
بـ25 قتيلًا و63 مصابًا..داعش يعيد نفسه للمشهد من بوابة كنيسة مار إلياس، فما القصة؟

-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في مشهد يعيد إلى الأذهان أحلك فصول الحرب السورية، استيقظت العاصمة دمشق، على وقع مأساة دموية جديدة، بعدما شهدت مساء أمس الأحد (22 يونيو 2025) هجومًا انتحاريًا استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة، أسفر عن مقتل 25 شخصًا وإصابة 63 آخرين، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة السورية في بيانها الرسمي.
ورغم عدم تبنّي تنظيم “داعش” الهجوم حتى الآن، سارعت وزارة الداخلية السورية إلى توجيه أصابع الاتهام إليه، مؤكدةً أن أحد عناصره هو من نفّذ العملية عبر إطلاق النار على المُصلّين داخل الكنيسة، ثم فجّر نفسه بحزام ناسف. بينما نقلت مصادر أمنية روايات تفيد بمشاركة عنصرين في تنفيذ الهجوم، أحدهما أقدم على تفجير نفسه، فيما لم تُكشف تفاصيل أكثر عن مصير العنصر الثاني حتى الآن.
رسائل من نار.. الهجوم يتجاوز البعد الأمني
وفي تحليل لمنى قشطة – باحثة في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أظهرت الوقائع الأولية أن الهجوم لم يكن مجرّد عملية إرهابية عابرة، بل يحمل بين طياته دلالات أعمق ترتبط بالتحوّلات السياسية والأمنية في سوريا، ولا سيّما في ظل المشهد الإقليمي الملتهب والانشغال الدولي بالحرب الإيرانية الإسرائيلية.
وأضافت “قشطة” أن المعطيات الميدانية إلى أن الهجوم استُهدف خلال قداس الأحد، في توقيت يضمن وجود تجمع كبير من المدنيين، ما يفسّر الارتفاع الكبير في عدد الضحايا. ويبدو أن منفّذي الهجوم استخدموا تكتيك “العملية المزدوجة”، الذي يتضمن إطلاق نار يسبق التفجير الانتحاري، وهو أسلوب اعتادت عليه خلايا تنظيم “داعش” لإرباك الأجهزة الأمنية وزيادة عدد الضحايا.
استهدافٌ ممنهج للأقليات.. وامتحانٌ للحكومة الانتقالية
لم يكن اختيار “داعش” لكنيسة مار إلياس محض صدفة. فالاستهداف المتكرّر للأقليات الدينية، وخصوصًا المسيحيين والشيعة، يُشكّل إحدى الركائز العقائدية للتنظيم، الذي يرى في استهداف هذه المكونات وسيلة لترسيخ وجوده، وتعزيز خطابه المتطرّف.
وفي السياق السوري، تقول “قشطة” إن العملية تأتي بعد أشهر قليلة من محاولات فاشلة لتنفيذ هجمات على مقام السيدة زينب وكنيسة معلولا، أُحبطت آنذاك من قِبل الأمن السوري. لكن نجاح الهجوم الأخير في الوصول إلى عمق العاصمة دمشق – وتحديدًا في حي الدويلعة – يُشكّل ضربة موجعة لصورة الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، الذي كان قد تعهّد في أكثر من مناسبة بحماية الأقليات وبسط الأمن في عموم سوريا.
وبهذا المعنى، لا يُعدّ الهجوم مجرّد استهداف طائفي، بل رسالة سياسية بالغة الوضوح: “حتى في قلب دمشق، الحكومة عاجزة عن حماية مواطنيها”.
مكاسب دعائية وتنظيمية لـ”داعش”
من زاوية استراتيجية، يتخطى هذا الهجوم حدوده المباشرة من حيث الخسائر البشرية والمادية، ليمنح تنظيم “داعش” مجموعة من المكاسب الإعلامية والدعائية:
أولًا: الصدى الإقليمي والدولي لهجومٍ يستهدف كنيسة وسط العاصمة السورية يمنح التنظيم تغطية إعلامية واسعة يُمكنه استغلالها في دعايته الداخلية والخارجية.
ثانيًا: تقويض مصداقية الحكومة الانتقالية أمام الداخل السوري والمجتمع الدولي، خصوصًا أن الهجوم وقع في منطقة تخضع لإجراءات أمنية مشددة.
ثالثًا: يُعيد “داعش” إلى واجهة المشهد بعد شهور من التراجع، ويمنحه دفعة معنوية أمام أنصاره، خصوصًا مع الانقسامات التي تشهدها الجماعات الجهادية الأخرى، مثل هيئة تحرير الشام.
حرب شاملة.. داعش ضد حكومة الشرع
وفي السياق ذاته تقول “قشطة” إن الهجوم على كنيسة مار إلياس ليس سوى حلقة في سلسلة من المواجهات المستمرة بين تنظيم “داعش” وحكومة أحمد الشرع منذ وصوله إلى السلطة. ويمكن تلخيص هذه المواجهة بثلاثة محاور رئيسية:
1. حرب أيديولوجية وإعلامية: يتبنّى التنظيم خطابًا متطرّفًا ضد الشرع، وخصص افتتاحيات متعددة في صحيفة “النبأ” للهجوم عليه، واتهامه بالخيانة والتفريط في “ثوابت الجهاد”.
2. حرب ميدانية: شهدت الأشهر الأخيرة تكثيفًا للهجمات على مناطق سيطرة الحكومة، كما حدث في هجومي السويداء والميادين في مايو الماضي.
3. حرب استقطاب داخلي: يسعى التنظيم لاختراق الجماعات الجهادية الأخرى، عبر استثمار الانقسامات داخل هيئة تحرير الشام، واستقطاب التيارات الأكثر تشددًا، في سيناريو مشابه لمحاولة تنظيم “داعش خراسان” في أفغانستان.
انتهازية سياسية.. توقيت الهجوم ليس بريئًا
وتشير “قشطة” إلى أن اختار “داعش” توقيت الهجوم بعناية شديدة، إذ يأتي في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران، والتي باتت تشغل أولويات الفاعلين الدوليين والإقليميين. وقد خصص التنظيم افتتاحية عدد (500) من صحيفته “النبأ” للحديث عن هذه الحرب، معتبرًا إياها “صراعًا بين مشروعين”، داعيًا خلاياه حول العالم إلى استغلال حالة الفوضى لتصعيد العمليات. بمعنى آخر، سعى التنظيم لاستغلال انشغال الخصوم، وإيصال رسالة مفادها: “نحن هنا.. ونستغل كل لحظة ضعف”.
إلى أين تتجه سوريا؟
يثير هجوم كنيسة مار إلياس تساؤلات خطيرة حول مستقبل الأمن في سوريا، ومدى قدرة الحكومة الانتقالية على احتواء تمدّد تنظيم “داعش”، الذي يبدو أنه بدأ فصلاً جديدًا من فصول “التمدد في الظل”.
وفي ظل تعقيد المشهد الإقليمي، وتداخل الحروب الأيديولوجية والطائفية والسياسية، تبقى سوريا مسرحًا مفتوحًا لكل الاحتمالات، وأقرب إلى “الهدوء القلق” الذي قد تزلزله هجمات أخرى في أي لحظة.
اقرأ أيضًا: بعد الضربة الأمريكية .. هل تسرّع إيران إعلانها بامتلاك السلاح النووي
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ما هو انطباعك؟







