (ميدان التحرير حاليًا) الخط الحيوي لمحلات تجار اليهود في مصر كون أن أغلبها يبدأ من الدرب الأحمر والغورية ومنهما إلى العتبة والموسكي وصولاً إلى وسط القاهرة، بالتالي فإن المظاهرات مرت من أمام محلات اليهود المصريين لتتعرض للنهب والتخريب.
كانت أولى عمليات النهب في الدرب الأحمر ثم وصل امتدادها إلى تقاطع شارع سليمان باشا (طلعت حرب حاليًا) مع شارع فؤاد الأول (26 يوليو حاليًا)، وخلال 48 ساعة قُتِل 6 وأصيب 400 شخص بين يهود ومتظاهرين وأفراد من البوليس المصري، فيما قُدِّرت قيمة المسروقات بـ 10 آلاف جنيهات ونجح البوليس في استرداد 8 آلاف منها.
بدأ الشرخ بين المصريين ويهود مصر منذ ذلك الحين، ثم تفاقم الشرخ بعد صدور قرار تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر عام 1947 م، لتندلع أعمال مظاهرات في 2 ديسمبر من نفس العام ترفض قرار الأمم المتحدة، لكن الرفض انصب على اليهود.
اندلعت أعمال المظاهرات الرافضة لقرار التقسيم لكنها لم تخلو من أعمال شغب مثل الاعتداء على الجامعة الأمريكية وحرق شركة يهودية في روض الفرج وحرق مركبتي ترام، ليعلن أحمد مرتضى المراغي بمنع المظاهرات لحين القبض على عناصر الشغب.
مقتل الخازندار ويهود مصر قبلة الحياة
جاء مقتل المستشار أحمد الخازندار في 22 مارس 1948 ليكون العنصر الأساسي في تهديد شعبية الإخوان بالشارع، ونقطة التحول في العلاقة بين الإخوان والحكومة، ورغم أن مصر كانت تعرف حوادث الاغتيال السياسي كما في حالة أمين عثمان، لكن مقتل الخازندار كان سببًا في غضب الناس لأنه قاضي.
جاءت حرب فلسطين بعد شهرين من اغتيال الخازندار وكان فرصة ذهبية لقيادات الجماعة بتفادي الصدام مع النقراشي وإنقاذ شعبية الجماعة فزار حسن البنا فلسطين في أواخر مارس ثم عرض في 6 مايو موقف الهيئة التأسيسة للجماعة من الحرب ومع الساعات الأولى لوقوع الحرب أعلن حسن البنا النفير العام للإخوان وجاهزية الجماعة لإرسال 10 آلاف مقاتل إلى فلسطين من الإخوان وهو ما حدث فعلاً.
توثيق تفجيرات القاهرة 1948 م .. التنفيذ إخواني والحكومة تغض الطرف
كانت القاهرة وقت حرب 1948 ساعة شبه مفتوحة لاستهداف المصريين من طائرات الكيان الصهيوني داخل عمق القاهرة، بينما اتجه الثأر لذلك من يهود مصر في سلسلة هجمات خلال بدأت من شهر يونيو واستمرت حتى شهر نوفمبر.
التفجير الأول لحارة اليهود
في الساعة الخامسة إلا عشر دقائق فجر العشرين من يونيو عام 1948 وقع الانفجار الأول في حارة اليهود والذي أسفر عن مقتل مالا يقل عن 23 شخصًا وإصابة 50 ونسف 3 منازل نتيجة زرع عبوات الجلانجايت في المنازل.
استمرت عملية رفع الأنقاض 12 ساعة، وبدأ التحقيق في أسباب الانفجار من النيابة لمدة أسبوع، وكان السؤال من الذي قام بتلك الانفجارات ؟.
تواطئت الدولة مع الإخوان بأن غضت الطرف عن ضلوعهم، فتقرير النيابة الذي أشرف عليه زكي يعقوب بمعاونة عثمان نجيب ومحمود التوني ورياض توما ذكر أن القتلى كانوا يخزنون المفرقات لصناعة بمب الأطفال ولاستخدامها في حراسة مقر الحاخامية.
على مستوى الصحافة فإن جريدة الزمان التي كان يشرف عليها إدجار جلاد ذكر أن تفجير حارة اليهود وضعها اليهود الربانيين في حارة اليهود القرائين لرفضهم الاعتراف بدولة إسرائيل في فلسطين، وهو الأمر الذي أثار جريدة البلاغ الوفدية الحكومية والتي قالت أن اليهود المصريين لم يقتلوا أنفسهم إنما ادخروا القنابل لمساعدة الصهاينة في فلسطين !، بل إن جريدة البلاغ الناطقة بلسان الحكومة نشرت بيان الإخوان في الرد على جريدة الزمان.
لم تعترف جماعة الإخوان بأنها مسؤولة عن التفجير وقت حدوثه، لكن فيما بعد اتفق كل الإخوان بشكل عام وأعضاء التنظيم الخاص بشكل محدد في مذكراتهم بأن الجماعة وراء نسف مساكن حارة اليهود في 20 يونيو 1948 تم على يد أفراد الجماعة ردًا على مذبحة دير ياسين التي نفذتها العصابات الصهيونية في إبريل عام 1948 م.
نسف محل داود عدس
جاءت ثاني عمليات تفجيرات القاهرة 1948 لتستهدف محل داود عدس عند تقاطع شارع عماد الدين مع شارع الألفي الساعة الساعة 6 و 40 دقيقة مساء يوم 28 يوليو نتيجة عبوة ناسفة وضعت في الدور الأول للعمارة أمام باب المخزن المؤدي للدور الأرضي.
لم تحدث خسائر في الأرواح خلال تفجير محل داود عدس وإنما أصيب 4 أشخاص من العاملين في المحل وانفجرت ماسورة الصرف الصحي في العمارة، وقدرت الخسائر المالية بـ 500 جنيه.
تولت النيابة التحقيق برئاسة أحمد مختار رئيس نيابة شمال القاهرة، وعثمان نجيب وكيل النيابة المختصر وبيومي العتر سكرتير التحقيق، وخلصت نتائج التحقيق ضد مجهول، بعد أن تم القبض على يهودي اشتبه به بأنه فجر محل داود عدس بحجة أن في بيته مواد كهربائية.
حاول الإعلام الحكومي في مصر عبر جريدة البلاغ أن يصطاد في الماء العكر فأجروا حوارًا مع داود عدس وزعمت الجريدة حينها أن شخصًا اسمه جاكسون كان موظفًا في المحل وتم فصله من العمل فقرر وضع القنبلة لينتقم من داود عدس، وهو الأمر الذي نفاه الأخير.
تفجيرات الأول من أغسطس
كان شهر أغسطس فارقًا في تاريخ تفجيرات القاهرة 1948 م حيث نشطت فيه العمليات الإخوانية ضد المنشآت اليهودية، لكن التطور كان تضرر المبان الحكومية، فضلاً عن الضحايا والأماكن، إلى جانب رد فعل حكومة النقراشي وتناقضها أيضًا.
في وقت واحد وهو الساعة الثالثة إلا خمس دقائق يوم 1 أغسطس 1948 شهدت منطقة وسط القاهرة سلسلة من الهجمات المتزامنة استهدفت 5 أماكن رئيسية هي «متجر جاتينيو للملابس، ومكتب التلغراف المصري في شارع عدلي، ومحل بابازيان للأدوات الموسيقية، وفرع شركة سنجر لأدوات الخياطة، ومحل بنزايون للآزياء والملابس»؛ إلى جانب محلات أخرى في عمارة تتبع وقف أحمد مظلوم باشا.
لم تسفر الانفجارات عن خسائر في الأرواح وإنما نجم عنها إصابة 20 شخصًا بين مسلمين ومسيحين ويهود وهم «راغب رشوان، حميدة بسيوني، حسن عبدالحميد، عبداللطيف إبراهيم، ميمي دياب، أولمب جولد برج، ماسيري أناكوري، زوزو السيد، استر كوهين، عبداللطيف لطف الله، فريد غية، حسن أحمد طاهر، توفيق محمد عثمان، بشير حسن، مصطفى عبداللطيف، محمد رشاد، ألبير جيون، مصطفى عامر، سعد محمود»
ولأول مرة منذ بدء تفجيرات القاهرة يحدث موقف من حكومة النقراشي، حيث قام بصفته رئيس للوزراء ووزير للداخلية بمعاينة الأماكن الخمسة مع مع عبدالرحمن باشا عمار وكيل وزارة الداخلية، وأعلن وزير الداخلية عن مكافأة قدرها 10 آلاف جنيه لمن يدلي بمعلومات حول مرتكبي الحادث.
التناقض هنا أن عمليات الضبط والقبض على المشتبه بهم من وزارة الداخلية لم تكن للإخوان أو مقارهم، وإنما كانت للمنازل المجاورة والتي كان يسكنها الوجهاء حينها، وتم ضبط أسلحة تبين لاحقًا أنها أسلحة للاستخدام الشخصي وبترخيص من الداخلية، والوحيد الذي قُبِض عليه هو عرفة حسين وتم الاشتباه به لأنه كان يحمل كوز، ثم تبين أنه بائع مثلجات يرتاد المحلات ليشرب منه العمال؛ أما البلاغات عن المتورطين استجابةً لبيان الداخلية فكانت كلها كيدية.
لم يتوقف التناقض عند ذلك الحد، بل وصل لدرجة الدفاع عن الإخوان أنفسهم في الصحف الوفدية الحكومية، إذ اتجهت أصابع الاتهام من الصهاينة للإخوان بتنفيذ التفجيرات، لترد جريدة البلاغ وتقول أن قنبلة شيكوريل ألقيت من طائرة صهيونية (وهذا صحيح)، بينما قنابل محلات عدس وجاتينيو وبنزايون فلا زال الخبراء يفحصونها (وهذا حق أُرِيدَ به باطل كون أن تحقيقات محلات عدس قيدت ضد مجهول)، فيما لم تتكلم البلاغ عن نسف حارة اليهود (لأن الجريدة اتهمت يهود مصر بقتل بعضهم بعضًا).
واستمر الدفاع عن الإخوان من جريدة البلاغ في 5 أغسطس 1948 حين تبنت حملة إعلامية تقول أن تفجيرات القاهرة ليس بها تورط مصري وإنما من نفذها هم اليهود وعلى الحكومة أخذ كل اليهود في مصر بمنتهى القسوة.
تفجير شركة المعادي
لم تكد تمضي 72 ساعة على تفجيرات وسط القاهرة إلا وانتقلت القنابل الإخوانية إلى المعادي في الساعة السادسة إلا خمسة مساء 4 أغسطس 1948 حيث تعرضت شركة المعادي للتعمير (التي كان بعض أعضاءها أجانب مع يهود ورئيس مجلس إدارتها مصري) لانفجار أسفر عن إصابة 3 وخسائر تقدر بـ 700 ج، وانتهى التحقيق إلى اللا شيء وساعد ذلك أن كافة مؤسسات الدولة أخذت أجازة عيد الفطر بعدها في 6 أغسطس.
التفجير الثاني لحارة اليهود
عادت حارة اليهود مرة أخرى في هدف تفجيرات القاهرة 1948 م لكن بشكل أعنف عن انفجار يونيو، ففي الساعة الثانية والربع ظهر 22 سبتمبر وقع انفجار ضخم في عطفة السد المتفرعة من شارع مكسر الخشب في حارة اليهود أسفر عن سقوط 4 منازل وتصدع 6 مع مبنى مدرسة ومقتل 20 شخصًا وإصابة 75 آخرين نصفهم من اليهود والبقية من المصريين ـ مات 7 مصابين بعد 3 أيام من الحادث ـ.
تحريات الأمن وتحقيقات النيابة أفادت بأن شابين من اليهود عثرا على صندوق فيه عدة قنابل عند المدرسة وأثناء عبثهما به انفجر فيهما ليسفر عن سقوط 4 منازل وتصدع 6 مع مبنى مدرسة ومقتل 20 شخصًا وإصابة 75 آخرين نصفهم من اليهود والبقية من المصريين ـ مات 7 مصابين بعد 3 أيام من الحادث ـ.
ولأول مرة يحدث اشتباكات بين أهالي الحارة من مسلمين ومسيحيين ضد اليهود، ليتدخل قوات الأمن بقيادة سليم زكي لفض الاشتباكات.
لكن جريدة البلاغ في صفحتها الأولى ذكرت رواية أخرى تقول بأن شائعة سرت في حارة اليهود مفادها أن الأمن سيقوم بتفتيش المنازل بعد معلومة تقول بوجود قنابل يدخرها اليهود، ليقوم بعض الشباب بنقل القنابل بشكل ارتجالي لتنفجر القنبلة ثم يقرر اليهود الانتقام من الشرطة المصرية.
تفجير شركة الإعلانات الشرقية
كان آخر تفجيرات القاهرة 1948 هو انفجار شركة الإعلانات الشرقية بشارع جلال خلف سينما الكوزمو في منطقة عماد الدين يوم 12 نوفمبر، وكان ذلك الانفجار الأضخم ونقطة تحول تعامل الحكومة النقراشية مع الإخوان.
كانت شركة الإعلانات الشرقية تصدر صحف الإجيبشيان جازيت والبورص والبروجريه اجيبسيان، ويملكهم هنري حاييم رجل الأعمال اليهودي وتتولى الإدارة مسز فاني الإنجليزية المسيحية، وكانت تلك الشركة إحدى أهم وسائل الدعايا الصهيونية بل وصاحبها دعم عصابات الصهاينة في فلسطين.
لكن الانفجار الذي حدث كان مختلفًا، فكل الانفجارات السالفة كانت بقنابل، لكن هذه المرة فإن أداة التفجير هي سيارة مفخخة دمرت 80 % من مبنى الشركة، أما من حيث الأضرار فقد قُتِل 11 شخص أغلبهم مصريين إلى جانب إنجليزي واحد، وسبب قلة العدد أن التفجير تم في السادسة صباحًا يعني قبل أن يبدأ قدوم الموظفين بكاملهم للوردية الصباحية، فيما أصيب مالا يقل عن 20 شخصًا، فضلاً عن تصدع أكثر من 7 عمارات واحتراق 16 سيارة.
ولأول مرة يتم اتهام الإخوان بتلك الحادثة في صحيفة البلاغ الحكومية التي طالما دافعت عنهم، وذلك لأن تلك الحادثة أدت لهزة في حكومة النقراشي كون أنها لها دلالات متعددة منها تطور سلاح الإخوان وأن عمليات الإخوان خرجت من مجرد تهديد لليهود إلى تهديد الحكومة نفسها في أمن البلد، خاصةً بعدما أوشكت حرب فلسطين على النهاية ونهايتها هي بداية نهاية الجماعة بسبب مقتل القاضي الخازندار.
لماذا حل النقراشي الجماعة ؟
لم تأخذ الحكومة النقراشية الإخوان بمحمل الاهتمام الأمني إلا في أكتوبر 1948 عندما صدر قرار بحل شعبة الإسماعيلية وبورسعيد بعد التفجير الثاني لحارة اليهود في شكل من أشكال جس النبض أو إيصال رسالة بعد اكتشاف كمية مهولة من الأسلحة في مزرعة الشيخ فرغلي الإخواني.
على وجه اليقين فإن تقصير حكومة النقراشي من شهر مايو حتى نوفمبر لا يختلف عن التستر، فالنقراشي يعلم من العام 1945 بمدى خطورة الإخوان، فضلاً عن أنه يستحيل على أجهزة القلم السياسي التي كانت تفتش البيوت وتلقي القبض على أي فرد مشتبه به، أن لا تقبض على إخواني واحد طيلة 4 أشهر كمشتبه بهم، ناهيك عن حالة الدفاع الحكومي.
تأخر النقراشي عن حل الجماعة راجع لسبب رئيسي وهو أن المزاج العام متحفز ضد يهود مصر بسبب جرائم الصهاينة، بالتالي فإن أي محاولة للقيام بمواجهة مع الإخوان قد يحدث انشقاقًا في الشارع أو مواجهة ضد الحكومة، خاصةً وأن الإخوان يحاربوا في فلسطين أصلاً.
لكن هناك أسباب شتى جعلت النقراشي باشا يتخذ قرار حل الجماعة في 8 ديسمبر 1948 م وهو أول حل في تاريخ الإخوان منذ ظهورهم عام 1928 م.
على رأس تلك الأسباب ضبط السيارة الجيب في 15 نوفمبر والتي أكدت أن جماعة الإخوان ليست مجرد جمعية تجاهد في فلسطين وإنما هي ميليشيات كاملة، حيث ضبط في السيارة خرائط وخطط لنسف منشآت أخرى غير يهودية وقوائم اغتيالات وكافة خطط التنظيم الخاص.
ثم وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة عندما قُتِل رجل الداخلية القوي سليم زكي حكمدار بوليس العاصمة أثناء محاولته فض مظاهرة في كلية الطب فألقيت عليه قنبلة يدوية قتلته يوم 4 ديسمبر 1948 م
عنصري السيارة الجيب مع قتل سليم زكي وقبلهما اغتيال القاضي الخازندار ثم عمليات النسف المنظم الذي بدأ بعبوات ووصل لحد السيارات المفخخة، كل ذلك أعطى دلالات متعددة للنقراشي منها تطور سلاح الإخوان وأن عمليات الإخوان خرجت من مجرد تهديد لليهود إلى تهديد الحكومة نفسها في أمن البلد.
تأخر محمود فهمي النقراشي كثيرًا في حل الجماعة، وتأخر أكثر في إنهاء سياسة غض طرف الحكومة عنها؛ وكان ثمن التأخير هو روح النقراشي نفسه بيد الإخوان في 28 ديسمبر 1948 م.
المراجع
- حيثيات قضية السيارة الجيب – دار الفكر الإسلامي
- الأوراق الخاصة لـ محمود فهمي النقراشي – د. هاني نجل النقراشي باشا
- أرشيف جريدة البلاغ الوفدية – الأعداد من 1 مايو 1948 لـ 28 ديسمبر 1948 م
- أرشيف جريدة المقطم – الأعداد من 1 نوفمبر 1945 لـ 28 ديسمبر 1948 م
- صفحات من تاريخ الإخوان – صلاح شادي
- أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين – جمعة أمين عبدالعزيز
- الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ – محمود عبدالحليم
- شهادة فريد عبدالخالق – شاهد على العصر على قناة الجزيرة
- وثائقي الجريمة السياسية اغتيال حسين البنا – قناة الجزيرة
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال