“طه حسين” تعمد شيوخ الأزهر رسوبه بسبب عجزه عن إجابة سؤال حول لفظ الجلالة

في ديسمبر من العام 1919 دخل طه حسين قصر عابدين ليلتقي الملك فؤاد حيث أصر الأخير على تهنئته لإلقاءه أولى محاضراته في الجامعة.

طه حسين والنشأة المتدينة

طه حسين الذي جاء من مصارين الصعيد من وسط 13 طفل ثم صار واحداً من أساطين الثقافة العربية والإسلامية في العالم والوطن العربي وصدق من قال أن طه حسين أمثولة حية لقول الشاعر العربي أبو فراس الحمداني “لعمرك ما الأبصارُ تنفعُ أهلها.. إذا لم يكن للمبصرينَ بصائرُ”.

اقرأ أيضًا 
كان مع الله.. اللحظات الأخيرة في حياة طه حسين

ولد “طه حسين” في 15 نوفمبر 1889 من أسرة صعيدية خالصه كان له من الإخوة 13 هو كان سابعهم ، ولم يكمل طه الثالثة من عمره حتى كُف بصره بسبب علاج خاطىء تناوله فعاش كفيفا طيلة عمره .

ألحقه والدهُ بكُتاب القرية فتعلم تلاوة القرآن وحفظه في مدة قصيرة أذهلت من حوله فتنبأ والده بأن ابنه سيكون له شأن عظيم وكان والده يصحبه أحياناً لحضور حلقات الذكر والاستماع إلى سيرة الأبطال الشعبيين مثل عنترة بن شداد وأبو زيد الهلالي، وكان طه حسين يتنبأ لنفسه وهو صغير بأنه سيذهب إلى أوروبا ويتزوج من أوروبية وكان الجميع يسخر منه .

رحلته إلى الأزهر وسؤال عن لفظ الجلالة

عام 1902 سافر طه حسين إلى القاهرة ليلتحق بالأزهر قضى في الأزهر أربع أعوام يصفهم بأنهم أربعين سنة  قال في الأيام “الأزهر لم يضف الى زادي المعرفي وقال أنه وجد في سنوات دراسته فيه سجناً للأفكار والتجديد وغياباً للعلم والذوق”.

دخل طه حسين منذ البداية في معارك شرسة مع علماء الأزهر حتى أنه كتب قصيدة شتم فيها شيوخ الأزهر وهو طالب تسببت في رسوبه في إمتحان العالمية يقول طه حسين “أن شيخ الأزهر أمر الممتحنين برسوبه بسبب تمرده على المنهج وبسبب أنه قام بهجاء مشايخ الأزهر في قصيدة له”.

ومن جانبه صرح الدكتور علي جمعة في لقاء تلفزيوني “أن طه حسين كان يكتب مقالات وكان كثير الهجوم على شيوخ الأزهر ولما دخل الإمتحان قالوا له إقرأ يا طه يعني هيقرأ تعيين معين ويناقشه فيه فبدأ يقول بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا له كفاية كده وسألوه سؤال واحد فقط وهو “إسم الجلالة الله هل هو عام أم خاص مطلق أم مقيد كلي أم جزئي” لم يستطع طه الإجابة عليه  وتلعثم فيه وسقط طه في الإمتحان وغادر بعد ذلك الأزهر مطرودًا مغضوبًا عليه والتحق بالجامعة المصرية الأهلية سنة 1908  وحصل منها على أول دكتوراه تمنحها هذه الجامعة عن “تجديد ذكرى أبى العلاء”.

منهج طه حسين

لم يكن  طه حسين يقتنع بالأزهر ولا منهجه ولا تراثه حتى تصوف الأزهر كان ينكره ويصفه بالجهل .

ذكر في كتاب الأيام أنه أنكر على والده ومشايخ قريته الأزهريين قرآة كتاب “دلائل الخيرات” وهو كتاب صيغ للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ودعوات، وهذا لم يكن يعجب طه حسين فيقول ” “وتعلمت في الأزهر: أن كثيرا مما تقرؤه في هذا الكتاب (يريد: دلائل الخيرات): حرام، يضر ولا ينفع، فما ينبغي أن يتوسل إنسان بالأنبياء، ولا بالأولياء، وما ينبغي أن يكون بين الله وبين الناس واسطة، وإنما هذا لون من الوثنية”.

فاعتبر أن قراءة الكتاب وثنية مما جعل والده يأمره بالرجوع إلى القاهرة ، وهذا الرأي لم يكن موجوداً قبل ذلك في الأزهرولكن كان قد بدأ ينتشر في الأزهر على يد محمد عبده ورشيد رضا الذين تأثروا بالحركة الوهابية (السلفية المعاصرة) في مسائل التصوف .

هاجم طـه حسين النحو وقواعده فقال في مقدمة كتاب “إحياء علوم النحو” لابراهيم مصطفى والذي كان صديقه في الازهر والذي انتقل بعدها لدار علوم وهو على نفس منهجه ، وكان النحو أشد موضوعات الحديث خطراً وأكثرها جريانًا فيما كان يكون بيننا من حوار ضقنا بإصوله القديمة منذ عهد الأزهر وأخذنا ننكر هذه الأصول أيام الجامعة القديمة (جامعة فؤاد) وأخذنا نلتمس له أصولا جديدة منذ التقينا في الجامعة الجديدة(جامعة القاهرة حاليا).

انتمى طـه حسين للمنهج الديكارتي النقدي فكتب في مقدمة كتاب الشعر الجاهلي “إنه سيسلك في هذا البحث منهج ديكارت الذي يطالب الباحث بأن يتجرد من كل شيء كان يعلمه من قبل، وأن ينسى عواطفه القومية والدينية”.

المعارك التي خاضها طه حسين مع الأزهريين

إقرأ أيضا

دراسة: نبرة الصوت تفضح ميل الأشخاص للخيانة أو مدى انجذابهم لك

يقول طـه حسين “كانت معاركي مع شيوخ الأزهر سياسية ولم تكن أدبية”،  بدأت معاركه الأولى عندما التحق بالجامعة المصرية الأهلية وحصل منها على الدكتوراه سنة 1914 عن موضوع “ذكرى أبي العلاء”  وأثارت هذه الرسالة ضجة كبيرة مما جعل أحد نواب البرلمان اتهامه بالمروق من الدين والزندقة ولم تتوقف أزمات طه حسين عندهذا الحد فقد تم إتهام طه حسين بتخريب وتشويه العصر العباسي في كتابه “حديث الأربعاء “حيث خلُص إلى أن العصر العباسي عصر مجون وزندقه .

وفي عام 1926 صدر كتابه “الشعر الجاهلي” والذي أثار أزمة لا تقل عن سابقيها فقد انقلبت الدنيا عليه واتفق الجميع على أن هذا الكتاب مشحون بالكفر والإلحاد ويجب عدم تدريسه في الجامعه وشكل الأزهر لجنة للدفاع عن الدين ، ودعا إلى مظاهرة عامة بعد صلاة الجمعة 12 نوفمبر 1926م، وتوجه 200 عالم من علماء المعاهد الدينية يتقدمهم شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء لمقابلة رئيس الديوان الملكي، وشكوا له مطاعن طه حسين في الإسلام، فأعلن تضامنه معهم.

وقدم الشيخ خليل حسن الطالب بالأزهر والاستاذ عبدالحميد بناني أفندي عضو مجلس النواب بلاغا للنائب العام أن طـه حسين نشر كتابا “يطعن في القرآن العظيم حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوي الكريم… الخ”.

وكانت الإتهامات التي تم التحقيق معه فيها تتمثل في تكذيب القرآن الكريم في إخباره عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، تعرضه للقراءات السبع المجمع عليها وزعمه بعدم إنزالها من عند الله، وأنّ “هذه القراءات إنما قرأتها العرب لا كما أوحى الله بها إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام”، تعريضه بنسب الرسول فيما جاء في قوله إنّ انتحال الشعر ونسبته للجاهليين جاء بهدف (تعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه في قريش…)، إنكار أنّ الإسلام دين إبراهيم.

انتهى التحقيق معه إلى إخلاء سبيله فقد ذكر المحقق “أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدي على الدين بل إنّ العبارات الماسة بالدين التي أوردها في بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها في سبيل البحث العلمي مع اعتقاده أنّ بحثه يقتضيها”.

يُذكر أنه قد تم استجواب وزير المعارف وقتها من قبل مجلس النواب بسبب طباعته كتاب الشعر الجاهلي على نفقة الدوله وأعدو ذلك إهداراً للمال العام، يقول طه حسين في أحد اللقاءات أن من أحب أعمالي كتاب على هامش السيرة لأنه عبر فيه عن حبه الشديد لرسول الله ، وأيضا كتاب الوعد الحق يقول عنه كتبته بإخلاص شديد جداً لأني أُحب الذين عاصروا النبي من أصحابه ، وكتاب مرآة الإسلام والذي رجع فيه عن كثير من أفكاره السابقة رجوع صريح .