ثلاثية : الشغف الابهار و الفخر .. (1)
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
(1)
ينهرني أخي الذي الذي يكبرني بعشرة أعوام، لأني تسببت في سخرية لاذعة نالها من أصدقائه بعد محاولة ساذجة مني تقليد إحماء لاعبي كرة القدم وأنا طفل لم يتجاوز الثامنة بعد، ينتهى الموقف بفرمان فوري غاضب منه بالعودة إلى المنزل وحرماني من مشاهدته أثناء لعب مباراة في إحدى الساحات الشعبية.
يعود أخي منهكًا من المباراة، أحاول تجنبه قدر الإمكان كإعلان عن غضبي مما فعله، يقرر تطيب خاطري بتعليمي كيف أسدد ركلات الجزاء في صالة منزلنا التي كانت ساحتنا الشعبية المفضلة التي تسعنا ونحن صغارًا.
حفرت تلك اللقطة في ذهني، صرت شغوفًا بكرة القدم وبكل الرياضيات بشكل عام، لا يفوتني أي حدث رياضي حتى لو انعدمت أهميته مثل حفل افتتاح دورة ألعاب الشركات، صرت أخزن في عقلي معلومات عن كافة الرياضات، أخي الذي نهرني في السابق أمام أصدقائه أصبح الآن يتباهي بي بينهم، أنا الطفل الصغير الذي يفهم قوانين كرة القدم كاملة، أجيد لعب كرة السلة وكرة اليد، أعرف “سيرجي بوبكا” وأحفظ أسماء حاملي الأرقام القياسية العالمية في ألعاب القوى، اتسمر أمام التليفزيون اشاهد أولمبياد سيول 88 كاملة،في أحدى المرات حاول صديق أخي اختباري عن حامل ذهبية سباق الـ 100 متر في الأولمبياد، ليجدني احكي له قصة سحبها من الكندي “بن جونسون” ومنحها لـ “كارل لويس”، يسألني عن بطلي الرياضي المفضل، لم أجد ردًا مناسبًا لأني ببساطة لم أجد بطلي الرياضي بعد.
(2)
تنشغل عائلتي بحفل زفاف أحد الجيران، أطلب من أمي تركي وحدي بالمنزل لمشاهدة المباراة الافتتاحية في كأس العالم 90، ترفض بشكل قاطع أنها غير مستعدة للعودة إلى المنزل على وقع كارثة معتادة مني، يتبرع أحد أفراد الجيل الأكبر من اخواتي بالجلوس معى، اشكره على تلك اللفتة، ليجيب “أنت اللي نجدتني من الفرح” كان انطوائيًا بعض الشئ ويكره التجمعات التي تتغلب فيها كفة المجاملات على العلاقات الإنسانية، ثم أنه سيجد براحًا لممارسة بعض من السلطة الأخوية المسلوبة منه، لكن الاهم ان المشاهدة بين اثنين أفضل من الضجيج المحتمل من بقية الأخوة.
كأس العالم 90 كان حدثًا استثنائيًا حيث يتواجد المنتخب المصري بعد غياب 56 عامًا، لذا كان الشارع الكروي يسيطر عليه أجواء لم اراها من قبل، أغلب الجيل الذي حضر مشاركة مصر الأولى في عام 1934 أما رحل أو على الأقل لم يشاهد منتخبنا يقارع الكبار، لذا كانت تلك أول مرة نشاهد منتخبنا القومي مثلما كان يطلق عليه حينها في أهم حدث كروي عالمي، اتسائل عن حظوظنا في البطولة، يرد اخي “أنت متوقع ايه من مدرب دفاعي زي الجوهري .. هنشيل كتير طبعًا” كان الرد منطقيًا في ظل أننا وقعنا في مجموعة ضمت هولندا بطل أوروبا ومعها إنجلترا إحدى القوى العظمى وإيرلندا التي حتمًا أقوى مننا.
إذن دعنا من حظوظ منتخبنا “خلينا في مباراة الافتتاح .. هتشجع مين”، أخي هذا كان منظمًا في حياته بشكل يبعث على الملل، يتبع روتينًا لا يتغير ابدًا، لذا لم استعجب كونه مشجعًا لفريق مثل ألمانيا الغربية تلك الفرقة المنظمة كرويًا مع حجته الأثيرة بأن ألمانيا لا تغيب عن الحضور بين الثلاثة الاوائل في أي بطولة كبرى، وبما أن ألمانيا ليست طرفًا في حفل الافتتاح نقل تشجيعه إلى منتخب الكاميرون كنوع من مناصرة ابناء قارتنا المظلومة وأن الوقوف بجانب الضعيف أكثر فروسية من مناصرة القوي، إذن دعنا نتنافس أنت مع فريق روجيه ميلا وأنا بجانب الأسطورة “مارادونا” في انتظار حفلة كروية لن تقل عن ثلاثة أهداف.
تسير المباراة في فلك التعادل حتى اللحظة التي قرر فيها “فرانسوا أومام بيك” الارتقاء فوق الجميع برأس تكاد تلامس السماء، ليضع رأسية في مرمى المخضرم “بومبيدو” الذي ارتمى على الكرة كحارس مبتدئ يخوض مباراته الدولية الأولى، ينفجر أخي مذهولا من الارتقاء و من الهدف الذي اتى عكس سير اللقاء، تلاحقني خيبة أمل وأنا أتلقى ثاني صدمة كبرى في حياتي بعد صدمة ماتش الزمالك الشهير في كوماسي والذي لحسن حظي لم يكن مذاعًا تليفزيونيًا.
(3)
تلقى الجميع صدمة هزيمة حامل اللقب أمام فريق مغمور كرويًا، كان لقاء الأرجنتين الثاني مع الأتحاد السوفيتي قبل التفكك، تشير النتيجة إلى التعادل السلبي الذي قد يقضي على حظوظ الأرجنتين، يخرج مارادونا كرة بيده من حلق المرمى رغم أن الحكم السويدي كان على بعد خمس أمتار منه فقط، لكن يبدو أن مارادونا يحمل يدًا خفيه يراها الجمهور ولا يراها الحكام تعرف بيد الرب.
أنقذ مارادونا بلاده من شبح الخروج المبكر في مباراة انتهت بفوز الأرجنتين بثنائية نظيفة أحرزت بعد يد الرب الذي منعت هدف الروس.
لم يمنحني القدر فرصة مشاهدة يد الرب الأولى وهي تطيح بالإنجليز، لكنه منحني الفرصة في الثانية، سألت أخي لماذا احتال مارادونا على القانون وأخرج الكرة بيده رغم أنه لاعبًا عظيمًا المفترض أن يكون قدوة للأخرين، رد أخي مارادونا ليس شخصًا مثاليًا كما تعتقد أنت، أنت رومانسي في عشق النجوم لكن للنجوم رومانسية أخرى في عشق بلادهم بجنون، وفي سبيل ذلك يمكنه فعل أي شئ غير مشروع.
انتبهت إلي أن النجومية بالضرورة قد لا تقترن بالمثالية، وأنا على كل حال لا أجد في مارادونا بطلي المفضل رغم أن جيلي كان يرى نفسه في مارادونا حتى لو لم يعرف كيف “ينطط الكرة على قدميه خمس مرات متتالية دون أن تقع منه على الأرض”.
(4)
كما هو متوقع خرجت مصر من الدور الأول بعد أداء ملحمي أمام هولندا، نقلت تشجيعي إلى البلد المنظم “إيطاليا” وتشاء القرعة أن تصطدم بالأرجنتين في نصف النهائي، يتألق الحارس البديل “جويكوتشيا” وتصعد الأرجنتين إلى النهائي ليقابل ألمانيا الغربية فريق أخي المفضل.
كان أخي يرى فيهم السرعة والقوة وأنا أرى فيهم فانلة ذات تصميمات رائعة فقط، فريق يركض كالخيول بشكل اّلي يفضل القوة البدنية على المهارة.
تمر الكرة في غفلة إلي “رودي فولر” الذي يشبه Herwig Rüdisser المغني الشهير لفريق “Opus” يتعثر المدافع “روبرتو سينسيني” ليقع “فولر” ويطلق الحكم الميكسيكي العصبي صفارته معلنًا ضربة جزاء لألمانيا.
صببت اللعنات على الحكم المتحامل الذي طرد لاعبًا من الأرجنتين في بداية اللقاء ثم نال “سينسيني” نصيبه من اللعنات لأن الهجمة لم تكن بالخطورة التي تجعله يتهور ولو ترك الكرة لخرجت من تلقاء نفسها.
يفشل جويكوتشيا في صد ضربة “اندرياس بريمه” وتكتمل الصدمة بتتويج ألمانيا وسط دموع الاسطورة مارادونا، تلك الدموع التي احالتني إلى كرة يد الرب الثانية، هل نال مارادونا عقابه الأن وتلك الدموع في سبيلها إلي تطهيره الأن، أم مارادونا شخص يقتله الشغف بكرة القدم، لأجدني أدندن “Live Is Life” وأنا أتذكر مارادونا قبل هذا النهائي بعام وهو يروض الكرة كما يشاء أثناء الإحماء الاشهر في التاريخ في برلين معقل كبير الألمان.
ألبوم ذكريات نهائي المونديال .. يوم أحببت باجيو وكرهت الديوك
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال