رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
48   مشاهدة  

تنمية القطاع الزراعي: مسارُُ موازٍ للسياسة النقدية يهدده لذة زائفة.

القطاع الزراعي
  • د. أحمد حسن عبد الهادي ـ دكتور المالية العامة والتشريعات الإقتصادية والضريبية - زميل الجمعية العلمية للتشريع الضريبي



تعني التنمية القطاعية التركيز على تنمية مختلف قطاعات الاقتصاد مثل الزراعة، الصناعة، الخدمات، الطاقة والتكنولوجيا. هذه القطاعات تُعد روافد رئيسية للنمو الاقتصادي، إذ تسهم في خلق فرص العمل، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتحسين الميزان التجاري من خلال تنمية الصادرات.

وتبرز أهمية تنويع الاقتصاد لتفادي الاعتماد المفرط على قطاع واحد، مما يقلل من المخاطر الاقتصادية الناتجة عن تقلبات الأسواق العالمية. التنمية المتوازنة للقطاعات تعزز أيضًا الابتكار وتزيد من قدرة الاقتصاد على التكيف مع التحولات الدولية، مثل التحول نحو الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الأخضر.

التنمية القطاعية والسياسة النقدية لا تعملان في فراغ؛ بل هما مساران متكاملان. فنجاح التنمية القطاعية يحتاج إلى بيئة نقدية مستقرة وآمنة، بينما تحتاج السياسة النقدية إلى قاعدة إنتاجية متينة لتمارس دورها بفعالية دون تهديدات تضخمية أو ضغوط خارجية.

إن أفضل مسار لتحقيق تنمية مستدامة يتمثل في صياغة سياسات اقتصادية متكاملة، تضمن دعم القطاعات المنتجة، وتواكبها بسياسة نقدية مرنة وقادرة على الاستجابة للتغيرات. كما أن تعزيز الشمول المالي، وتحفيز الاستثمارات الخضراء، وتطوير البنية التحتية، تُعد محاور رئيسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.

ولطالما كان القطاع الزراعي حجر الزاوية في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر، فمنذ فجر الحضارة على ضفاف النيل. والتاريخ يشهد بأن الزراعة كانت، ولا تزال، القوة الدافعة الأولى لبناء الاستقرار، سواء في العصور القديمة حين أقام المصريون حضارتهم على أسس الري والزراعة، أو في العصر الحديث عندما مثلت الزراعة القاطرة الأولى للنمو بعد ثورة يوليو 1952، وأسهمت في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوسيع الرقعة السكنية من خلال مشروعات الاستصلاح الكبرى.

واليوم، وفي ظل التحديات الاقتصادية الحالية، تتجه الأنظار مجددًا إلى القطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها الزراعة، كوسيلة فعالة لتعزيز النمو بعيدًا عن الاعتماد الحصري على أدوات السياسة النقدية مثل التحكم في أسعار الفائدة وسعر الصرف. فالقطاع الزراعي قادر على خلق القيمة المضافة، وتوليد فرص العمل، وتحقيق الأمن الغذائي، ما يجعله خيارًا استراتيجيًا في مسار الإصلاح الاقتصادي.

لكن هذا القطاع الحيوي يواجه تهديدًا حقيقيًا يتمثل في التعديات المستمرة على الأراضي الزراعية، خاصة في دلتا النيل وواديه. ووفقًا لأحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تم رصد 24.1 ألف حالة تعدٍّ على الأراضي الزراعية خلال العام الماضي.

ومن المؤسف أن كثيرًا من المتعدين ينظرون إلى هذا السلوك باعتباره مكسبًا سريعًا أو حلاً لأزمة سكنية آنية، في حين أن الحقيقة غير ذلك تمامًا. فـ”لذة التعدي” لذة وقتية، تنبع من نظرة قاصرة لمصلحة فردية آنية، دون وعي بعواقبها بعيدة المدى. فهذه التعديات لا تضره وحده فحسب، بل تضر مجتمعه بأسره، وتحرمه وأبناءه من فرص مستقبلية في الأمن الغذائي والاقتصادي، وتزيد من حدة الضغط على الدولة في توفير الغذاء والبنية التحتية والخدمات.

وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أن مشروعات استصلاح الأراضي الجديدة — مثل توشكي والدلتا الجديدة ومستقبل مصر ومشروع تنمية شمال ووسط سيناء ومشروع تنمية الريف المصري الجديد ومشروع شرق العوينات —تلقى بالعبء على كاهل الدولة إذ أن تكلفة استصلاح فدان واحد تصل لأكثر من خمسمائة الف جنية، كما أنه غالباً ما تحتاج الأراضي المستصلحة حديثاً لفترة تتراوح ما بين ثلاث الى خمس سنوات لتحقيق انتاجية مستقرة، كل ذلك وأكثر يؤكد لنا أن سياسة استصلاح الأراضي ليست بديلًا عن أراضي وادي النيل ودلتاه، بل هي امتداد طبيعي واستراتيجي للرقعة الزراعية. إذ إن الحفاظ على أراضي الوادي والدلتا واجب لا يقل أهمية عن استصلاح أراضٍ جديدة. فالأرض الزراعية القديمة تتميز بخصوبتها العالية وبنيتها التحتية المستقرة، ما يجعل فقدانها خسارة يصعب تعويضها مهما توسعنا في الاستصلاح.

فالاستصلاح الزراعي سياسة طموحة وضرورية لتحقيق الأمن الغذائي والتوسع الأفقي، لكنه لا يعني التفريط في تراث آلاف السنين من الزراعة في قلب مصر التاريخي. والتنمية الحقيقية تكون بالتكامل بين الحفاظ على القديم وتطوير الجديد، وليس بإهمال أحدهما لحساب الآخر.

فالمشروعات وان كانت طريقاً للتنمية إلا أن السياسات لابد وأن تكون هي البيئة الحاضنة لتلك المشروعات تنمو وتزدهر في أحضانها فالأمل معقود بسياساتِ في هذا القطاع تكون على قدر من مكانة وأهمية هذا القطاع فنحتاج الى سياسات تتبني القطاع بكل أبعاده سوء كان بُعداً اقتصادياً، اجتماعياً، بيئياً، تكنولوجياً، تشريعيا وتنظيميا، مع تفعيل لتلك السياسات حتى لا تكون تلك المشروعات مجرد اسماء، وكيانات لم تكتمل، وزهور بلا رائحة.

إن الاعتماد على السياسة النقدية فقط — مهما كانت أدواتها محكمة — لا يمكنه معالجة المشكلات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد، في حين يمكن للقطاع الزراعي أن يلعب دورًا موازيًا ومحوريًا في النمو. فكل فدان مستصلح يمكن أن يوفر فرصة عمل مباشرة أو غير مباشرة، ويساهم في دعم الاقتصاد الريفي، وتقليل نسب الفقر والبطالة.

إقرأ أيضا
القطاع الزراعي

ولتفعيل هذا الدور التاريخي والاقتصادي، لا بد من العمل على ثلاثة محاور متكاملة: أولًا، التصدي الفوري والحاسم للتعديات من خلال تشريعات فعالة وآليات رقابة ذكية. ثانيًا، دعم الفلاحين والمستثمرين الزراعيين عبر تسهيلات تمويلية وتوفير مستلزمات إنتاج بأسعار عادلة. ثالثًا، تطوير الزراعة باستخدام التكنولوجيا الحديثة والزراعة الذكية لرفع كفاءة الإنتاج وتوفير المياه.

لقد أثبتت مصر عبر العصور أن الزراعة ليست فقط وسيلة للإنتاج، بل هي أساس لبناء حضارة واقتصاد مستدام. واليوم، ونحن نواجه تحديات اقتصادية معقدة، فإن استعادة هذا الإرث الزراعي وتفعيله يعد طريقًا موازيًا للسياسة النقدية، وركيزة لا غنى عنها لتحقيق التنمية الشاملة.

 

 

الكاتب

  • القطاع الزراعي د. أحمد حسن عبد الهادي

    د. أحمد حسن عبد الهادي ـ دكتور المالية العامة والتشريعات الإقتصادية والضريبية - زميل الجمعية العلمية للتشريع الضريبي






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان