همتك نعدل الكفة
89   مشاهدة  

الوصاية الأبوية.. بين تأكيد الأحاديث ونفي القرآن (2-2)

القرآن
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



هل يسأل الله الآباء عن إيمان الأبناء من عدمه؟
هل يجيب القرآن صراحة عن مثل هذه الأسئلة؟
هل جرت الإشارة إلى إجابات عن ذلك بصورة غير مباشرة؟

رأي القرآن

كما أشرت هنا، يختلف بعض الفقهاء في مسألة عدم القِصاص من الوالدَين، منهم المالكية، الذين ينطلقون إلى ذلك من نص الآية 45 المائدة: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، فالحديث هنا عن النفس بالنفس دون إشارة إلى استثناءات عائلية أو ذكر لإعفاء الأباء إن قتلوا أبنائهم.

بالنظر إلى تفاسير عديد من الفقهاء لحكمهم بعدم القصاص من الأباء إن قتلوا أبنائهم نجدهم يتكئون على اعتبار عاطفة الوالدَين تجاه الأبناء بديهية ومُطلقة وتقود دومًا إلى الصواب، وهو طرح يتعارض مع ما يُفهم من سياق آيات قرآنية مثل الآية 31 سورة الإسراء: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًاو﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ (8 – التكوير).

في الحالتين نجد أن النص القرآني يعالج بشكل قطعي الدلالة حالات قتل الآباء للأبناء خوفًا عليهم من مصير بائس بسبب الفقر أو الخوف من الاسترقاق بسبب الفقر أو تدني درجة الأسرة على سلم القبلية، كما لا ننسى قصة نبي الله إبراهيم ومحاولة أبيه حرقه حيًّا، وهي أدلة قرآنية يُفهم منها دون لبس في المعنى عدم دقة بوصلة المحبة الأبوية في إطلاقها ولا حتى إنهم يقدمون دائمًا حبًّا غير مشروط.

الأنبياء نموذجًا

هل أمتلك أي من أنبياء الله سلطة دينية على أبناءه؟، للإجابة على هذا السؤال نحتاج للعودة إلى قصص الأنبياء كما وردت في القرآن، والنظر في علاقة الأنبياء بأبنائهم؛ من كان مؤمن منهم أو من لم يؤمن.

في قصة الفداء العظيم نرى إن النبي إبراهيم لم يجبر ولده على التضحية بنفسه، إنما حسب الآية 102 من سورة الصافات أكتفى بعرض الأمر عليه وترك القرار في يده ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ

كما لم يفرض لوط على زوجته أنت تؤمن به فكانت من الغابرين، وهو نفس مصير زوجة صاحب الفُلك ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ (التحريم – 10).

وأخيرًا نضيف لذلك موقف ابن نوح ورفضه ركوب الفلك مع المؤمنين وقال لأبيه ﴿سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ فلم يكن من أبيه إلا النُصح ﴿قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ﴾.

ثم نقارن كل ذلك بما سبق من أحاديث أو آراء فقهية تقول بأن للأباء سلطة دينية على الأبناء.

هل الثواب أو العقاب جماعي؟

يؤكد النص القرآني على فردية الحساب والجزاء أكثر من مرة.. بل ويوضح عدم تداخل الحساب بين الأهل وبعضهم البعض: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ (18 – فاطر)، حتى إنه في سورة عبس يرد القرآن على هذه المعضلة بشكل مباشر وقاطع ولا يحتاج لتأويل ﴿يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ* وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ* وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ ٱمۡرِئ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذ شَأۡن يُغۡنِيهِ﴾ (34 : 37)

إقرأ أيضا
محمود درويش

فكيف يستوي هذا مع مقولات عن دخول النار جماعة أو حتى أحاديث تُنسب للنبي عن إجبار الأبناء على العبادات باستخدام العنف؟!

القرآن
نص آيات سورة عبس

ختامًا

سيُحاسَب يوم القيامة كل إنسان على أعماله هو فقط لا غير ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾، كما لا يمكن إغفال وجود حالات يحمل فيها “بعض” البشر أوزار آخرين دون أن ينقص من الآخرين شيء من وزرهم القائم على أساس اختيارهم أفعالهم، يتجلى ذلك في قوله تعالى:

﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلۡنَحۡمِلۡ خَطَٰيَٰكُمۡ وَمَا هُم بِحَٰمِلِينَ مِنۡ خَطَٰيَٰهُم مِّن شَيۡءٍۖ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ * وَلَيَحۡمِلُنَّ أَثۡقَالَهُمۡ وَأَثۡقَالا مَّعَ أَثۡقَالِهِمۡۖ وَلَيُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ﴾ (12 و13 – العنكبوت) وهنا هم يعاقَبون على “تحريضهم”.. والفارق كبير بين أن يُحاسَب المرء على تحريضه غيره، وبين محاسبته على عدم إجبار الآخر على العبادات أو الالتزام عمومًا أوامر الله وقواعد دينه.

الكاتب

  • القرآن رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان