رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
313   مشاهدة  

ثعبان أقرع وتنين وقبر يتكلم.. من أين جاء هذا المعتقد؟

عذاب القبر
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



كان على يقين أن الطريق متعبة وعليه أن يختار كرسي مريح، لذا لم يتذمر حين طلب منه السائق أن يدفع ضعف الأجرة مقابل أن يجلس إلى جوراه.

تمطع وأحس بالسعادة من صوت سعد عبدالوهاب الخارج من الراديو “الدنيا ريشة في هوا.. طايرة بغير جناحين”.

YouTube player

النجار يحب الفن كما أنه يحب الحياة وظن أنها ستكون رحلة ممتعة غير أن السائق صاح: “واحد لوحده”.

وركب واحد لوحده، ورزع السائق الباب، وقفز إلى جوار الأسطي أحمد المنسجم تمامًا “احنا النهار دا سوا وبكرة هنكون فين؟ فين؟”..

ونادي الواحد لوحده بالجميع: “يا جماعة اتقوا الله”..

والتفت له الجميع إلا النجار الذي كان يعيش مع الأغنية: “يا إللي بتسأل عن الحياة.. خدها كدا زي ما هي”.

وقال الواحد لوحده: “خد يا أسطي شغل الشريط دا عشان ربنا يكرمك”.

وود النجار أن يعترض غير أنه خاف بطش الجميع.

“الموت، أذكروا من ذكر هادم اللذات الموت”..

هكذا بدأ الشيخ كشك خطبته بينما ظل السائق يختلس النظر نحو الفتاة الجالسة بالكنبة الأخيرة عبر المرآة وهو يعض على شفته هامسا: “أموت أنا”.

وقال الشيخ: “حين يموت العبد الصالح يقول له القبر… مرحبًا بك وأهلاً لقد كنت خير من يمشي على الأرض، أما وقد وليت أمرك فسوف تري صنيعي بك وكرمي لك، وإذ بمخلوق جميل الخلقة كأن الشمس تجري في وجهه يقول للميت أتدري من أنا يا عبد الله؟ أنا عملك الصالح! فيتسع قبره عليه مد البصر وتفتح له طاقة تتحول إلى برزخ يري فيها المتوفي مقعده في الجنة فيقول ربي اقم الساعة، ربي اقم الساعة لأعود إلى أهلي مسرورا”…

ومال السائق على الأسطي أحمد: “هو القبر بيتكلم إزاي لا مؤاخذة؟”

ورد النجار: “مش عارف..”!

وتعجب السائق: “طب القبر لو بيتكلم فين بوءه؟ فين لسانه؟مش فاهمها دي؟”..

قبور المشاهير
قبور المشاهير

وادرك النجار أن الشيخ المشاغب قد افسد عليه الرحلة..

وتابع الشيخ “كانت هناك بنت يهودية آمنت بالنبي – ما تسمعونا صلاة النبي يا أخوانا- كانت في سن العشرين وقد أسلمت رغمًا عن والديها، فلما ماتت جاءا والديها إلى النبي محمد – ما تزيدوا النبي صلاة يا أخوانا- وقالا: يا رسول الله نريد أن تعلمنا أين ابنتنا؟ أفي الجنة أم في النار؟ فنادي عليها: يا فلانة. فردت الفتاة عليه من داخل القبر: لبيك يا رسول الله. فسألها: أفي الجنة أنتِ أم في النار؟ قالت: أنا في جنات ومقعد صدق عند مليك مقتدر. فقال لها: أجيبي أباكِ. فقالت: واللهِ لا أجيبه. فقال: لماذا؟ قالت: لأنني وجدت ربي خيرًا من أبي”.

وأحب السائق الشيخ وانسجم معه، وقال بنبرة من يحاول إقناع نفسه: “إذا كان القبر بيتكلم يبقي الميت مش هيتكلم”.

وقال أيضًا: “الشيوخ عارفة كل حاجة.. بس الشيخ دا دمه خفيف”.

وكان النجار متأكدًا أن خفة دم الشيخ سبب في اقبال الناس عليه، وتذكر له آفيهات لا تُحصر عن نجوم الفن، حتى الحكام لم يسلموا من لسانه، ولا الأدباء أيضًا. غير أن خفة الدم هذه كانت ثقيلة على أحمد النجار.

كان الشيخ يكره الفن ويقبح من الدنيا، وكان النجار يحب الفن كما أنه يحب الدنيا.

وكان السائق منشغل بين متابعة الطريق والتلصص على الفتاة، وكانت الفتاة نائمة. وكان الشيخ يقول: “إما إذا كان المتوفي فاجر. فيقول القبر له: لا أهلاً بك ولا مرحبًا، لقد كنتَ شر من يمشي على الأرض، وأما إذا وليت أمرك فسوف تري ما سأصنعه بك. فيخرج عليه مخلوق قبيح، تخرج من عينيه نار ومن دبره نار، وهو يقول له: أنا عملك السيئ الذي عملته في الدنيا. ويضيق عليه القبر حتي تتكسر ضلوعه، وتُفتح له طاقة إلى نار جهنم يري فيها السعير والعذاب والزقوم، ثم يخرج له تنين، والتنين قوته 99 ثعبانًا، فينادي الفاجر قائلاً: اللهم لا تقم الساعة، اللهم لا تقم الساعة!”

وشحب وجه السائق وراح يسأل النجار: “وإيه التنين دا؟”..

وأحس الأسطي أحمد بالشفقة عليه: “دا مخلوق أسطوري، شبه، شبه”.

وأخذ يفكر في كلمة مناسبة فلم يجد. وتساءل السائق: “هو تعبان أقرع اللي هيطلع لنا في القبر ولا تنيم؟ عشان نبقي فاهمين بس..  كان فيه شيخ بيقول إن فيه تعبان أقرع في قبر اللي مش بيصلي.. عارف هو لو كان قال تعبان بشعر أنا كنت خفت أكتر”.

إقرأ أيضا
فرقة غنائية

وضحك النجار “إشمعنا؟”…

ورد السائق بتلقائية: “عشان كل التعابين قُرع.. فـ عادي يعني لو طلع لي تعبان أقرع لكن بشعر حاجة تانية”..

وقال النجار: “عامة ما تقلقش لا تعبان أقرع ولا بشعر ولا تنين.. ولا فيه حاجة من الكلام دا أصلا”..

واندهش السائق كما يليق بحائر: “يعني إيه؟ هو مش ربنا قال كدا؟”…

وأوضح النجار: “كلام ربنا موجود فين؟”..

ورد السائق ببلاهة “فين؟”

فبادره الأسطي أحمد “في القرآن… والقرآن لا فيه تعبان أقرع ولا تنين ولا قبر بيتكلم ولا حاجة من دي أبدًا.. ولا فيه آية واحدة عن عذاب قبر أساساً”..

وانذهل السائق: “أومال الشيخ جايب الكلام دا منين؟”

وكان النجار قد وصل محطته، ففتح باب السيارة وهو يقول: “ابقي أسأل الواحد لواحده”..

الكاتب

  • ثعبان أقرع عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
1
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان