رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
123   مشاهدة  

بين القانون والضمير: كيف تحسم القيم مصير الاستثمار والتنمية في مصر؟

الاستثمارات
  • د. أحمد حسن عبد الهادي ـ دكتور المالية العامة والتشريعات الإقتصادية والضريبية - زميل الجمعية العلمية للتشريع الضريبي



في عالم يشهد تسارعًا اقتصاديًا وتنافسًا على جذب الاستثمارات، لم تعد الخطط والمشروعات وحدها كافية لصناعة التنمية. فمهما تقدمت الدول في تشريعاتها، أو توسعت في مشروعاتها، تظل القيم والأخلاق هي العامل الحاسم في تحويل تلك الجهود إلى واقع ملموس. وتجربة مصر، بما تحمله من طموح وإصلاحات، تمثل نموذجًا حيًا على هذه المعادلة الدقيقة.

الاستثمار ليس مالًا فقط… بل منظومة قيم

حين نتحدث عن الاستثمار، يتبادر إلى الذهن المال والمشروعات والقوانين. لكن التجارب العالمية الناجحة تُظهر أن رأس المال يبحث قبل كل شيء عن بيئة أخلاقية مستقرة: احترام العقود، شفافية الإجراءات، حماية الحقوق، ومجتمع يرفض الفساد ويتبنى النزاهة.

أولًا: النماذج العالمية في الاستثمار القيمي

في الدول الغربية والأنظمة الاقتصادية المتقدمة، ظهرت نماذج متنوعة تؤكد على أهمية القيم والضمير في توجيه رأس المال:

  1.  الاستثمار وفق معايير ESG البيئية والاجتماعية والحوكمة:

أصبح من الشائع أن تعتمد المؤسسات المالية وصناديق التقاعد على مؤشرات ESG لتقييم الشركات قبل الاستثمار فيها. هذه المؤشرات تقيّم مدى التزام الشركة بالبيئة، واحترام حقوق الإنسان، والشفافية الإدارية.

  1.  الاستثمار المؤثر (Impact Investing):

وهو استثمار يهدف إلى تحقيق أثر اجتماعي أو بيئي إيجابي إلى جانب الربح المالي. يركز على مشاريع مثل الطاقة المتجددة، التعليم، وتمكين المرأة.

  1.  المقاطعة المالية للشركات غير الأخلاقية:

تنتشر حملات لحرمان الشركات التي تنتهك القيم الإنسانية (مثل دعم الحروب أو انتهاك حقوق الإنسان) من التمويل، ويستجيب المستثمرون بناءً على قيمهم الشخصية أو ضغط المجتمع المدني.

وعند حديثنا عن القيم والاخلاق والضمير كمحركات للاستثمار ينبغى التأكيد على أن مبادىء الاستثمار الاسلامي، واخلاق التجار كان مظهرا من مظاهر بناء الدولة الاسلامية.

وحديثا في مصر، أُنجز الكثير من الإصلاحات مثل تعديل قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، وتحديث البنية التحتية، وتدشين مناطق اقتصادية واعدة تجسدت في إطلاق المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ، لا تزال هناك عقبات غير مرئية لكنها مؤثرة: المحسوبية، ضعف الشفافية، بعض الممارسات الإدارية البيروقراطية، وتراجع ثقافة الالتزام في بعض الجهات.

كما شهدت مصر في السنوات الأخيرة جهودًا مكثفة لتحسين مناخ الاستثمار، ، وهو ما ساهم في زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 10% خلال العام المالي 2022/2023، وفقًا لتقرير البنك المركزي المصري.

 

جهود تشريعية وتنفيذية… تهدرها أخطاء سلوكية

الدولة المصرية تبذل جهودًا تشريعية واضحة: قوانين التراخيص، والتيسيرات والتسهيلات الضريبية، حماية المنافسة، وميكنة الخدمات الحكومية.

إلا أن الأمل معقود ببذل جهود تربوية نحو تربية ضمير يكون وجها لعملة طرفها الآخر هو القانون، حتى لا يكون الهدف البحث عن ثغرات القانون- والتى هى ضرورة لازمة للتشريع لكونه صنعا بشريا لا يجانبه الكمال- ، هو الهدف الاسمي والغاية لتحقيق المراد.

فيتطلب الواقع المصري اليوم بناء نموذج وطني للاستثمار يستند إلى قيم الشفافية والمحاسبة، ويشجع على الاستثمار المنتج لا المحتكر، وعلى خلق فرص عمل عادلة ومستدامة. وينبغي أن يكون للقطاع الخاص دور محوري، لكن وفق ضوابط تشريعية ورقابية تضمن التوازن بين الربح والمسؤولية المجتمعية.

كما أن الإعلام له دور كبير في هذا السياق؛ من خلال التوعية المجتمعية، وكشف الممارسات غير الأخلاقية، وتسليط الضوء على قصص النجاح التي تلتزم بالقيم وتقدم نماذج إيجابية للمستثمر المواطن والمستثمر الأجنبي على حد سواء.

لكن هذه الجهود، ورغم أهميتها، تُصاب أحيانًا بالإحباط الشعبي أو البطء التنفيذي. لماذا؟ لأن القانون بلا ضمير يُفرغ من مضمونه. فعندما لا تُطبق المعايير الأخلاقية داخل المؤسسات، يُصبح الإنجاز مجرد شكل بلا روح.

فجدير بنا أن نبني بنية تحتية تكون جاذبا للاستثمار والعين لا تخطأ ذلك ، والأجدر أن نُربي على احترامها والمحافظة عليها. وحقيق بنا أن نصدر قوانين وتشريعات تلبي تطلعاتنا وتحقق آملالنا ، والأحق أن نُنشئ أجيالًا تلتزم بها من الداخل. فالقيم ليست رفاهية ولا وعظًا، بل أساس للاستثمار والتنمية والمواطنة.

وقد نجحت دول مثل سنغافورة ورواندا في تحقيق طفرات اقتصادية لأن الإصلاح فيها لم يكن فقط تشريعيًا، بل أخلاقيًا وثقافيًا أيضًا، ولكن كيف السبيل الى تحقيق تلك الغاية: السبيل الى تحقيق ذلك هو دمج القانون بالتربية القيمية

ففي التعليم: يجب أن تتصدر المناهج مفاهيم النزاهة، العمل، والشفافية، والمواطنة، والمراقبة، وفي الإعلام: دعم النماذج الإيجابية في شتى المجالات ،للوقوف كحائط صد لمن تسول له نفسه احتكار المواطن، والالتفاف حول القانون.

إقرأ أيضا
قطاع الملابس

وفي الإدارة: فرض معايير للمساءلة لا تقتصر على الرقابة المالية فقط، بل تشمل الأداء الأخلاقي. في الاستثمار: تفضيل المستثمرين أصحاب المبادرات المجتمعية والالتزام البيئي على حساب الاستثمارات السريعة غير المستدامة.

فحين يتصالح الضمير مع القانون نكون أما نظام متماسك قادر على مواجهة التحديات ومواكبة التطورات.

الطريق إلى مصر المستقبل لا يمر فقط عبر الإقتصاد والمشروعات، بل عبر غرس القيم في المؤسسات، وفي وجدان الناس. حين تُحترم القوانين لأنها عادلة، وتُطبق لأنها واجب، يصبح الاستثمار آمنًا، والتنمية عادلة، والمواطن شريكًا حقيقيًا في البناء.

 

وفي طريقها نحو التحول إلى مركز اقتصادي إقليمي، تحتاج مصر إلى أكثر من رؤوس أموال. تحتاج إلى بناء ثقة، وصياغة عقد أخلاقي جديد بين الدولة والمستثمر والمواطن. فحين يتأسس الاستثمار على القيم، يصبح ليس فقط وسيلة للربح، بل أداة لبناء وطن عادل ومستدام.

 

الكاتب

  • الاستثمارات د. أحمد حسن عبد الهادي

    د. أحمد حسن عبد الهادي ـ دكتور المالية العامة والتشريعات الإقتصادية والضريبية - زميل الجمعية العلمية للتشريع الضريبي






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان