ذكريات ٣٠ يونيو .. عن أي ديمقراطية تتحدثون
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
منذ عام 2013م صار حلول يوم ٣٠ يونيو يعني انطلاق معارك كلامية على السوشيال ميديا بين المصريين وبعضهم البعض، والجميع -تقريبا- يتعامل مع 25يناير 2011م بوصفها أول أمبارح، فدعونا مبدئيًا نتفق أن الكوكب لم يتوقف لحظة عن الدوران والزمن يمر بنفس الوتيرة المعتادة.. بالتالي فقد مر حوالي 10 سنوات على الموجة الأولى من الثورة في يناير 2011م و7 سنوات على الموجة الثانية منها في ٣٠ يونيو 2013م، ما يعني أن الجيل الذي يبدء شبابه -رسميًا- الآن هو جيل “مايوعاش على مبارك”.. وهو في حد ذاته انتصار عظيم.. لكنه يعني أننا صرنا جيل “الكبار” الذي يحكي للشباب الصاعد عن أمس لم يروه بأعينهم، ولهذا الجيل أوجه حديثي، (واللي عايز يستعيد ذكرياته يتفضل يقرا قشطة يعني).
خلفية تاريخية:
جماعة الإخوان المسلمين يا أصدقائي الصغار تم تأسيسها عام 1928م، على يد حسن البنا الذي طمح من خلال هذه الجماعة أن يعيد إحياء الخلافة الإسلامية التي انهارت في أسطنبول عام 1924م على يد الجنرال التركي مصطفى كمال الدين تاتورك مؤسس دولة تركيا الحديثة. هذا على مستوى الهدف الرئيسي للجماعة.
أما على مستوى التكتيكات والخطوات المرحلية، فالجماعة عادة ما تكون موالية للسلطة (أي سلطة) في مواجهة المعارضة المدنية، تتصادم مع النظام الحاكم فقط في حال (الصراع على السلطة) ولا يكون بينها وبينه أي خلاف سياسي إلا إذا كانت هذه السياسات تستهدف منح المواطنيين المزيد من الحريات الشخصية.
عام 1936م مات الملك فؤاد الأول، فعاد من لندن ابنه فاروق (17 عام) ليجلس على عرش المملكة المصرية، ويحمل عوضًا عنه لقب “ملك مصر وسيد النوبة وكردفان ودارفور“، أصدر البنا تعليماته لأعضاء الجماعة بالخروج لاستقبال الملك الجديد والاحتفاء به، كما جاء في عدة مراجع منها كتاب فاروق وسقوط الملكية في مصر، كما شاركوا بكثافة في احتفالات جلوسه على العرش عام 1937م، وبعدها بعشر سنوات وحين خرجت المظاهرات ضد حكومة إسماعيل صدقي المدعومة من الملك والإنجليز، حركت الجماعة أعضائها في مظاهرات مضادة تهتف “الله مع الملك” وتحمل لافتات وتوزع منشورات تتضمن الجملة القرآنية (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ). ويمكنكم معرفة الكثير عن أحداث تلك الحقبة بالرجوع للعديد من الكتابات التي تناولت تلك المرحلة الهامة من تاريخ مصر الحديث مثل تطور الحركة الوطنية في مصر.
قفزة نحو الماضي القريب
انتهج الإخوان نفس النهج مع تنظيم الضباط الأحرار حتى تصادموا مع عبد الناصر عام 1954م، ولم يكن الخلاف حول أمور سياسية إنما حول مدى صلاحيات الجماعة ومشاركتها في اتخاذ القرار، عادوا للظهور في منتصف السبعينيات عبر صفقة مع السادات ف إطار توجه عالمي لمواجهة المد الشيوعي في الشرق الأوسط عن طريق دعم التيارات الدينية.
حتى في عهد مبارك كانت الجماعة تخوض الانتخابات بالتنسيق مع السلطة متمثلة في الحزب الوطني ولها “تفاهمات” مع (الأمن)، كما ورد على لسان د. محمد مرسي، مسؤول لجنة الانتخابات بالجماعة عام 2010م خلال حواره لجريدة المصري اليوم. ومع انطلاق الدعوات للتظاهر يوم 25 يناير 2011 أعلنت الجماعة عبر د. عصام العريان، المتحدث الإعلامي باسم الجماعة في ذلك الوقت، عدم مشاركتها في التظاهرات، لكن العديد من “شباب الجماعة” رفضوا قرار قيادتهم ونزلوا مثلنا إلى الشوارع.
الثورة
شهدت الموجة الأولى من الثورة الكثير من الاشتباكات بين المتظاهرين والأمن جاء أقواها يوم 28 يناير والمعروف باسم جمعة الغضب، التي انتهت بانتصار كاسح لنا وتمكنا من الاعتصام في قلب ميدان التحرير، وحينها أعلنت الجماعة انضمامها لنا.
تبقى موقعة الجمل هي أشهر وأعجب معارك الثورة، حين هاجم الاعتصام جحافل من البلطجية يحملون صور مبارك والسلاح الأبيض والعديد منهم يركبون الجمال والخيول في مشهد أقرب للعصور الوسطى، دارت معركة طاحنة استمرت لساعات طويلة لكنها انتهت بانتصار المعتصمين واستمرار الاعتصام، خلال هذه المعركة صدرت الأوامر من قيادة الجماعة لكوادرها بالانسحاب من الميدان لكن للمرة الثانية خالف العديد من شباب الجماعة أوامر القيادة واستمروا في الميدان واستبسلوا مع المعتصمين في الدفاع عن جسم الاعتصام، وهو ما تبلور تدريجيًا إلى انشقاق داخل الجماعة بقيادة عدد من هؤلاء الشباب منهم (أحمد عبد الجواد، إسلام لطفي، محمد القصاص)، والذين اطلقوا وقتها صفحة على موقع فيسبوك تحمل اسم لا تجادل ولا تناقش.. أنت إخوانجي.
استمر الاعتصام واُجبر مبارك على التنحي، ليتولى السلطة من بعده المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي أعلن تجميد العمل بالدستور وحل مجلسي الشعب والشورى. احتفى الإخوان بالسلطة الجديدة وهتفوا باسمها في قلب الميدان، كدأبهم في الاحتفاء بأي سلطة وتحالفوا معهم في أول المعارك السياسية بعد مبارك، وهي الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
غزوة الصناديق
كانت مطالبنا وضع دستور جديد على اساسه تتم عملية إعادة بناء الأجهزة التشريعية والحياة السياسية ككل، وهو التصرف المنطقي فالدستور هو الذي يُعرف ويحدد أدوار أجهزة الدولة وينظم عملية بنائها ويضع قواعد كل شئ، إلا أن الإخوان أرادوا قلب الآية وإجراء الانتخابات أولا ثم يتم وضع الدستور، وبالفعل شكل المجلس العسكري لجنة قانونية لوضع التعديلات التي تراها مناسبة على دستور71.
مُنحت اللجنة مدة 10 أيام لوضع التعديلات، وتكونت من 8 أفراد.. يرأسها المستشار طارق البشري، أحد ابرز مفكري التيار الإسلامي، كما ضمت في عضويتها المحامي صبحي صالح، القيادي بجماعة الإخوان، وسرعان ما أعلن الإخوان تأييدهم للتعديلات.
كعادتهم حول الإخوان الأمر إلى معركة دينية وحرب من اجل الإسلام، مستعينة في ذلك بمختلف التنظيمات الإسلامية ومشايخ السلفية المعروفين، فيما اسموه غزوة الصناديق.
الطريف أن بعد هذا “النصر المبين” تجاهل المجلس العسكري التعديلات والاستفتاء وأصدر إعلان دستوري مكون من 63 مادة، ولم تعترض الجماعة التي صرفت الملايين للدعاية للتصويت بالموافقة على التعديلات.
توالت الهزائم السياسية للثوار وسيطر الإخوان والسلفيين على المشهد السياسي، ولم نجد ما نفعله غير التظاهر والمزيد من التظاهر ما ساهم في ملل باقي الشعب منا ومن ما نسببه من إزعاج، رغم محاولات التجديد والابتكار في العمل الجماهيري مثل حملة إخوان كاذبون.
البرلمان بين الغم والضحك
اكتسح تحالف الإخوان-السلفيين (السلفيين بقيادة حزب النور) انتخابات مجلس الشعب، وشكلوا أغلبية عضويته، فصارت مهمة المجلس تمرير قرارات مكتب الإرشاد بناء على هذه الأغلبية، ومهما دارت نقاشات ومداولات في نهاية الأمر كان التصويت يتم بشكل شبه آلي من الكتلة الإخوانية، ما يجعل أي معارض يشعر بالاختناق وعدم الجدوى، وإن لم يخلو الأمر من بعض الفقرات الضاحكة.. لكنه ضحكٌ كالبكاء.
البناء بالمقلوب
بعد انتخابات مجلس شعب، اقيمت انتخابات مجلس شورى، الذي زادت نسبة هيمنة التحالف الإسلامي عليه، نظرًا لعزوف نسبة كبيرة جدًا من الناخبين عن المشاركة في حين أن الجماعات الإسلامية تحشد أعضائها للتصويت، ثم حكم محكمة دستورية بعدم دستورية قانون الانتخابات الذي نظمت على أساسه انتخابات مجلس الشعب.. فقرار بحله من المجلس العسكري، ثم انتخابات رئاسية انتهت بفوز المرشح الاحتياطي للجماعة (سنتعرض لها لاحقًا بالتفصيل).. ثم تشكيل وزارة، وفي النهاية تم وضع الدستور، أي تم بناء جسم الدولة طبقًا لإعلانات دستورية مؤقتة ثم تم العمل على وضع الدستور/الخريطة التي تنظم بناء الدولة.
السيطرة على الجمعية التأسيسية
تولى هذا البرلمان العبثي تشكيل الجمعية التأسيسية التي ستتولى عملية وضع الدستور الجديد، تكونت اللجنة من 100 عضو تم تقسيمهم إلى 50 عضو من البرلمان (مجلسي الشعب والشورى) بالإضافة إلى 50 عضو من خارجه، وجاءت عملية تشكيل اللجنة أمتداد وتأكيد لأسلوب المغالبة بكافة الطرق الممكنة، فالخمسين عضو البرلماني تم اختيارهم عبر أعطاء الحق لكل عضو برلماني بترشيح نفسه على أن يقوم باقي الأعضاء بالتصويت بقبوله من عدمه، وبهذا أمنت الأغلبية البرلمانية للإخوان اختيار هؤلاء الخمسين كما يشاؤون.
أما بالنسبة للخمسن عضو الأخرين، من خارج البرلمان، فعند ترشيحهم تم اعتبار جماعة الإخوان المسلمين كيان منفصل عن حزب الحرية والعدالة وبالتالي تم إعطاء الجماعة الحق في ترشيح من يمثلها في الجمعية التأسيسية ليصبح الإخوان (داخلين بنفرين)، ثم تخضع الأسماء المرشحة من مختلف الهيئات والكيانات والأحزاب والمستقلين للتصويت من قبل البرلمان، وبهذا الشكل الذي يصعب وصفه بغير (لعب عيال) تشكلت الجمعية التأسيسية.
دستور الأكثرية
لم يختلف الأداء في الجمعية التأسيسية عنه في البرلمان، فالمغالبة أسلوب حياة والأمر احتاج لمعارككبيرة في الإعلام وحشد الرأي العام لتجنب أمور كارثية مثل الاتجار بالبشر، كان العمل في صياغة الدستور لا يطاق ولا يبشر بأي خير وبات من الواضح للجميع أن كل شئ صوري ومجرد ديكور والإسلاميين بقيادة الإخوان هم الفصيل السياسي الوحيد صاحب الكلمة داخل الجمعية، ما دعى 25% من الأعضاء إلى إعلان انسحابهم، بما فيهم ممثلو المؤسسات الدينية (الكنيسة-الأزهر) ورغم ذلك استمرت الجمعية في عملها وعادت الكوميدية السوداء لتطل برأسها من جديد.
هكذا تم صياغة دستور2012 أو ما عُرِف باسم دستور الجماعة، وتم استخدام الدعاية الدينية عبر القنوات والمواقع الإسلامية لحشد الجماهير للتصويت بالموافقة.. ومع ذلك جاءت النتيجة هزيلة جدًا ولو كانت النظام الحاكم “ديمقراطي” حقًا لتم وأد هذا الدستور، بعد أن استجاب أكثر من نصف القاعدة الانتخابية لحملات المقاطعة وتعمد مئات الآلاف إبطال أصواتهم وتجاوزت نسبة المصوتون بالرفض 30% من الأصوات الصحيحة.
الجزء القادم سأحكي لكم أحبائي الصغار قصة الانتخابات الرئاسية وكيف عشنا سنة من حكم المرشد، حتى لا يوهمك أحد أننا أسقطنا أو ساعدنا على إسقاط نظام ديمقراطي، فعلاقة ما عشناه في تلك الفترة بالديمقراطية يشبه علاقتكم باللغة السنسكريتية.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال