
قلبي ومفتاحه.. كيف يغازل تامر محسن نوستالجيا المتفرجين؟

-
منار خالد
ناقدة سينمائية مصرية
يحمل مسلسل قلبي ومفتاحه المكون من ١٥ حلقة، المعروض في النصف الأول من رمضان ٢٠٢٥، من تأليف تامر محسن ومها الوزير، ومن إخراج تامر محسن، اسمه المطابق لاسم الأغنية الشهيرة غناء وألحان فريد الأطرش “قلبي ومفتاحه” وكلمات فتحي قورة، بداية فهي أغنية نوستالجية تحمل ذكريات زمن ماضي، تتسق مع هدوء علاقة محمد عزت/ آسر يس، بـ ميار/ مي عز الدين، وبالتالي فهي لم تظهر بشريط صوت المسلسل أبدًا إلا أثناء اجتماع هذا الثنائي، وذلك رغم وجود قصة حب أخرى بالمسلسل وهي قصة نصر ومهجة/ محمود عزب وعايدة رياض، حيث تحمل كل من العلاقتين خط مشترك أساسي، بصفتهما علاقات درامية ثلاثية الأبعاد، قائمة على حبيبين ودخيل يفسد تلك العلاقة، ولكن. دائمًا ما يُلصق بمأساة عم نصر في عذاباته وحبه من طرف واحد أغنيات لأم كلثوم، بينما تثبت “قلبي ومفتاحه” فقط للثنائي الشاب في أواخر مرحلة الثلاثين من عمره، ووفقًا لتاريخ الغناء، فأم كلثوم بالتأكيد أقدم من فريد الأطرش، وبالتالي تتسق الاختيارات مع تتابع الأجيال، حتى وإن كان الأطرش بالنسبة لجيل عزت وميار قديم، لكنه من جيل الأحدث في هذا الزمن، بينما يتمسك عم نصر في وصف مشاعره بالأغنيات الطويلة التي تحمل معاني الهجر والحب من طرف واحد عند أم كلثوم، بينما يتمسك عزت في اختيار أغنية قلبي ومفتاحه، نظرًا لرسم شخصيته المائل للهدوء، والموسيقى الكلاسيكية التي وضحت في الحلقات الأولى أثناء اختياره تشغيل أغنيات هادئة حتى وإن كانت غربية لزبائنه، لكنه شخصية درامية تحتفظ بقدر من هدوئها بعيدة عن صخب وضوضاء نوع آخر من الموسيقى، ولكن. يبقى الاختيار الأهم للأغنية يعود لكلمات الأغنية بذاتها: “قلبى ومفتاحه دول ملك ايديك ومساه وصباحه بيسألنى عليك”، نظرًا لعدم فهم عزت الكافي في بداية العلاقة بينه وبين ميار بأسباب البعد وانشغاله الدائم بالتفكير في أسباب قرار الطلاق المفاجئ، وسؤاله الدائم لذاته عنها ومحاولة بحثه عنها أيضًا لإيجاد تفسير، ثم “كان حبك شمعي فى يوم عيدى وطفاه الدمع وتنهيدي من يوم ما ايديك لمست ايدى وكأنك قلت يا نار إيدى” تلك الجملة المتسقة تمامًا مع ما حدث يوم زواجهما الأول، حيث التعبير عن الفرحة العارمة بلقاء فتاة أحلامه، ومن ثم الهجر غير المبرر وأثره عليه من حزن، وكذلك حيرة في محاولة فهم الأسباب، ثم “مادام مشغول يا حبيبى مش كنت تقول يا حبيبى” التي تتسق أيضًا مع معرفته الكاملة لظروف ميار والتماس العذر لها وقرار الوقوف بجانبها، كما أن لفظة مشغول خير معبر عن حالة ميار في انشغالها في حياتها مع أسعد/ محمد دياب، ولكن فقط كل ما كان يريده عزت هو إخباره بخلفيتها كي يبقى جانبها، أي عتاب بسيط يأتي بعد كثير من العذاب في عدم الفهم والانشغال بالحلم الجميل ذات الساعات القليلة. لذا فالأغنية تعبر بقوة عن تقلب العلاقة العاطفية، التي يحاوطها الاشتياق وعدم المعرفة الكاملة لأبعادها، وكذلك الذهاب والعودة فيما بينهما.
-الأغنية أبلغ من المشهد
كما ظهر توظيف آخر للأغنية بعيدًا عن كلماتها، في كونها مرتبطة ارتباط كلي بالعلاقة الحميمة بين عزت وميار، فالمرة الأولى لسماعها كانت في فضاء غرفة الفندق في زواجهما الأول، ببدايتها فقط، حيث سماع جزء بسيط منها، ومن ثم إغلاقها لأن العلاقة لم تحدث ولم تكتمل، وذلك لتأكيد ذلك الذهاب والعودة المتفق مع كلماتها من جهة، ولكن من جهة أخرى لربط الأغنية ارتباط شرطي بعلاقة الحب الجسدية بينهما، لذا ظهرت الأغنية مرة أخرى في الحلقة ال١٢ في إشارة واضحة لاستكمال العلاقة، بل واستمرارية الأغنية للمرة الأولى حتى نزول وانتهاء التترات، للتأكيد على حدوث العلاقة كاملة، ليس زواجًا منقوصًا نزلت معه الأغنية ناقصة في الحلقات الأولى، بل زواجًا كاملًا نزلت معه الأغنية كاملة حتى آخر اسم على تتر النهاية.
ومنها يتقدم مشهد حميمي بعذوبة بالغة، وإيحاء واضح دون محاولة الخجل منه ولكن بفنية من الممكن أن تعبر عن عذوبة العلاقة أكثر من عرضها فعلية على الشاشة.
نظرًا لاستشعار عدم الاكتمال السابق، والاستمتاع بـ استكمالها في حلقاته الأخيرة، استمتاع يوازي متعة البطلين معًا.
-جيل الـ سوشيال ميديا
مثلما اهتم محسن بفارق الأجيال البسيط في اختيار أغانيه، استهدف جيل آخر أيضًا لمغازلة نوستالجيته عن طريق رسم مشاهد تذكره بأفلام الألفينات لنجوم العمل، وسواء أكان هذا مقصودًا أم لا، لكنه متكرر وأحبه جيل آخر وبلوره بشدة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل مشهد يجمع آسر يس بأشرف عبدالباقي في العربية، ليذكر الجمهور الأصغر بأفلام مرحلة طفولته، مثل فيلم “على جنب يا سطى”، وكذلك مشهد سير مي عز الدين وهي ترتدي وشاحًا طويلًا على كتفيها، ونظارة شمس سوداء، للتذكير المباشر بدخولها الشهير في مشهد الجامعة بفيلم “عمر وسلمى”، وكذلك مشهد المكالمة الهاتفية بينهم وبين حبيبها من البلكونة، وجمع أكثر من مشهد للممثلة نفسها بين “عمر وسلمى وبوحة” وهي تنظر لحبيبها بنفس طاقة الحب من البلكونة، وأخيرًا مشهد أشرف عبدالباقي أثناء إعطاء نصر “بوكيه ورد” لمهجة، وهو في تكوينه يتشابه كليًا مع مشهد أشرف عبدالباقي الشهير في شخصيته الأشهر في السينما “مهيب” أثناء تواجده وسط ليلى علوي، وأحمد عز في فيلم “حب البنات” وعلى الرغم من أنها مغازلة لطيفة يستشعر فيها كل جيل على حدة أنه من الممكن أن يجد شخصيات تشبهه أو موافق تؤثر فيه، أو ذكرياته بين كل مشهد وآخر، إلا أنها أيضًا تخدم العمل في زيادة توضيح المعنى والاحساس من حالة المشهد، حيث استعادة فرحة مي عز الدين وهي تنتظر عمر بطلب الزواج، أو مغازلة بوحة لها ورغم اختلاف السياق تمامًا والشخصيات والبيئة، إلا أن استدعاء وتذكر الشعور من الممكن أن يعزز الشعور الآني بذاته ويعطيه وضوح وإحساس أكبر.
-تحية وتأكيد للمعنى
وأخيرًا استهداف ومغازلة شرائح وأعمار أخرى، من خلال عنوان الحلقات، حيث يكتب المخرج مع بداية كل حلقة عنوان عن الحدث الأهم بالحلقة، أمثلة “حب في الزنزانة، سلام يا صاحبي، أنا وأنت وساعات السفر” وغيرها من أفلام حقبة الثمانينيات والتسعينيات لمخرجين عدة كمحمد خان، عاطف الطيب، محمد فاضل، ونادر جلال، وغيرهم أولًا لتقديم تحية لكل هؤلاء الأسماء، لكنها لم تكن مجانية، بل هي في سياق خطة النوستاليجا الحاضرة دائمًا، بجانب كونها مشتركة مع الحدث الأهم بالفعل في الحلقة، حيث رسم مشهد حلقة “حب في الزنزانة” في لحظة وضوح مشاعر ميار كليًا تجاه عزت، بجانب كونه حب مقيد لم يكتمل، يتشابه جدًا مع حالة الحب الأصلية في الفيلم، لتعزيز حالة القيد واستعادة إحساسها بين العملين، وكذلك سلام يا صاحبي، كعنوان يعبر عن غضب عم نصر الشديد من صديق عمره الأستاذ شناوي، وذكر واستدعاء الفيلم الأصلي يأتي لتوضيح وتفسير مدى عمق هذه الصداقة، حيث أي استدعاء ما هو إلا مقوي لحالة المشهد داخل المشهد، وبالتالي فاستدعاء قوة الصداقة بين بركات ومرزوق التي تخلخلت لبعض الوقت بسبب وجود بطة، هي نفسها قوة العلاقة بين المذكورين التي تخلخلت بسبب وجود مُهجة، وربما تبشير بعودة العلاقات من جديد بينهما في المسلسل الحالي، على خطى الثنائي الموجود في الخلفية والذاكرة.
وعلى ذكر ثلاثي بطة ومرزوق وبركات، فالمسلسل يعي تمامًا أنه يقدم أطروحة درامية قائمة على بناء ليس بجديد، وبالتالي شجاعة منه أن يستدعي أغلب الأعمال الشهيرة التي قامت فيها قصص الحب على هذه الثلاثية، فحتى بخلاف ذكر هذه الأسماء، لم يتردد المخرج بعرض مشهد من فيلم “موعد على العشاء” لمحمد خان، وهي الثلاثية ذاتها، والتي تتوافق في كثير من النقاط مع شخصيات المسلسل، فكما هو متعارف عليه أن ثيمات الدراما ٣٦ ثيمة وبالتالي الفكرة لم تكن بجديدة بالتأكيد كأي فكرة درامية في أي وقت، ولكن المخرج أراد بلورة أنها أيضًا كثيرة العرض، أي عرضت مرارًا وتكرارًا والجميع يعلم ذلك، لكن آلية الطرح هي ما تميز العمل، لذا تم تدفيق هذا العنصر النوستالجي داخل المسلسل كخط لطرح القصة بأسلوب يخص العمل وحده، فهي قصة مكررة يُذكر على لسان شخصية ميار نفسها داخل العمل “زي فيلم عادل إمام كده” قاصدة به “زوج تحت الطلب” أي مكررة في عنصر “المُحلل” وفي عنصر بناء شبكة العلاقات، وبها تكرار مقصود في تصميم حركة الممثلين وبعض الاكسسوارات والملابس، لصناعة حالة أخرى آنية، أي حالة درامية تعي ما تفعله تمامًا، لتقدم جديدها من خلاصة كل هذا الإرث المذكور. بآلياتها الخاصة.
اقرأ أيضًا: قلبي ومفتاحه.. تطويع مبدع لمواقع التصوير الحية في قلب القاهرة
الكاتب
-
منار خالد
ناقدة سينمائية مصرية
ما هو انطباعك؟







