في حب الدكتور أحمد طه ريان .. وداعًا شيخ المالكية في مصر

“مَوتُ ألفِ عابِدٍ قائِمِ اللَّيلِ صائِمِ النَّهارِ أهوَنُ من مَوتِ عالِمٍ بَصيرٍ بِحَلالِ الله وحَرامِهِ” – من كتاب إحياء علوم الدين.

تذكرت هذه المقولة بعدما استيقظت على خبر رحيل الشيخ أحمد طه ريان الرجل الذي عهدته بين طلابه سمحًا هينًا لينًا، أفنى عمره بين كتبه وتلامذته، ركن متين من أركان الأزهر الشريف، حيث تتلمذ على يديه مئات الطلاب من مصر وخارجها.

مسيرة شيخ المالكية في مصر

في أقصى جنوب مصر وبمحافظة الأقصر ولد الشيخ أحمد طه ريان سنة 1939 م، كغيره من أبناء جيله حفظ القرآن الكريم في سنٍ صغيرة فالتحق بالأزهر الشريف في القاهرة، لكنه تفرد عن بقية جيله بعشقه للفقه المالكي الذي برز عليه عندما التحق بكلية الشريعة والقانون وحصل على درجة الماجستير والدكتوراه، وأخذ بعدها في الاجتهاد  حتى وصل إلى الأستاذية.

كان جليًا في جنازة الشيخ أحمد طه ريان أن جُلّ الحاضرين كانوا من الطلاب الوافدين من الخارج “الاجانب”، خاصةً الآسيويين، وذلك راجع لثلاث أمور، أولهم مجلسه في الأزهر الشريف الذي اجتذب كثير من الطلاب ليتعلموا منه ويسألوه فكان يجيبهم في لين ومحبة، خاصةً وأن مجلسه اتسم بالسكينة وصوته الذي كان يبعث الراحة والطمأنينة في الحاضرين.

ثاني تلك الأسباب هي الثروة العلمية المطبوعة التي تركها حيث كانت له مصنفات قيمة ورصينة في الفقه وأصول الفقه، فكل هذا رشحه للمشاركة في المؤتمرات الدولية، وشيئًا فشيئًا تولى عدد من المناصب في الدول العربية والإسلامية والأوروبية، وكان هذا هو السبب الثالث.

تولى أيضا عمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الأحقاف باليمن، كما تولى وكالة كلية الإمام مالك للشريعة والقانون في الإمارات العربية المتحدة، وأجرى عددًا من الرحلات العلمية في المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية وبنجلاديش وأوزبكستان والدانمارك وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية.

وداخل مصر شغل عددًا من المناصب، فكان عميدًا لكلية الشريعة والقانون في أسيوط خلال فترة شهدت توغلاً سلفيًا للأزهر تصدى له، كما تولى رئاسة موسوعة الفقه الإسلامي في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف، ورئاسة قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالأزهر، ورئاسة المكتب الأكاديمي للجامعة الأمريكية بالقاهرة.

اقرأ أيضًا
عن المذاهب الفقهية الإسلامية المختفية .. من الذين اندثر تراثهم العلمي ولماذا ؟

إقرأ أيضا

صرح ملكة سبأ .. ما بين الإسرائيليات والنص القرآني

فيوضات الإمام مالك على الشيخ الراحل

المعروف أن الشيخ أحمد ريان كان شيخ الفقه المالكي في مصر، ولكن الفقه المالكي لم يكن له بمثابة علم فقط وإنما كان حياته، والناظر في حياة الإمام مالك رضي الله عنه يجد أن الشيخ الريان وارثه، فالإمام مالك كان رجلًا محبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولديه نزعة صوفية وكأن بركات الإمام طالت الشيخ طه الريان ليصبح شيخ شيوخ المالكية في مصر، فهو رجل محب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصوفي خلوتي، وليس ذلك فقط فالشيخان وافتهما المنية في أعمار متقاربة حيث مات الإمام مالك وهو في عمر 84 سنة، بينما الشيخ طه الريان رحل عن عالمنا وهو يبلغ من العمر 82 سنة.