همتك نعدل الكفة
87   مشاهدة  

قرار بريطاني وفيتو روسي .. لماذا تتصارع القوى العظمى في السودان؟

موسكو
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



في الوقت الذي يعاني فيه السودان من أزمة إنسانية طاحنة نتيجة الحرب المستمرة التي تخوضها القوات المسلحة السودانية في مواجهة “قوات الدعم السريع” التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتي أسفرت عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى، وملايين المشردين، يدور صراع سياسي على الساحة الدولية بين القوى العظمى، مثل بريطانيا وفرنسا وروسيا، حول كيفية معالجة هذه الأزمة ووقف التصعيد في السودان، خاصة فيما يتعلق بوقف إطلاق النار.

قرار بريطانية
الصراع في السودان

في حين تواصل بريطانيا الضغط لإصدار قرار بوقف إطلاق النار المستمر منذ عامين ونصف بدعوى حماية للمدنيين، أوقفت روسيا هذا المشروع البيرطاني بمقتضى (حق الفيتو)، ما يثير تساؤلات عميقة حول دوافع كلا الطرفين.

هل بريطانيا حقًا تدافع عن مصالح الشعب السوداني، أم أن لديها أجندات سياسية أخرى تسعى لتحقيقها؟ وفي المقابل، ما هي الأسباب التي دفعت روسيا لاتخاذ هذا الموقف مدعومة من الصين؟، وما تأثير ذلك على التوازنات الإقليمية والدولية؟

السودان وصراع القوى العظمى

يتمتع السودان بموقع جغرافي بالغ الأهمية يجعل منه نقطة التقاء حيوية بين مناطق الشرق الأوسط، شمال أفريقيا، والقرن الأفريقي. فحدوده التي تشترك مع عديد الدول؛ مثل مصر من الشمال،  وجنوب السودان وإثيوبيا من الجنوب، فضلاً عن علاقاته المتشابكة مع ليبيا وتشاد، بالإضافة إلى ساحل كبير على البحر الأحمر من الشرق، كلها تجعله مركزًا استراتيجيًا في قلب القارة الأفريقية.

هذا الموقع يمنح القوى العظمى كروسيا ودول الاتحاد الأوروبي قدرة على التحكم في ممرات التجارة العالمية ويُسهم في تعزيز نفوذها في منطقة البحر الأحمر، أحد أكثر الممرات البحرية حيوية في العالم.

علاوة على ذلك، تتمتع السودان بموارد طبيعية كثيرة ومتنوعة، أبرزها النفط والذهب والكروميت والزنك والحديد، ما يجذب القوى الصناعية الكبرى مثل الصين، التي استثمرت بشكل ملحوظ في قطاع النفط السوداني على مدار العقدين الماضيين، كما مكنها من بناء شراكة استراتيجية تعزز من نفوذها الاقتصادي في المنطقة.

هذه الثروات الطبيعية تشكل أيضًا هدفًا رئيسيًا للقوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين يسعيان إلى ضمان وصول دائم إلى هذه الموارد الحيوية لضمان استقرار إمدادات الطاقة والمعادن في الأسواق العالمية.

روسيا ووجودها الاستراتيجي في السودان

يعد وجود روسيا في السودان جزءًا من استراتيجيتها الواسعة لتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية ومنطقة البحر الأحمر بشكل خاص، وهي خطوة تواكب رغبتها في توسيع دائرة نفوذها العسكري والاقتصادي على مستوى العالم. وسعت روسيا منذ عدة سنوات لتعزيز وجودها في السودان، فقدمت خلال السنوات الأخيرة دعمًا قويًا للدولة السودانية عبر المجلس العسكري؛ والذي يترأسه حاليًا الفريق/ عبد الفتاح البرهان.

في البداية، وقعت موسكو والخرطوم اتفاقات العسكرية عام 2019. بموجب هذه الاتفاقات؛ بمقتضاها سمحت السودان للسفن والطائرات العسكرية الروسية بالدخول إلى أراضيها، هذا بالإضافة إلى التعاون في مجال النفط والموارد الطبيعية.

و في نوفمبر 2020، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرارًا بإنشاء قاعدة بحرية روسية في ميناء بورتسودان، ما يعزز الوجود الروسي العسكري في البحر الأحمر؛ ويمنحها القدرة على مراقبة الممرات البحرية الحيوية، حيث يُعتبر البحر الأحمر نقطة استراتيجية بين القارات.

السودان سوق سلاح تاريخي للسودان

وقبلها في 2013 زود الكرملين السودان بشحنات كبيرة من المروحيات، وذلك تحت رقابة الأمم المتحدة التي فرضت شرطًا بعدم استخدامها في إقليم دارفور.

ومن أبرز هذه المروحيات: 12 مروحية هجومية من طراز “مي-24″، و6 مروحيات نقل عسكرية من طراز “مي-8”. ثم في نفس العام، تم توقيع اتفاق إضافي لتزويد السودان بـ 12 مروحية أخرى من طراز “مي-24” و12 مروحية من طراز “مي-8”. وتقدّر قيمة هذه الصفقة بين 150 مليون دولار إلى 200 مليون دولار.

كما تم شراء 15 مقاتلة من طراز “سوخوي” و شراء 18 مقاتلة من طراز “سو-30 كا” من شركة “إيركوت” الروسي.

فاغنر تظهر في المشهد

روسيا بدأت تواجدها في السودان منذ عام 2017، عبر مجموعة فاغنر المرتبطة بالكرملين، في إطار تعاون مع حكومة الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير. وساعدت “فاغنر” في تدريب الجيش السوداني، بالإضافة إلى تقديم دعم عسكري وأمني للحكومة السودانية.

كما عملت “فاغنر” على تأمين مصالح روسيا في السودان، خاصة في مجال التعدين، حيث كانت تستفيد من امتيازات استخراج الذهب التي قدمتها الحكومة السودانية لشركات مرتبطة بها، ما يعكس أهمية الجانب الاقتصادي في هذا التعاون من الأساس.

الدعم الروسي للدولة السودانية كان واضحًا، إذ قدمت روسيا دعمًا سياسيًا وعسكريًا للمجلس العسكري -بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان- منذ توليه السلطة؛ عقب الإطاحة بحكومة الإنقاذ بقسيا. هذا الدعم استمر عبر القنوات المختلفة، بما في ذلك التعاون العسكري والاستخباراتي. مصالح روسيا الاقتصادية والعسكرية في السودان تساهم بشكل كبير في فهم موقفها الرافض لمشروع قرار بريطانيا في مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار.

روسيا تعتبر السودان جزءًا محوريًا في استراتيجيتها لإعادة تشكيل وجودها في إفريقيا، وهو ما يفسر موقفها في استخدام حق النقض (الفيتو)، إذ ترفض بهذا الموقف وجود أي تدخل غربي يهدد مصالحها .
استخدام الفيتو رسالة قوية للدول الإقليمية.

قرار بريطانية
اجتماع مجلس الأمن

علاوة على ذلك، جاء استخدام “الفيتو” بمثابة رسالة قوية إلى المجتمع الدولي بأن روسيا لن تتراجع عن دعم حلفائها في إفريقيا، خاصة في ظل التحولات السياسية في الولايات المتحدة بعد فوز الرئيس ترامب، المعروف بتوجهاته الداعمة لموسكو.

وأنطلقت موسكو من التناقضات التي شهدتها صياغة مشروع القرار البريطاني في تقديم مبررات مقنعة لاستخدام “الفيتو”، مشيرة إلى أن المشروع يتجاهل الحكومة السودانية الحالية ويقلل من سيادتها. وبذلك، جاء الموقف الرسمي لروسيا مدافعًا عن شرعية الحكومة السودانية في مواجهة التدخلات الخارجية.

الرد السوداني على قرار موسكو في مجلس الأمن

جاءت إشادة (البرهان ) بموقف روسيا واستخدامها حق النقض في مجلس الأمن، كمؤشر واضح على دعم متبادل بسقف مرتفع. وهذا ما أكده السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، السفير/ الحارث إدريس، بإعلانه استعداد الخرطوم للتعاون مع أي دولة تدين قوات “الدعم السريع” وتعمل على منع تدفق الأسلحة إليها، مع الالتزام بحماية المدنيين واحترام سيادة السودان.

إقرأ أيضا
إفطار المطرية

بريطانيا تتهم روسيا بأنها عدو السلام

في المقابل قال وزير الخارجية البريطاني “ديفيد لامي” إن روسيا هي الدولة الوحيدة التي عطلت القرار، ووصفتها بإنها دولة عدوة للسلام، وتصويتها ضد القرار يعكس  للعالم وجهها القبيح. وهو نفس الموقف التي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية، إذ قالت سفيرة الولايات المتحدة “ليندا توماس-جرينفيلد” إن روسيا تشدد على أنها تؤيد الأفارقة بينما تؤيد ضد قرار وقف إطلاق النار.

لماذا يريد الأوربيون وقف إطلاق النار الآن ؟

ورغم مرور قرابة عامين على اندلاع الحرب في السودان، لم تُقدِم بريطانيا وحلفاؤها الأوروبيون، مثل فرنسا، على اتخاذ خطوات جادة لوقف إطلاق النار. القرار الأخير لم يُطرح إلا بعد أن بدأت قوات الجيش السوداني تحقيق تقدم ميداني ملموس، مستعيدة السيطرة على مناطق استراتيجية كانت خاضعة لقوات “الدعم السريع” بقيادة حميدتي.

المؤشرات الحالية تشير إلى أن استمرار الوضع على هذا النحو سيمنح الجيش السوداني تفوقًا حاسمًا، ما قد يؤدي إلى هزيمة واضحة لحميدتي. هذه الهزيمة المحتملة تمثل خسارة كبيرة لدول الاتحاد الأوروبي، التي لطالما اعتبرت حميدتي شريكًا مفضلًا في تحقيق مصالحها بالمنطقة.

إذ يعود الدعم الأوروبي لحميدتي في المقام الأول إلى سيطرته على قطاع التعدين السوداني، الذي يُعد من المصادر الرئيسة للثروات في البلاد، خصوصًا الذهب والنفط. هذه الثروات تفتح أمام الاتحاد الأوروبي وغيره من القوى الإقليمية مجالًا استراتيجيًا لاستثمارات حيوية تسهم في استقرار الاقتصاد الأوروبي من خلال ضمان تدفق هذه الموارد الهامة.

من خلال هذه السيطرة، تمكن حميدتي من فرض نفسه كلاعب رئيسي في معادلات المصالح الأوروبية، مستخدمًا ثروات بلاده كورقة ضغط استراتيجية. فالاتحاد الأوروبي الذي يتطلع إلى ضمان استقرار إمداداته من الذهب والنفط يرى فيه حليفًا ضروريًا في سياق صراعاته الاقتصادية والدبلوماسية في المنطقة. هذه العلاقة أصبحت جزءًا من شبكة أوسع من التحالفات التي تسعى أوروبا من خلالها إلى تحقيق نفوذ مستدام في السودان والمنطقة.

موسكو
لقاء حميدتي مع مبعوث الاتحاد الأوربي

تعاون تجاوز المصالح الاقتصادية

التحالف بين الاتحاد الأوروبي ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) ليس مجرد تحالف اقتصادي، بل هو تحالف استراتيجي معقد يمتد ليشمل أبعادًا أمنية وسياسية أيضًا. منذ أن سيطر “حميدتي” على الحدود السودانية وأصبح لاعبًا رئيسيًا في التحكم في تدفق المهاجرين إلى ليبيا، وأصبح حليفًا ضروريًا للاتحاد الأوروبي في مواجهة أزمة الهجرة غير القانونية. في المقابل، قدم الاتحاد الأوروبي دعمًا عسكريًا وتقنيًا لحميدتي، شمل معدات متطورة وطائرات بدون طيار، تحت ذريعة تعزيز قدراته الأمنية في مواجهة الهجرة غير قانونبة، لكن “حميديتي” استخدمها في مواجهة الجيش الرسمي للبلاد؟

في النهاية، يمكن القول إن قرار بريطانيا بشأن وقف إطلاق النار والـ (فيتو) الروسي -في مجلس الأمن- لم يكن نزاعًا حقيقيًا من اجل حق الإنسان السوداني في الحياة ومراعاة للأوضاع المأساوية للمدنيين. بل هو صراعًا سياسيًا مبني على قواعد اقتصادية، يسعى خلاله كل طرف لتحقيق أهدافه في المنطقة بعيدًا عن الاهتمام الحقيقي بمصالح الشعب السوداني أو التخفيف من معاناته.

اقرأ أيضًا: تحركات رئيس الوزراء الإثيوبي تشعل الصراع في القرن الأفريقي وتثير مخاوف دولية

الكاتب

  • موسكو مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان