همتك نعدل الكفة
143   مشاهدة  

زبد البحر.. بين التوازن البيئي والتشبيهات القرآنية

زبد البحر


إذا سافرت لقضاء نزهة ساحلية قد تُصادف ظهور رغوة بيضاء سميكة على حافة الشواطئ ليست الرغوة المعتادة التي تتكون نتيجة تلاطم الأمواج، وقد يستثير الأطفال وكذلك الكبار منظر هذه الرغوة لمعرفة طبيعتها ومما تتكون ويتساءلون عما إذا كان اللعب بها يمثل خطورة صحية معينة!

هذه الرغوة إنما هي ظاهرة طبيعية ذات طبيعة كيميائية تحدث في البحار والمحيطات تُدعى زبد البحر أو رغوة المحيط، وتعتبر هذه الظاهرة عادةً مؤشرًا على نظام بيئي لبحار ومحيطات مُنتجة، وتحدث نتيجة امتزاج مياه البحار والمحيطات بفعل قوة المد والجزر بما تحمله من أملاح ومواد عضوية وشوائب ونباتات بحرية هالكة وكائنات ميتة كالطحالب والأسماك؛ فيؤدي هذا الامتزاج إلى تشكيل هذه الرغوة التي تختلف من حيث اللون والحجم والكثافة اعتمادًا على تركيبها، فلون زبد البحر قد يتدرج من اللون الأبيض إلى اللون البني الداكن.

أما عن حجم وكثافة الزبد فيختلفان طبقًا لأمور عديدة منها حركة الأمواج وقوتها فكلما كان تقاذف الأمواج أعنف كلما زادت كمية الزبد وخفت كثافته، وهناك بعض العلماء شبهوه بالحليب عندما يوضع في الخلاط ويخلط بسرعة فسيُكوّن رغوة نتيجة الحركة السريعة لكمية منه وتداخل الهواء معاها، لذا كلما زادت حركة الأمواج نتيجة إعصار أو سيول قد نشاهد هذا الزبد على سطح المياه وسط البحار والمحيطات وليس على حافة الشواطئ فقط، كما يتوقف حجمه وكثافته على تركيزات المواد العضوية المذابة -كالبروتينات واللجنين والدهون- فكلما كانت أعلى تركيزًا كلما ساعد ذلك في تكوين كمية كبيرة من رغوة البحر، التي قد تمتد لمسافات طويلة تبلغ طولها 50 كيلو مترًا كما قد يبلغ ارتفاعها أكثر من قدم وأحيانًا قد تتمثل في بقع صغيرة يُقدر سمكها ببضع بوصات فقط، وكل هذا يتوقف على ما ذكرناه.

 الزبد ليس سامًا

يتلخص دور زبد البحر في تنظيف البحار والمحيطات من الملوثات والشوائب العالقة به كالمواد العضوية المذابة والوقود الأحفوري المُتسرب من بعض السفن والحاويات البحرية أو مخلفات المصانع والصرف الصحي لذا فإن هذه الرغوة قد تمثل خطورة على كلٍ من البشر والكائنات الحية البحرية أو الطيور باحتوائها على تركيزات عالية من الملوثات التي قد تكون سامة بالرغم من أن الزبد في أصله ليس سامًا أو خطرًا، لكن في هذه الحالة قد يصيب الإنسان بالاختناق أو صعوبة في التنفس إذا تم استنشاقه أثناء ملامسته أو اللعب به، كما أنه قد يتسبب في موت الطيور في حالة تناوله بهذا الكم من الملوثات أو إزالة الريش من جسدها ما يعيق قدرتها على الطيران ثانيةً.

مادة طبيعية فعالة للعديد من المستحضرات

زبد البحر في الأساس له تأثير علاجي لبعض الأدواء إذا خلا من الشوائب والملوثات فهو يُستخدم في العديد من المستحضرات الطبية والتجميلية كمادة فعالة، حيث يشير بعض الأطباء لقدرته على علاج الآتي:

– يستخدم في تعزيز نضارة البشرة وإخفاء التجاعيد وعلاج العديد من الأمراض الجلدية كمشاكل حب الشباب، ويساعد على التخلص من البهاق والنمش الزائد في الجسم، كما يستخدم أيضًا للقضاء على الكلف الناتج عن الحمل والرضاعة.

– يعزز من صحة الشعر وعلاج تساقط الشعر ومشاكل فروة الرأس، ويعمل على التخلص من الثعلبة والقضاء على الصلع.

– له قدرة على تفتيت العديد من الحصوات المُتكونة في الكلى، المثانة، والمرارة.

– يساعد في الحد من آلام الطحال.

– كثيرًا ما يُستخدم لتفتيح الأسنان.

إقرأ أيضا
مصطلح التنوير

الباطل كالزبد في زواله

وقد ورد الزبد في القرآن الكريم بسورة الرعد في قوله تعالى “أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)”، ضرب الله عز وجل في هذا الموضع مثَليّن ليفرق بين الحق والباطل حيث شبه الباطل بالزبد ووجه الشبه بينهما هو الاضمحلال والزوال لا محالة حتى وإن كان ذائعًا أو “رابيًا” أي عاليًا كالزبد، وكذلك الخَبث الذي يزول بإدخال الحلية والمتاع -الذهب والفضة أو النحاس والحديد- للنار، مثله كمثل الباطل في مواجهة الحق الذي شُبِه في الآية الكريمة بخالص الذهب والفضة والنحاس والحديد الذي يبقى وإن عُرّض للنار بل يصفو ويذهب كدره، وشُبه الحق أيضًا بماء السيل الذي يُحي الأودية وينبت زرعها، وقد لُخص المُراد من هذه الأمثلة المذكورة في الآية في قوله “كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”.

الله غَفار الذنوب وإن كثُرت كالزبد

واستخدم النبي -صل الله عليه وسلم- لفظة زبد البحر في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم قال -صل الله عليه وسلم- “مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ في يومٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ”، وقال المناوي في فيض القدير: “زبد البحر وهو ما يعلو على وجهه عند هيجانه”، وفي تفسير الحديث يُقال أن مَن قال هذا الذكر مائة مرة تُغفر ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر في الكثرة.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان