همتك نعدل الكفة
3٬338   مشاهدة  

عاطل لمدة 19 شهرًا .. احتراف اليأس

عاطل
  • كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



لم يجرب أحدنا الغرق من قبل لأننا ما زلنا أحياء، لكننا نعرف جيدا شعور الغريق، ذلك اليائس الذي يعود إلى السطح مرة أو مرتين محاولا النجاة قبل أن يغيب في القاع ولا يرى السطح مرة أخرى إلا جثة هامدة.

تخيل ياعزيزي أن هذا الغارق أكثر حظا من ذلك الشخص الذي فقد عمله، أو إذا شئنا الدقة اللغوية “خالي شغل” العاطل، ذلك الذي يستشعر الغرق في كل يوم وليلة لكنه أبدا لا يفقده ويرتاح بالتحول لجثة هامدة بل يعود حاملا لعنته مثل سيزيف كل صباح.

أنا شخصيا بقيت عاطلا لمدة عام ونصف، تضاءل الأمل داخلي لدرجة التحول إلى حبوب استحلاب اعتادها الجسد فلم تعد تعني شيئا، حتى قررت الانتحار.

كان قرار الانتحار أسهل كثيرا من الاستمرار حبيسا لكل هذا العجز، ولعجز العاطل قد نفرد مساحات للوصف والحكي التي تؤلم حتى القلم، عاجز أنت عن تلبية احتياجات أبنائك بل حتى أحيانا عن إطعامهم، طلباتهم تشبه ذلك الورم السرطاني الذي ينتشر في جسدك ليؤلم دون توقف، حين يطلب ابنك أو ابتنك شيئا وترد ناظرا للأرض متحاشيا التظر لعينه : “لا مفيش” هو المرض اللعين ذاته، قد نملك الشعور بالسعادة لرفض طلباتهم التي نقدر على تحقيقها لأننا نربيهم على أن كل ما يريدونه ليس متاحا، لكن ونحن عاجزين عن تلبية كل طلباتهم يسكن السرطان روحنا.

تتلاشى متطلباتنا الحياتية، نفقد الدهشة والاعجاب والشغف، ثم نبدأ في التنازل عن احتياجتنا الشخصية الأساسية رويدَا رويدًا، أو إذا شئنا الدقة نفقد انسانيتنا يوما بعد يوم.

عن نفسي تمنيت الموت غرقا حين عجزت يوم عن تسديد إيجار شقتي قبل أن أغادرها مجبرا، أحسست أن الموت حرقا قد يكون النعيم ذاته أمام عجزي عن منع طرد ابني من المدرسة لعجزي عن تسديد المصاريف لثلاث أعوام متتالية، لكنني نجوت، أمتلك عائلة حقيقية رائعة وامرأة قوية كانت جيشي العظيم.

يخشى العاطلون الاستيقاظ، يتمنون أن يستمر الليل إلى الأبد، يشرب الناس قهوتهم في الصباح بينما يتعاطى العاطلون مرارة اللاشيء فيتمنون البقاء نائمين للأبد، لكن الأكثر ألما أنه لا ذنب لهم في فقدانهم عملهم.

ولأن العاطلين في بلادي بالضرورة موهوبون، مخلصون، لا يضعون قيمة سوى للعمل في زمن يحترم العصافير، في زمن مالت كفة ميزانه لتعطي القيمة لكل فارغ وتنزعها عن كل “مليان”، كان ألمهم أكثر توحشا.. لا عاصم لهم منه ولا حتى سفينة نوح.

إقرأ أيضا
السيد إمام

عزيزي لقد عدت للعمل مرة أخرى، قد لا تطول المدة، لكنني صرت أثق كثيرا في حكمة الله وعدله خاصة حين قال” وفي السماء رزقكم وما توعدون”، أصل اللي زينا مالوش رزق على الأرض

الكاتب

  • عاطل أسامة الشاذلي

    كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
7
أحزنني
1
أعجبني
2
أغضبني
1
هاهاها
1
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان