“تغيير جو” حين تجتمع عوامل النجاح لتفشل 

انتظر الجمهور “تغيير جو” بفارغ الصبر؛ لمشاهدة عمل اشتمل على كل عوامل النجاح، بداية من الإخراج والموسيقى وحتى الأدوار الثانوية. الإعلان التشويقي للمسلسل كان يشي بعمل مميز ومختلف يغلب عليه طابع المغامرة الرومانسية المثيرة؛ لكن ما عرضته الحلقات الأولى أسقط كل توقعات النجاح مع سقوط إيقاع الأحداث.

عمل جمع بين منة شلبي وإياد نصار بصحبة فنانيين كبار مثل ميرفت أمين وشيرين، والمشاركة المميزة لعصام عمر بطل مسلسل “بالطو” وآية أبي حيدر الفلوجر اللبنانية، وبالطبع إخراج مريم أبو عوف فرض على الجمهور سقف عالٍ من التوقعات. للأسف لم ينجح تغيير جو في الوصول لأدنى حد من النجاح؛ حيث اختفى من تعليقات السوشيال ميديا، وحقق نسب مشاهدة متدنية بالنسبة لمعظم أعمال الموسم.

وقع تغيير جو في فخ المقارنة مع “بطلوع الروح” من موسم رمضان 2022، وعلى الرغم من ظلم المقارنة إلا أن الجمهور معه كل الحق في توقع الأفضل من منة شلبي بعد نجاحها المبهر العام الماضي. بعد سيطرتها على الترند الموسم الماضي وخروجها بعمل مثير للجدل، استطاع الجمهور المشاركة فيه والتعاطف معه؛ لم يكن من المتوقع سقوط عملها لرمضان 2023 بتلك الدرجة. 

اقرأ أيضًا 

“تغيير جو” دراما الحياة من داخل المتاهة وأغاني أمير عيد المميزة

“المساكنة وعلاقة حب بين مسلمة ومسيحي” قضايا جدلية غابت عن الترند

رغم رتابة الأحداث والمط الذي جعل المشاهد يفقد الأمل في متابعة المسلسل؛ استطاع تغيير جو عرض قضايا جدلية جريئة، ربما لو وجدت مشاهدين كانت ستصبح حديث الساعة. أحد أهم الشخصيات الثانوية في قصة شريفة (منة شلبي) صديقتها اللبنانية مريم (آية أبي حيدر)، والتي تعرفت عليها في مطار بيروت بشكل عشوائي.

طوال أحداث المسلسل تعيش مريم علاقة متوترة مع صديقها وسام (سعيد سرحان)، تشارك تفاصيلها مع صديقتها الجديدة شريفة. وقد أشار السيناريو بشكل مباشر إلى عدم رغبة مريم في الزواج من وسام موضحة عدم استعدادها لتلك الخطوة؛ رغم الحب الكبير بينهما وسكنهما معًا لفترة طويلة. عرض المُساكنة قبل الزواج أمرًا مستغربًا على الدراما المصرية، والأكثر إثارة للجدل هو انتهاء العلاقة بنهاية سعيدة.

لم تكن المرة الأولى التي يتطرق فيها عمل مصري لعرض قصة مساكنة بين حبيبين بدون زواج، لكن معظمها كانت في سياق الرفض والنهايات سيئة. وبشكل مباشر يقارن السيناريو بين قصة مريم ووسام بقصة الفيلم العربي “الخيط الرفيع” المأخوذ عن رواية إحسان عبد القدوس، والذي ناقش العلاقة بين العشيقَين فاتن حمامة ومحمود ياسين بشكل أكثر عمقًا. 

بشكل عام لا يمكن مقارنة عمل رائع ومتعدد الأبعاد مثل الخيط الرفيع بقصة على الهامش في مسلسل تغيير جو؛ لكن لو بحثنا عن أي وجه شبه لن نجد سوى الخط العريض للفيلم الذي يتحدث عن الفارق بين الحب والتملك. وهو ما أبرزته علاقة مريم بوسام بشكل مباشر للغاية وربما مبالغ فيه.

اقرأ أيضًا 

“تغيير جو” جولة في لبنان التي لا يعرفها أحد

في تغيير جو ليس هناك أكثر من القصص الثانوية التي كانت السبب الرئيسي لتشتيت المشاهد،  وسببًا كبيرًا للملل وبطء سير أحداث قصة شريفة على مدار الحلقات. أحد تلك القصص التي رفضها الجمهور منذ بدايتها واعتبرها ازدحامًا لا طائل منه قصة نادين ابنة خالد (إياد نصار)، المراهقة التي تبدأ اختبار قدرتها على الحب والانجذاب للجنس الآخر بعلاقة مع زميلها في الدراسة جو. 

قدم إياد نصار نموذج متمدن للأب الأعزب، امتزج بقضية هامة وهي زواجه من لارا المسيحية اللبنانية، والتي استسلمت لمرضها بشكل انتحاري بعد دخولها معركة مع أهلها بسبب تلك الزيجة. وفي خضم أزمته مع تربية فتاة مراهقة بمفرده، واجه خالد المشكلة نفسها حين اكتشف ارتباط ابنته بصديقها المسيحي جو. 

بشكل بعيد تمامًا عن الواقع كانت ردة فعل الوالد لينة رغم محاولة افتعال العصبية، حيث قدم الدعم لابنته موافقًا على العلاقة شريطة أن تكون تحت سيطرته. أب مصري يظهر من شخصيته التي رسمتها الأحداث محاولات للتمسك بأصوله وطبيعته المصرية، من غير الطبيعي أن يتعامل مع هذا الموقف بهذا التفهم المبالغ فيه.

في ميثاق الإنسانيات يقدم خالد النموذج المثالي للتعامل مع ابنته وعلاقة حبها التي لا تختلف كثيرًا عن حبه لوالدتها؛ لكن في عرف المجتمعات العربية النموذج سبح بعيدًا عن الواقع، ولو انتبه إليه الجمهور كان سيجد رد فعل من أعنف ما يكون. 

لقطة عنصرية وكليشيهات رومانسية متكررة

دور أيمن الذي قام به عصام عمر يمكن أن نعتبره الحسنة الوحيدة في تغيير جو، شخصية مرسومة بدقة تحمل كل أبعادها الإنسانية التي كشفت عنها تدريجيًا، نجحت في إثارة مشاعر الكره لدى الجمهور ثم انتهت بالتعاطف. لكنها لم تخلو من الأخطاء التي أثارت الاستهجان؛ فقد عرضت الشخصية بشكل فج لمحة عنصرية تجاه المهاجرين السود.

إقرأ أيضا

كيف ودعت مجلة العربي مؤسسها المصري أحمد زكي عاكف لما مات ؟

في أحد مشاهد أيمن مع أنيسة المهاجرة الإفريقية التي أدت دور رائع، أعرب عن ضيقه بوظيفة مسح الحمامات رغم احتياجه لأي عمل لا يحتاج أوراق إقامة. عزة نفس أيمن تجاه العمل الذي عرضته عليه أنيسة اختلطت بالعنصرية، حين ربط الحوار بين المهنة التي اعتبرها متدنية والمهاجرين الإفارقة. اعتبر أيمن المهنة التي احتقرها معتادة بالنسبة للأفارقة على عكس المصريين، بشكل مقحم في السياق وبدون مبرر درامي لقوله على لسان الشخص الذي يتلقى مساعدة غير مشروطة ممن حقَّر منهم.

اقرأ أيضًا

عصام عمر في “تغيير جو”.. حين يتعاطف الجمهور مع الشرير 

وسط زحام من القصص والحكايات انتهت الأحداث الرئيسية للعمل مع شريفة والمتاهة التي تعيش فيها بشكل ضعيف للغاية، تكرر في عشرات المسلسلات التركية والهندية. أخذت القصة سياق البطلة التي تكتشف الحب في الوقت الضائع لتجد حبيبها أغلق الباب في وجهها، ثم تقرر العودة لبلدها وهنا يدرك البطل أن الوقت قد حان ليبدأ سباق مع الزمن ينتهي بلقاء غير متوقع في المطار.

نهاية متكررة بشكل لا يمكن تخيل معه أن يعاد استخدامها بالمللي في 2023، حتى المسلسلات التركية المقتبسة عن الدراما الهندية والكورية سئمت مشاهد لقاء الحبيبين في المطار. كيف توقع صناع العمل نجاح نهاية كليشيه بتلك الدرجة! إن أمكن للمشاهد التغاضي عن المشاهد الرومانسية ثقيلة الظل؛ لا يمكن بحال أن يتقبل نهاية أقل ما يقال عنها أنها متوقعة.

بعيدًا عن السقطات المتعددة لتغيير جو لا يمكن إغفال عدة زوايا ناجحة للعمل، فكل ممثل أدى شخصيته بمستوى مقبول؛ وإن بالغت بعض الشخصيات أحيانًا. ناهيك عن الجولة الرائعة التي عشناها مع شريفة في شوارع لبنان التي لا تعرضها الدراما، والوجه الآخر لقصص الاغتراب بأداء عظيم من عصام عمر.