تاريخ أول قداس للبابا شنودة بعد عودته من التحفظ “كيف كان رد الفعل في الإعلام عام 1985م”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
جاء أول قداس للبابا شنودة بعد عودته من التحفظ يوم 7 يناير 1985م، أي بعد 3 سنوات و 4 أشهر منذ صدور قرارات سبتمبر 1981م على يد الرئيس محمد أنور السادات.
طيلة 3 سنوات و 4 أشهر جرت واقعة خطيرة إذ رفضت محكمة القضاء الإداري في جلسة 12 إبريل 1983م الدعوى التي رفعها البابا شنودة يوم 12 يناير 1983م لإلغاء قرار رئيس الجمهورية بعزله عن بابوية الإسكندرية.
لقراءة حيثيات الحكم بصيغة الـ PDF
هــــنــــا
بالتالي فإن عودة البابا شنودة إلى مهامه البابوية بالمحاكم هو أمر لن يحدث، والوسيلة في ذلك هي صدور قرار جمهوري من مبارك يلغي قرار سلفه السادات.
ما قبل عودة البابا شنودة
حكى الوزير حسب الله الكفراوي أنه مع أول لقاء له مع حسني مبارك ترجاه في رجوع البابا شنودة، لكن الرئيس رفض ذلك لعدم ملائمة الأجواء الأمنية وعبر عن ذلك بقوله «أنا عايز المسائل تمشي بترتيب».(1)
خلال تلك الفترة كان هناك وفدًا يذهب إلى البابا شنودة للتفاهم معه حول ضرورة تغيير أسلوبه في التعامل مع الدولة، وضم الوفد القس صموئيل حبيب رئيس الطائفة الإنجيلية والقيادي الوفدي أمين فخري عبدالنور والمحامي الكاثوليكي أمين فهيم.(2)
سرت في العام 1984م انفراجة وبدأت الأقوال تتردد حول قرب عودة البابا شنودة وكان أول من رحب به في الأوساط الصحفية الكاتب أحمد بهجت.
تولى اللواء أحمد رشدي منصب وزير الداخلية في يوليو 1984م، وكان صديقًا للبابا شنودة وراغبًا في عودته للمهام البابوية من قبل أن يتولى الوزارة وبذل جهودًا مضنية في التوفيق بين الرئاسة والبابا(3)، إلى أن زاره في 28 ديسمبر 1984م وأخبره بقرب عودته للمنصب بقرار جمهوري.
عودة البابا شنودة وما قبل أول قداس عيد ميلاد
بفضل الصحفي جرجس حلمي عازر انفردت جريدة الجمهورية بسبق صحفي قبل باقي الصحف القومية والمعارضة، إذ نشرت في 29 ديسمبر 1984م إعلان خبر عودة البابا شنودة بقرار جمهوري وحضوره لقداس عيد الميلاد يوم 7 يناير 1985م.
ومع حلول يوم 2 يناير 1985م نشرت الصحف القومية الثلاث خبر عودة البابا شنودة بقرار من رئيس الجمهورية وحضوره قداس عيد الميلاد.
اتفق رموز الحكومة والمعارضة في يوم 3 يناير على أهمية هذه الخطوة فوجه ألبرت برسوم سلامة رسالة شكر إلى الرئيس مبارك على هذا القرار، فيما أرسل الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب رسالة تهنئة إلى البابا.
فيما أعلن فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد عن حضوره للقداس موجهًا التهنئة للبابا وواصفًا قرار الرئيس مبارك بأنه عنصر سعادة للمصريين المحبين للديمقراطية وسيادة القانون.
أما حزب الأحرار فوجه تهنئة للبابا شنودة بمناسبة القرار الجمهوري القاضي بعودته البابا شنودة لمهامه البابوية.
ولم تنقطع التهاني بعد ذلك فقد قدم كمال حسن علي رئيس الوزراء يوم 6 يناير تهنئة إلى البابا شنودة، ثم تهنئة من المستشار أحمد موسى وكيل مجلس الشعب؛ وفي اليوم التالي أرسل مجموعة من رجال الدين برقيات شكر إلى الرئيس مبارك.
مع يوم 4 يناير 1985م ترك البابا شنودة دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون واتجه لمقره البابوي وقال عقب خروجه «الوضع الآن أفضل بكثير، والعلاقة بين الحكومة والكنيسة طبيعية مرة أخرى، وبما أن العلاقة بين الحكومة والكنيسة طبيعية الآن، فنحن نريد أيدًا تعميق الحب بين المسيحيين وإخواننا المسلمين، لأن هذه حياة طبيعية نعيشها كأخوة دون خوف من أي مخاطر».
جريدة الأحرار كانت هي الوحيدة التي انفردت بعمل حوار مع البابا شنودة وأبدى مقارنة في الحوار بين عصر مبارك وعصر السادات فقال «عهد مبارك أفضل بكثير من عهد السادات، حيث كان في عهده الكثير من الأمن والأمان ووجود امتصاص سريع لأي خطأ يحدث وهذه نقطة هامة».
أول قداس عيد ميلاد حضره البابا شنودة
ترأس البابا شنودة قداس عيد الميلاد في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بحضور الآلاف من الأقباط وكان استقبالاً مهيبًا ألقى فيه البابا شنودة عظة بعنوان القيامة العامة، استهلها بقوله «في الواقع إن هذا العيد له مكانته الكبيرة في الكنيسة، لدرجة أنه خلال الخمسين يومًا التحية الكنسية التي يوجهها شخص لآخر هي عبارة أخريستوس آنيستي (أي: المسيح قام)، فيرد عليه آليثوس آنيستي (أي بالحقيقة قام)».
على مستوى الصحف فإن جميع الجرائد الحكومية القومية تابعت القداس ونشرت تهنئة الرئيس مبارك بالعيد الذي حضره لفيف من الشخصيات العامة والسياسية مثل سعيد حمزة كبير أمناء القصر الجمهوري والدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب ومندوب رئيس الوزراء، ويوسف أبو طالب محافظ القاهرة، ورؤساء الأحزاب في مصر.
كان من المنتظر رد فعل موسى صبري رئيس تحرير جريدة الأخبار، فهو الصحفي القريب من أنور السادات ولم يحبه رجال الكنيسة وأغلب المسيحيين لكونه من الذين التزموا الحياد إزاء الخلاف مع البابا شنودة ولم تدفعه مسيحيته ليدافع عن البابا وظل هكذا حتى موته في 8 يناير 1992م.
لكنه في الوقت نفسه سمح بنشر مقال مصطفى أمين في عامود فكرة على جريدة الأخبار وثمن ذلك القرار وأبدى سعادة غامرة به.
أما قداس عيد الميلاد فتم عرضه في تمام الساعة الثامنة والنصف مساء يوم 7 يناير 1985م على القناة الثانية واستمر مدة ساعة إلا ربع.
أما كلمة الرئيس مبارك فكانت في رسالة تهنئة وخلت من الإئتيان بأي تلميح أو إشارة لقرار عودة البابا أو التهنئة بها، وإنما احتوت واقتصرت على التهنئة بالعيد فقط لا غير.
الإعلام المسيحي مع أول قداس للبابا شنودة بعد العودة من التحفظ
بقيت تغطية الصحف المسيحية لأول قداس حضره البابا بعد انتهاء التحفظ مجهولاً إلى سنوات قريبة، ومع اتساع وتطور الأرشفة الإلكترونية أمكننا التوصل إلى ملامح تلك التغطية.
ابتداءًا فإن الصحافة المسيحية في طَوْرِها الأول أخذت أشكالاً أدبية تاريخية ودينية، بينما الشكل الكنسي الأرثوذكسي لم يكن ظاهرًا بشكل مباشر، وتمثل جريدة الحق إحدى طلائع الصحافة الكنسية منذ صدور عددها الأول في 28 إبريل 1894م.
وجاءت بعده في أربعينيات القرن العشرين مرحلة حبيب جرجس والذي غير من شكل الثقافة القبطية السائدة عندما أصدر مجلة مدارس الأحد ومجلة الكرمة وكان البابا شنودة من أنجب تلامذته.
تأثر البابا شنودة بأستاذه حبيب جرجس فأسس مجلة الكرازة سنة 1965م وصار رئيسًا لتحريرها وكانت مختصة بأخبار الكنيسة، ومع تواريها بعد قرارات سبتمبر 1981م صارت مجلة مدارس الأحد ظلاً خلفيًا لمجلة الكرازة إلى أن عادت في 25 يونيو 1985م.
لم تدخل مجلة مدارس الأحد في خصومة مع الدولة قبل اغتيال السادات وطوال سنوات وجود البابا شنودة في التحفظ، بل ونشرت صورة السادات مع مبارك وذيل رئيس الأنبا غريغوريوس مقالاً بعنوان بقول السادات الزعيم الذي فقدناه ومبارك الرئيس يواصل المسيرة على دربه.
ويجدر الذكر أن لم يكن الأنبا غريغوريوس على خلاف شخصي مع البابا شنودة فالأخير نعاه وصلى عليه، لكن ضرورة المرحلة كانت تقتضي ذلك ورغم الإبعاد فإن البابا شنودة كان يكتب فيها وهو في التحفظ؛ وغلى غرار مجلة مدارس الأحد سارت مجلة مدارس الأحد لنشء الكنيسة التي كان يتولى تحريرها سليمان نسيب.
ومع عودة البابا شنودة إلى مهامه البابوية ابتهجت الصحف القبطية الكنسية بذلك القرار وعلى رأسها مجلة مدارس الأحد التابعة للكلية الإكليريكية ومجلة مدارس الأحد لنشء الكنيسة المتخصصة للأطفال، واحتوتا على احتفال ومقالات ترحيبية وفرحة وأبيات شعرية وكلمة للبابا شنودة باللغة الأجنبية والعربية.
أما على صعيد الصحف غير الكنسية فإنه في الفترة من 3 وحتى 7 يناير فتحت الصحف القومية وجريدة الأحرار أبوابها لرموز مسيحية فكتب ألبرت برسوم وكمال هنري أبادير مقالاً في جريدة الأخبار وكذلك في جريدة الأهرام، فيما كتب سامي أنسي لوقا مقالاً في جريدة الأحرار، بينما كتب جميل حنا مسيحة مقالاً لجريدة الوفد.
(1) وثائقي، البابا شنودة رحلة مؤسسة ومسيرة بطريرك، جـ2، إنتاج قناة الجزيرة، 2010م.
(2) المرجع السابق
(3) وثائقي، فيلم المزار، إنتاج دير الأنبا بيشوي، 2017م.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال