روشتة الهضبة للنجاح والخلود

أنت بالطبع تتمنى الخلود، وتتمني أن يكون بإمكانك أن تعيش بلا شيخوخة، وأن تنعم بالصحة الجيدة والمال الوفير، وربما الشهرة أيضًا، وأن تترك بصمتك على هذا الكوكب، فتظل باقية إلى الأبد، ويظل وجودك باقيًا كذلك، خالدًا بلا شك… تبدو تلك المعادلة في غاية التعقيد. غير أن البعض قد تمكن من حلها، ومنهم عمرو دياب… فتعال نكتشف سويًا كيف حقق الهضبة تلك المعادلة الصعبة..

• ابدأ ولو من القاع

الموهبة بوابة الخلود! ولا أحد منا بغير موهبة. غير أن الكثير يضل طريقه عنها، والقليل فقط يتبع نداءها، وعمرو عبد الباسط عبد العزيز دياب – والذي سيُعرف بـ “عمرو دياب” لاحقًا- كان من القلائل الذين اتبعوا موهبتهم وصدقوا أحلامهم وعزموا على غوض التجربة للنهاية.

“عمرو” ترك بلدته الصغيرة بورسعيد عام 1980م وجاء إلى القاهرة بحثًا عن بداية، وكانت بدايته في فندق الفاندوم بشارع الهرم…

يقول عادل أسعد الميري، والذي كان شاهدًا على تلك الأيام، في كتابه شارع الهرم وفرق موسيقى الشباب في التسعينيات: “عرفنا أنه من بورسعيد، وإنه لا يملك الامكانيات الكافية لاستئجار حجرة للنوم فيها، وأن أغلب أفراد فرقته من القاهرة، وأنهم قد يتمكنون من استضافته لديهم، إلا أنه قد يضطر إلى النوم أحيانًا في سيارة ميكروباص، لا تعمل إلا ليلاً في نقل الآلات الموسيقية، ثم تظل واقفة طول النهار أمام فندق الفاندوم، وقد تم رفع بعض مقاعدها لتسمح بنقل الآلات الموسيقية الضخمة، مثل آلالات تكبير الصوت أو الأورج والدرامز، فكان يفرش أرضيتها وينام. هل تتذكرون أول أفلامه من اخراج خيري بشارة سنة 1993م، فيلم (آيس كريم في جليم)؟ هل تتذكرون أنه كان ينام في جاراج؟ الآن تعرفون أن الحقيقة كانت أكثر قسوة من الخيال. حقًا لقد بدأ هذا الإنسان حياته من أول السلم، وهو جدير لذلك بكل نجاح حقّقه لاحقًا”..

• تفائل دائمًا وكن نفسك

التفاؤل يرفع نظام مناعة الجسد ضد الأمراض، ويمنح المرء قدرة على مواجهة المواقف الصعبة واتخاذ القرارات المناسبة، كما أنه يجعل الإنسان أكثر مرونة في علاقاته الاجتماعية، فالناس تنجذب تلقائيًا للشخص المتفائل.

ولا أحد ينكر أن التفائل من أسباب النجاح.. والمقربين لـ “دياب” سوف يخبرونك على الفور أن التفاؤل هي سمته، وأن البسمة لا تفارقه إلا نادرًا حتي في أصعب الأوقات.

 وهو ما يخبرنا عنه “الميري” في كتابه السابق الإشارة عن بداية معرفته بالهضبة: “لاحظت هناك – يقصد بالفاندوم- وجود صوت جديد يظهر أحيانًا على خشبة مسرح نايت كلوب الفندق. هو شاب في أوائل عشريناته، يتميز بوجه دائم الابتسام بشكل غريب، كما أنه على قدر كبير من الوسامة، كل هذا بالإضافة إلى حقيقة كونه صوتًا جديدًا وجميلاً.

كان هذا الشاب يصعد معنا في مصعد الفندق ثم يجلس إلى واحدة من موائد الصالة في انتظار إشارة من مدير الصالة، ليهبط إلى الشارع ويحضر فرقته لأداء فقرته، وذلك حسب درجة امتلأ الصالة.

لاحظت أولاً أنه حتي في ذلك الوقت المبكر كان له أغنياته الخاصة به، من كلمات أصدقائه ومن تلحينه هو شخصيًا، ومن بينها ألبومات ظهرت في ألبوماته الأولي.

لاحظت ثانيًا أنه لم يكن يقلد أحدًا، وأنه كان يستاء إذا أصر صاحب المحل على أن يغني أغنيات لغيره من المطربين، خليجية أو غير خليجية، لإرضاء زبون أو أكثر.

لاحظت ثالثًا أنه كان أثناء أدائه لأغنياته، يرقص على المسرح، أو على الأقل يقفز مع ايقاع اللحن طول الوقت دون توقف، مما يدل على أنه كان سعيدًا جدًا بالغناء، حتي ولو كان هذا الغناء لمجموعة سكاري بشارع الهرم.

كان ينتظر أحيانًا لمدة ساعة أو أكثر، ليعرف من مدير صالة الملهي الليلي بفندق فاندوم الهرم، إذا لم يكن هناك عدد كافي من الزبائن، إنه لن يصعد إلى المسرح ولن يغني، ومع ذلك كان دائم الابتسام، دائم التفائل، وكان هذا كافيًا لإدراك حجم التفائل والاقبال على الحياة، اللذين يتمتع بهما هذا الشاب الدائم الابتسام عمرو دياب“.

• انفض من حولك الأصدقاء الزائفون:

ولأن الأشخاص المقربون لنا لهم تأثير فينا كما نؤثر عليهم، وقد يكون هذا التأثير سلبيًا أو إيجابيًا، فعلينا أن نختار من نصادق بدقة.

من خلال ملاحظات “أسعد” نري أن الصداقة تشكل عامل هام في حياة عمرو، ليست الفنية فحسب ولكن الشخصية أيضًا، و”عمرو” يجيد اختيار الأصدقاء لذا فإن المقربون حوله ندرة لادراكه أن الصداقة تأتي من الصدق. ويحكي أحد المقربين للهضبة عن واقعة حضرها منذ أعوام، وكان وقتها “دياب” يُعد ألبوم جديد، فقال للحاضرين أنه لحن مقطع جديد لأغنيته، ولما سمعوا اللحن، صمت البعض، واستغرب البعض الآخر، بينما راح القليل منهم يمدح اللحن وروعته، ويشيد بجماله، وهنا أعلن الهضبة أن ما سمعوه مجرد trac لا يعبر عن شئ! ويضيف شاهد الوقعة أنه طرد من مدح لحنه الزائف أشد طردة!

• واصل عملك دومًا

يقول نجيب محفوظ على لسان أحد أبطال ملحمة الحرافيش “المتلفت لا يصل”… فمن أجل الوصول لهدفك عليك أن لا تنشغل بشئ غيره، وتلك المقولة يطبقها “دياب” بحذافيرها، فهو يعمل طوال الوقت، يختار ألحانه بدقة، ويبحث دائمًا عن الكلمات المناسبة، ومن المعروف عنه، أن يُعد 15 أغنية، باللحن والتسجيل، يعمل عليهن جميعًا بنفس الشغف والاهتمام، ثم يختار من بينهم 8 أو 10 أغاني بالكثير، أما الباقي فيستغني عنهم تمامًا.

و”عمرو” تعرض في مشواره الفني الطويل لأكثر من طعنة لكنه لم يتوقف عن عمله لحظة… ففي البداية كانت الخلافات مع نصر محروس والذي قرر أن يقدم تامر حسني وشيرين في ألبوم مشترك عام 2006 م لينافس عمرو دياب.

إقرأ أيضا

خالد ونور وولده نور خالد…بداية سيئة بكل أسف

غير أن الهضبة لا يُنافس؛ في هذا العام تحديدًا تعاقد مع روتانا وطرح ألبومه “كمل كلامك” – وكأنه يتحدث عن نفسه، ويحثها على الاستمرار- ليحقق الألبوم مبيعات خيالية في أول تعامل مع المنتج الجديد، الذي كان بمثابة طعنة ثانية لم يتوقف عندها الهضبة أيضًا.

وربما ما تعرض له وقت ثورة يناير طعنة أخري، حيث شاعت الأقوال وقتها أن عمرو قد أخذت أسرته وهرب خارج البلاد، وهو الأمر الذي نفاه تمامًا، وبعدها أصدر أغنية “مصر قالت” التي قام بتلحينها وكتبها مجدي النجار، ليعلن موقفه بالطريقة التي يجيدها ويحبها ويخلص لها.

• احتفظ بشباب متجدد

الجسد وعاء الروح، تأكل منه السنوات حتي يُبلي، فيزحف الوهن، وتسري الشيخوخة، من منا لا ترعبه الشيخوخة؟! غير أن مجرد إلقاء نظرة على بوستر ألبوم “أحلي وأحلي”، أخر ألبوم طرحه عمرو، ستدرك على الفور أنك أمام رجل لم يهزمه الزمن، بالتأكيد ستندهش حين تعرف أن هذا الشاب مفتول العضلات قد تجاوز الخمسين، وأنه بعد سنوات معدودة سيشارف على الستين… فما السبب يا تري؟

 أولاً عمرو غير مُدخن، ولا يشرب الخمور وإن كان يستبدلها بمشروبات الطاقة، كما أن الرياضة جزء أصيل من حياته اليومية، فهو يدرك جيدًا أن مظهره من الأسباب الرئيسية لاستمراره، خصوصًا وأنه قد أخذ على عاتقه مع بداية مشواره الفني منذ أكثر من ثلاثين عام أن يكون مطرب الشباب، ولأن الشباب متجدد كان لا بد له أيضًا أن يكون متجددًا، ليس فقط في اختيار كلماته وألحانه ولكن أيضًا في إطلالته.

 وعمرو حالة فريدة بين نجوم الغناء، فقد تمكن من أن يكون أيقونة الموضة على مدار ثلاثة عقود، وأن يتربع على عرش الأغنية العربية ويصل إلى العالمية، وأن يحتفظ بكونه المطرب الأكثر شعبية بين الشباب في العالم العربي، وأن يصبح من أكثر الفنانين ثراءًا ونجاحًا وشهرة…

لقد صدقت فيه مقولة والت ديزني “اخلص لما تحب والمال سيأتي” ولكن ليس المال فحسب وإنما الخلود أيضًا..