
“صور رحلة تسخالطوبو” عندما سيق جمال عبدالناصر إلى الموت وهو ناظر له

وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أخذت جوريجا السوفيتية شهرةً تاريخية في ستينيات القرن الماضي بسبب رحلة تسخالطوبو العلاجية التي قام بها الرئيس جمال عبدالناصر عام 1968 م، وحينها كان المرض يفتك به.
أنا مش خرع !!

وصل جمال عبدالناصر إلى سن 49 قبل يونيو 1967 وكان يعاني من مرض السكر منذ 1958 م وتأقلم معه وكأنه لم يصاب به، لكنه لم يدري أنه بعد أشهر سيصاب بأزمات صحية عنيفة بعد وقوع النكسة.
قبل النكسة بنحو 9 أيام وتحديدًا في 28 مايو من العام 1967 عقد جمال عبدالناصر مؤتمرًا عالميًا على الهواء مباشرةً، داخل قاعة الزهراء في مصر الجديدة، بشأن أزمة إغلاق مضيق تيران والذي قاد مصر للنكسة.
اقرأ أيضًا
اتكلموا يا جبناء .. هل أحب عبدالناصر ؟
خلال المؤتمر قام ستيفن هربرت مراسل الديلي إكسبريس بتوجيه سؤال شخصي إلى جمال عبدالناصر على الهواء مباشرةً قال له «لقد مررتم كإنسان بمرحلة ضغط كبير في أثناء أزمة مشابهة تقريبًا للأزمة الحالية فى خلال صيف عام ٥٦، فهل تجدون من السهولة بمكان تحمل أعبائها كإنسان أكبر سنًا عن ما كان عليه من قبل بأحد عشر عامًا، أم أنكم تجدونها أصعب شأنًا ؟ وكيف تستريحون من مشاكلكم؟».
خرج جمال عبدالناصر عن الإجابة الدبلوماسية ورد بشكلٍ صريح «بالنسبة للسن أظن يعني أنا ما عجزتش أوي، وأنا لسه ما بلغتش الـ٥٠، وأنا مش خرع زى المستر إيدن أبدًا بأي شكل من الأشكال؛ يعني لازم تفهموا هذا الكلام، وبنقوم بأعباء المسألة كإنسان، وطمنهم فى إنجلترا إن أنا لسه ما وصلتش الـ٥٠ وقاعد لسه مدة طويلة، موجود هنا في هذه البلد، وفي هذه المنطقة من العالم»
وعن أزمة مايو 67 قال عبدالناصر «وأنا في هذه الأزمة بالذات وفي هذه الأيام بأصحى بدري، وصحتي كويسة، والأزمة صحتي بتبقى فيها أحسن، بأنام وخري، وأظن شايف إن أنا صحتي كويسة وقادر إن أنا استمر في هذه المعركة، وفي معارك أخرى، ماهياش أصعب شأنًا أبدًا من سنة ٥٦. احنا بنعتبر اللي حاصل النهارده لازال استمرار للي حصل سنة ٥٦ بنرجع الأمور إلى الصح، بنرجع الأمور إلى طبيعتها».

اندلعت النكسة يوم 5 يونيو 1967 وبعد 4 أيام خرج جمال عبدالناصر ليعلنها مع تنحيه، ويأبى الشعب مغادرته للسلطة، فيعود في اليوم التالي للخطاب ومع عودته بدأ يزحف ببطء إلى الموت.
الطريق إلى رحلة تسخالطوبو

تفاقم مرض السكر على جمال عبدالناصر بعد أن أصيب بأزمة قلبية في سبتمبر 1967 م وتضاعفت المضاعفات بآلام مبرحة في ساقيه بدءًا من العام 1968 نتيجة لضعف الدورة الدموية، ثم جرى تصلب في الشرايين والذي تضاعف بتسرب الأملاح حول عصب ساقيه والشريان اللاصق للعصب، وهذا يعني أن أي حركة بسيطة أو حتى احتكاك بنطاله على العصب تصيبه بآلام مبرحة شبهها عبدالناصر بالسكاكين.

كان السوفييت يدركون مغبة مرض جمال عبدالناصر فأشاروا عليه برحلة الاستشفاء إلى مدينة تسكالتوبو التي سماها المصريون تسخالطوبو، وحدث ذلك في رحلة جمال عبدالناصر إلى الاتحاد السوفييتي في 2 يوليو 1968 م حيث رآه بريجنيف السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي.

أجرى بريجنيف اتصالاً بالطبيب السوفيتي يفيجيني تشازوف وقال له بشكل غامض «واحد من أعز أصدقائنا الأجانب مريض للغاية.. وأطباء المريض يريدون مقابلتك، والتحدث معنا بشأن حالته»، فأدرك أنه عبدالناصر وفطن تشازوف من كلام الاطباء أن عبدالناصر بدأ يعاني من خدر في قدميه وبدأت الغرغرينا تظهر على الأصابع والتي أثرت على جلد قدميه وإن لم يتم إدراك الحالة فسيتم بتر الساقين.

التقى يفيجيني تشازوف بالرئيس عبدالناصر وذكر له ضرورة أن يأخذ أجازة حتى يعالج في حمامات المياه المعدنية والطينية بنظام العلاج الطبيعي، وأبدى جمال عبدالناصر موافقةً مبدئية وطلب تأجيل الأجازة لحين عودته إلى مصر حتى يعقد اجتماعًا مع قيادة القوات المسلحة ومجلس الأمن القومي المصري.

عاد جمال عبدالناصر إلى مصر يوم 12 يوليو 1968 وظل يمارس مهام عمله حتى سافر في 26 يوليو من نفس العام ليقضي فترة علاجه، ولم يكن أحد من الشعب المصري يعلم مرض عبدالناصر إلا مع صدور عدد الأهرام في اليوم التالي لسفره حيث قال المانشيت أن عبدالناصر سافر إلى تسخلطوبو من أجل العلاج.

أعطت جريدة الأهرام تفصيلات عن تلك الرحلة فذكرت أنه سافر بطائرة سوفيتية خاصة، وسأل عبدالناصر عن وضع التدخين حيث طلب تقليل التدخين لكن الأطباء طالبوه بضرورة الإقلاع النهائي عن عادته تلك، خاصةً أنه كان يشرب بين 80 و 100 سجارة يوميًا على مدار 27 سنة وهو ما استجاب له ناصر.

ظل عبدالناصر في تسخالطوبو يعالج بالمياه المشعة وتفاديًا للقيل والقال نشرت جريدة الأهرام صورًا لتلك الرحلة من أجل طمئنة الشعب المصري في 12 أغسطس 1968 م.

وفي 17 أغسطس من العام 1968 عاد جمال عبدالناصر من تلك الرحلة الناجحة إلى حين فإن كان أحس بالشفاء بعد هذه الجلسة العلاجية لكن عاد المرض له بشكل شديد ومؤلم إذ أصيب جمال عبدالناصر بمرض القلب في سبتمبر من العام 1969 بسبب انفعاله وحزنه على قيام إسرائيل بشن هجوم على الزعفرانة ردًا على عمليات حرب الاستنزاف، وبعد عام من تلك الأزمة فارق عبدالناصر الحياة في 28 سبتمبر 1970 م
المراجع
-
أرشيف جريدة الأهرام لشهري يوليو وأغسطس 1968 م
-
مشواري مع عبدالناصر ـ مذكرات منصور فايز طبيب عبدالناصر الخاص
-
حوار مع يفنجي تشازروف عن مرض جمال عبدالناصر
الكاتب
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ما هو انطباعك؟





