الوشم و الدفن مع الحمير.. عن طقوس اللعنة في مصر القديمة
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
عُرفت طقوس اللعنة في مصر القديمة، في عصر ما قبل الأسرات، كوسيلة للعقاب الإلهي اتجاه شخص مذنب أو معتدي، وتتمثل تلك العقوبة في الأفعال التي من شأنها إلحاق الأذى أو الضرر بالمذنب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ما بين اللعنة والعقاب
وقبل الولوج إلى مظاهر طقوس اللعنة في المصر القديمة لابد أولًا من التفرقة بين اللعنة و العقاب، فأمّا العقاب هو جزء من إرساء العدالة في المجتمع المصري القديم، حيث ينال المجرم عقوبته في الدنيا نتيجة لأعماله السيئة.
وقد عرف المصريون التفرقة بين الجرائم العامة والخاصة، فكان الملوك ينظرون لمثيري الشغب بقسوة، وكانت عقوبتهم تتنوع بين الإعدام والجلد و قطع الأنف واليد على حسب كل جريمة أو مؤامرة[1].
وعن اللعنة، فالعقاب جزء منها، فإن كان العقاب دُنيويًا، فاللعن دنيويًا وجنائزيًا ودينيًا، ويغلب على اللعنة الصبغة الطقسية الدينية، وقد تكون عقوبة رمزية ، وقد تصب اللعنة أحيانًا على حيوان معين يرمز إلى الشر وبالقضاء عليه ينتهي الشر[2]
ممارسات طقوس اللعنة في مصر القديمة
تعددت الممارسات الطقسية للعنة المدنس في مصر القديمة، وجاءت على ثلاث صور:
أولًا: الممارسات الجنائزية:
مارس المصري القديم عدة ممارسات جنائزية كنوع من إنزال العقاب على المذنب، ومنها الحرمان من الدفن، فقد كان تشيد مقبرة للمتوفي نوع من أنواع التقدير والاحترام فهو دليل على مكانته الاجتماعية بين أفراد أسرته، ومعنى عدم تشيد مقبرة فهو مذنب أو عديم التقدير من المجتمع.
وقد تم العثور على عدد من جبانات العصر العتيق في مصر في منطقة منشأة عزت وموقع أبو صير، هذه الجبانات لم يدفن بها أحد وفسرها البعض أنها كانت ربما مقابر رمزية للروح [3].
ومن بين المظاهر الطقسية لإنزال اللعنة على المذنب ؛ فصل جمجمة المتوفي ونزع فروة رأسه، ومن المعروف أن المصري القديم كان ذا ولع بالحفاظ على جثث موتاه قدر الإمكان، فكان اعتقادهم أن هلاك الجسد معناه هلاك الروح في العالم الآخر.
ومعنى فصل الجمجمة و فروة الرأس هو نوع من الحرمان من وصول روحه للعالم الآخر، كما في جبانة البداري حيث عثر على مقبرة سيدة عجوز جاء هيكلها كاملًا بينما فصلت الجمجمة عن قصد واستعين بالجمجمة[4] .
بتر أعضاء المتوفي، و تقيد الأيد أثناء الدفن من مظاهر الطقوس الجنائزية للعن المتوفي، وظهر بقايا مفككة لهياكل عظمية في مقابر فردية وجماعية، وقد تعددت التفسيرات حول هذه الهياكل منهم من قال أنها تعرضت للسرقة والنهب[5] ومنهم من قال أن تلك الفترة كانت فترة حروب بين شمال مصر والجنوب لتوحيدها، وهو ما أظهرت نقوس رأس مقمعة الملك العقرب[6].
ثانيا الطقوس الدنيوية للعنة
من الطقوس الدنيوية للعنة، تشويه التمثال وتحطيمه، فقد كان للتمثال في مصر القديمة أهمية وقوة خلاقة، حيث كان الاعتقاد الشائع أن التمثال أو الصورة ما هي إلا وسيط ينتقل من خلاله جزءً من الشخصية الروحية الحقيقية لصاحب التمثال، لذا فإن تحطيم جزءً منه ما هو إلا صورة من صور العذاب وعدم استقرار الروح.
استخدم المصري القديم رموز الوشم في إنزال اللعنات على المتوفي المذنب، وتأكدت أهمية الوشم وارتباطه بالرمز السحرية من خلال ما عثر عليه من أدلة على استخدام الوشم كنوع من طقوس السحر الرمزي أو السحر البديل [7]، وغيرها من الطقوس كمحو اسم شخص لإنزال اللعنات عليه.
ثالثًا: الطقوس الدينية للعن
من الطقوس الدينية للعن؛ دفن الحمير مع المتوفي، وقد ارتبط الحمار في مصر القديمة وحتى نهاية العصر المتأخر بالمعبود” ست” إذ ظهر المعبود ست في أحد هيئاته برأس حمار، وكان ست أحد أعداء إله الشمس، وقد وضح الربط بين الحمار وبين” ست” كأحد الرموز الحيوانية التي تمثله منذ عصر ما قبل الأسرات ، وقد عثر على عدد من الدفنات الشعائرية للحمير في بعض الجبانات في عصر ما قبل الأسرات وبداية الأسرات في جبانة أبو صير، حيث عثر على ثلاث حمير بمصطبة تؤرخ لعصر الملك “دن” رابع ملوك الأسرة الأولى، وكانت الحمير في المصطبة بطول الجانب الجنوبي[8].
و لازال الموروث الثقافي يخبرنا عن الماضي الدسم لحياة المصر القديم، و لازال هناك من الأسرار والمعتقدات لا تكفيها المجلدات لروايتها.
المراجع والمصادر
[1] حامد أحمد عبيد الله علي، العدالة والقانون بين الفهم والممارسة في مصر القديمة ، مجلة كلية السياحة والفنادق، جامعة الفيوم مج9، ع1، سبتمبر 2015م ص36
[2] زينب عبد التواب رياض، طقوس اللعنة ومظاهرها في مصر خلال عصور ما قبل الأسرات ، مجلة الاتحاد العام للآثاريين العرب، مج22، ع1، 2021
[3] مي نديم ، عادات الدفن في بعض مواقع شرق الدلتا وموقع أبو صير شمال سقارة في العصر العتيق، دراسة (أثرية ـ أنثروبولوجية)، كلية الآثار جامعة القاهرة 2009ص168
[4] طقوس اللعنة ومظاهرها في مصر القديمة ( مرجع سابق)
[5] عبد العزيز صالح، حضارة مصر القديمة وآثارها ، ج1، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة ، 2006، 180
[6] طقوس اللعنة ومظاهرها في مصر خلال عصور ما قبل التاريخ ( سابق)
[7] السابق ص140
[8] السابق ص143 ـ154
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال