همتك نعدل الكفة
60   مشاهدة  

جرائم الشرف هل لها سند شرعي؟

جرائم الشرف
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



تحت مسمى “جرائم الشرف” وغيرها تنتشر جرائم العنف الأسري وتتعدد أشكالها وصيغها وحتى مسوغاتها، وعادة ما تكون النساء هي الضحية لهذا النوع من الجرائم ثم يليهم الأطفال؛ طبقًا لسلم القوة البدنية والسلطة المجتمعية المتوقع.

وفي المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة يقدم مرتكبي هذا النوع من الجرائم أو الاعتداءات دفوع دينية بدعوى إنها رخصة شرعية تمنحهم الحق في ممارسة العنف تجاه النساء؛ مثل أول أربع كلمات من الآية 34 النساء ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾. ومن هذا المنطلق تقع جرائم عنف تصل إلى حد القتل، وتعرف إعلاميًا باسم “جرائم الشرف”، تكون الضحية فيها دائمًا أمرأة “زوجة” والقاتل رجل “زوجها”.

فهل شرع الله حقًا للرجال قتل زوجاتهم في حالات معينة؟

جريمة الشرف

للتعرف بشكل دقيق على ماهية ما يسمى بجريمة الشرف يجب العودة لمؤسسات مدنية وكذا مراجعة قوانيين الجنايات، ثم الإطلاع على تقارير رسمية لمؤسسات تعمل على رصد هذا النوع من الجرائم، حتى يمكن تقدير حجم الأزمة.

حسب الموقع الرسمي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا – ESCWA) فتعريف جريمة الشرف: «أعمال العنف، عادة القتل، التي يرتكبها أفراد الأسرة من الذكور ضد أفراد الأسرة من الإناث، باعتبارهن قد جلبت العار إلى الأسرة (هيومن رايتس ووتش، 2001). قد تكون المرأة مستهدفة من قبل أفراد عائلتها لمجموعة متنوعة من الأسباب، عندما تخطو خارج دورها الاجتماعي المقرر لها، بما في ذلك رفض الدخول في زواج مُرتب، كونها ضحية لاعتداء جنسي، سعيها للحصول على الطلاق – ولو كان من زوج عنيف – كونها ارتكبت الزنا أو حتى عند الشك بسلوك شائن. وبذلك، فان مجرد التصور أن المرأة قد تصرفت بطريقة “تخزي” أسرتها يكفي للتعرض لحياتها (لجنة وضع المرأة، 2004). إلا أنه حاليا يستخدم مصطلح “الجرائم التي ترتكب باسم الشرف” للدلالة على أعمال العنف هذه».

جرائم الشرف
وقفة ضد جرائم الشرف

التكييف القانوني

في فبراير 2023 نشر موقع “مرايانا” مقال من جزئين للكاتب المغربي علي بنهرار بعنوان “جرائم قتل النساء في بعض القوانين العربية“؛ رصد خلالها الكاتب الوضع القانوني لما يعرف بـ”جريمة الشرف” في بعض دول المنطقة.

الأردن:

«المحكمة لا تأخذ تلقائيا بذريعة (العار)، وتتعامل مع الجريمة كجريمة قتل واقعة على إنسان وأزهقت روحه، المشكل أنّ المحكمة قد تلجأ إلى تخفيض العقوبة في حالة إسقاط الحق الشخصي من طرف العائلة، طبقًا للمادة 98 و99، من قانون العقوبات».

وطبقا لهذا النص يصبح مستوى الحكم مرهون بموقف الأسرة.

الكويت:

«تنص المادة 153 من قانون الجزاء الكويتي لعام 1960م على أنه: (إذا فاجأ الرجل زوجته في حال تلبّس بالزنا أو أبنته أو أمه أو أخته وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معًا، فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أعوام وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف روبية (تعادل 45 دولارًا)، أو بإحدى العقوبتين».

وهنا تتمدد صلاحية القتل خارج حدود العلاقة الزوجية لتشمل باقي نساء العائلة.

اليمن:

الوضع في اليمن لا يقل عن مثيله في الكويت بل يزيد؛ لإن «المادة 232 من قانون الجرائم تقول: (إذا قتل الزوج زوجته هي ومن يزني بها حال تلبسهما بالزنا، أو اعتدى عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو عاهة، فلا قصاص في ذلك، وإنما يعزر الزوج بالحبس مدة لا تزيد على سنه أو بالغرامة، ويسري ذات الحكم على من فاجأ إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته متلبسة بجريمة الزنا».

كلمات مثل “أصوله” و”فروعه” تمدد الحق في القتل أكثر وأكثر، ليخرج خارج حدود الأسرة إلى نطاق العائلة الممتدة.

مصر:

أما في مصر فتعود هذه الحدود مرة ثانية للدائرة الزوجية فقط فحسب قانون العقوبات المصري بالتحديد «المادة 237، والمتعلقة بجرائم قتل النساء، يتحوّل الملف من جناية إلى جنحة. بناء عليه، تتحول عقوبة الجاني أيضًا، وبدل أن يحاكم القاتل بالأشغال الشّاقة المؤبدة أو المؤقتة، يتم تخفيف عقوبته السجنية لتصل للسجن لمدة سنة إلى ثلاث سنوات».

والقائمة تطول بما لا تكفي له المساحة هنا، إذ تكفي هذه النماذج القانونية لمقارنتها بما ورد في الإسلام.

الموقف الشرعي

كما سلف فإن كثير من الناس تربط بين هذا النوع من الجرائم وبين الدين، ويرون أن القتل وإزهاق الأرواح باسم الشرف والدفاع عنه هو أمر شرعي، فهل هذه الرؤية الشعبية المنتشرة سليمة شرعًا؟

الإفتاء المصرية:

في ديسمبر 2016 نشر الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية فتوى رقم 3258 ردًا على سؤال يقول: “ما حكم ما يُعرَف بالقتل من أجل الشرف؟”

فورد في نص الفتوى، التي جاءت في أكثر من خمسمائة كلمة: «حرم الإسلام قتل النفس الإنسانية بغير حق، وجعله من أعظم الجرائم وأكبر الكبائر، قال الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ (93 – النساء).

وقال في سورة المائدة: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾.

هذه الأصول اليقينية تعني أنه لو ثبتت جريمة الزنا على -ذكرًا أو أنثى- فلا يُحَد بالقتل باتفاق الفقهاء، وكل من يعتدي عليه بقتله، فقد وقع في جريمة إزهاق النفس بغير وجه حق، ولم يقِم حدًا ولا شرعًا.

ما يسمى بـ “جرائم الشرف” واحدة من أبشع الجرائم، والأصل في بلاد المسلمين أن يتولى القضاة النظر في مثل هذه القضايا، كي يستتب الأمن، وتستقر المجتمعات.

إن قيام الشخص بقتل قريبته بدعوى حماية الشرف وصيانة العرض، فعل محرم شرعًا، وجريمة يجب أن يحاسب القاتل عليها، وأن لا تكون القرابة أو الشك عذرًا مخففا له؛ لأن الأحكام لا تثبت بالشك، ولأن القضاء هو من يتولى إصدار الأحكام ويتابع تنفيذها لا الأفراد».

يخلص الرأي الوارد في هذه الفتوى أن لا يوجد غطاء شرعي لأي رجل أن يقتل أي أمرأة مهما كانت درجة القرابة بينهما بدعوى الدفاع عن الشرف، وإنه بذلك يكون قاتل بغير حق ويحق عليه حكم القاتل.

إقرأ أيضا
السيسي - أردوغان

اقرأ أيضا: الوصاية الأبوية… بين تأكيد الأحاديث ونفي القرآن

الإفتاء الكويتي:

أما الموقع الرسمي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت فنشر فتوى “إدارة الإفتاء” التابعة للوزارة بخصوص جرائم الشرف، فكانت عبارة عن مقال طويل تجاوز الألف كلمة، جاء فيه رصد لآراء المذاهب الأربعة بتنوع آرائهم والمبنية على حجج مختلفة، لينتهي الفقيه بعد ذلك إلى خلاصة تقول نصًا:

«لا خلاف بين المذاهب الأربعة في أنّ القاتل في الأحوال المسؤول عنها إذا لم يُقِم بيّنة بزني المقتول من زوجته أو بعض محارمه، ومن يفعل بهنّ الفاحشة، ولم يعترف أولياء المقتول: فإنّ عليه القصاص قضاءً، وإن كان لا شيء عليه إذا صَدَق في قوله فيما بينه وبين الله تعالى (ديانةً) في قول الجمهور.

فإن أقام البيّنة: فلا شيء عليه قضاءً إذا كان المقتولُ محصنًا، وكذا إذا كان غيرَ محصنٍ في قول الجمهور؛ خلافًا للشّافعيّة وبعض المالكيّة».

رأي ابن تيمية:

يتفق ابن تيمية مع ما خلص له المُشرِع الكويتي، إذ يقول في “الفتاوى الكبرى“: «من رأى رجلًا يفجر بأهله جاز له قتلُهما فيما بينه وبين الله تعالى، وسواء كان الفاجرُ محصنًا أو غيرَ محصنٍ، معروفًا بذلك أم لا؛ كما دلّ عليه كلامُ الأصحاب وفتاوى الصحابة، وليس هذا من باب دفع الصائل كما ظنّه بعضهم، بل هو من عقوبة المعتدين المؤذين».

هكذا يصبح الأمر خلافي بين جمهور الفقهاء، مثل كثير من المسائل الفقهية، البعض يرى بشرعية القتل والبعض يرى عدم شرعيته ووجوب القصاص من القاتل.

جرائم الشرف
كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية

ختامًا

عادة ما تتفاوت الآراء والأحكام بين جمهور الفقهاء، لكن عادة ما يدور هذا حين يغيب النص القرآني قطعي الدلالة، المنوط به حسم أي أمر، لكن في هذه الحالة وبخلاف ما ورد في متن فتوى دار الإفتاء المصرية من آيات قطعية الدلالة تنهى عن القتل وتحرمه وتصنفه في ذاته من الكبائر. فهناك حكم قرآني حال إثبات جريمة الزنا على الزوجة، قال تعالى في الآية 15 من سورة النساء ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا.

ما يدعم موقف الفتوى الصادرة من دار الإفتاء المصرية.. ويؤكد بعدم وجود غطاء شرعي لمثل هكذا جرائم.

الكاتب

  • جرائم الشرف رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان