همتك نعدل الكفة
5٬482   مشاهدة  

كان أنيس منصور صحفيًا حاقدًا يقتل الموهوبين .. مترجم “وصف مصر” مثال فاضح

أنيس منصور
  • إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة



الشرفاء في الصحافة أحياء وإن قتلهم السفلة أمثال أنيس منصور ، زماننا أسوء وأجهل

 “زهير الشايب”

على طاولة صغيرة تشبه الطبلية في صالة شقته المتواضعة بالطابق الخامس في بناية قديمة لم يكن بها مصعد كهربائي، اعتاد الشاب النابغة الصحفي والأديب زهير الشايب أن يبدأ عمله متسللا بعدما يغفوا أطفاله الأربعة كل ليلة، كان يقوم بترجمة موسوعة “وصف مصر”.

بدأت القصة حين عقدت “الجمعية المصرية للدراسات التاريخية” في أبريل من العام 1974م مؤتمراً دولياً عن المؤرخ المصري “عبد الرحمن الجبرتي” وكان زهير الشايب من بين الحضور مع جمع من المتخصصين، وحين انتهى المؤتمر إلى التوصيات جاء من أهمها ضرورة ترجمة كتاب “وصف مصر”، وأُسندت المهمة إلي “المجلس الأعلي للفنون والآداب”، وهنا أعلن الشايب عن رغبته الجادة في المساهمة في هذا المشروع، فلما تعثر المشروع في دهاليز “المجلس”، صمم زهير على القيام بهذا العمل الضخم منفردًا كغيره من المخلصين لشغفهم والمتيقنين من رسالتهم.

 

إهداًء لمصر -كما كتب على مجلداته المترجمة- استطاع الشايب بإجادته التامة للغتين العربية والفرنسية ودأبه وجهده أن ينجح في القيام بعمل عملاق كان يلزمه فريقًا ضخمًا من المترجمين ومؤسسات كبيرة للترجمة والنشر لكنه استطاع وحده دون صخب ولا ضوضاء .

 

يفسر لك ذلك على سبيل المثال، السبب في نجاح تجارب صحفية صغيرة جدًا وبسرعة الصاروخ تحصد جمهورها الوفي وفي مقابلها تجارب ماسخة ميتة برغم ضخامة التمويل أو التموين لا فرق واستقرار الدعم، السر أن الموهبة الممتزجة بالشغف والإخلاص لا تقوى عليها أعتى الميزانيات مهما طال طابور الداعمين والمتكاتفين لإنجاحها.

 

زهير الشايب ابن البتانون بالمنوفية بدأ حياته المهنية مدرسًا للغة الفرنسية بعد أن حصل على دبلوم المعلمين من معهد شبين الكوم وانتسب فى الوقت نفسه بكلية الآداب جامعة القاهرة ليحصل على الليسانس عام ١٩٥٩ واضطرته الظروف للعمل بالتدريس فى مصر وسوريا ثم عدد من الوظائف الحكومية حتى عمل بالصحافة فى مجلة أكتوبر  وبقسم الخارجي فى جريدة الأخبار، لم يجلب له العمل بالأدب الأسى كما فعلت الصحافة التي لم يحتمل أشرارها وباروناتها الكبار والصغار تميزًا ووفاءًا ونبوغًا كالذي كان عليه زهير الشايب فانقضوا عليه كالضباع وتأزروا دون اتفاق.

من قصة زهير الشايب عبرة لجيلنا ولزملائنا أيضًا ممن يتلمسوا خطواتهم وعيونهم معلقة بمليون سؤال لماذا لا تكفي كل محاولات الإصلاح لتغيير المصير ولماذا يبقى حتى الزمن عاجزًا أمام ردع السفلة، ولماذا أيضًا يتوجب عليهم أن يصدقوننا عندنا نقول أن الضباع إلى زوال والأشراف خالدون بأعمالهم ومواقفهم وسيرهم الطيبة، لذلك اعملوا دون يأس فيقيني بالانتصار لا تشوبه شائبة.

لفت الأديب الشاب أنظار الكبار بأبحاثه ودراساته التي كان ينشرها بمجلة الإذاعة والتلفزيون فما كان من يوسف السباعي الذي كان يرأس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام في ذلك الوقت  إلا أن يوصي بتعينه بمجلة أكتوبر كما أوصى الأديب الكبير ثروت أباظة بالأمر  نفسه، غير أن الرياح لا تأي بما تشتهي السفن ومهنتنا المنكوبة منذ عقود لا تفسح المجال أمام أبناءها المخلصين.

 

واد هلفوت صحيح!

بهذه العبارة أنهى أنيس منصور لقاءه السريع مع الشايب حينما صعد لمكتبه ليهديه أول نسخة من الجزء الرابع من وصف مصر، لم يستطع رئيس تحرير مجلة أكتوبر أن يخفي حقده تجاه الصحفي والأديب المميز زهير الشايب الذي يعمل مرؤوسه وبإمرته ثم ما لبث أنيس منصور أن جمد قلم الشايب وأوقفه عن الكتابة بذريعة أن ذلك جاء وفق تعليمات سيادية لغرض سياسي  ومش بإيدي – ملمحًا بأنها أوامر السادات، وكأن الزمن لم يتغير كثيرًا، ولأن الله هو العدل أراد أن يكشف الحقيقة وترشح الشايب بعد مرور أسبوعين فقط من منعه من الكتابة لجائزة الدولة التشجيعية تقديرًا لمجهوده في ترجمة وصف مصر.

ظل الضبع يتربص بفريسته المسالمة التي لم تكن ترجو من الدنيا إلا أن يتركوها تعمل في صمت دون أطماع، كنت أعتقد أن هذا كافيًا ليرحل عنا الضباع إلا أنني كنت ساذجة فقد كان ذلك لُب ما يخيفهم ويقلق مضاجعهم.

لم يترك أنيس منصور جهدًا للسيطرة وإذلال زهير وعمل على عرقلة قبوله بلجنة قيد المشتغلين بنقابة الصحفيين ولولا تدخل مدير تحرير مجلة أكتوبر حينها الصحفي والكاتب جميل عارف – كتابه أنا وبارونات الصحافة – نجح عارف في إقناع  مجلس النقابة أن فصل أنيس منصور للشايب -في مكيدة محكمة- لا يعطيه الحق في حرمانه من القيد، وصدر قرار النقابة بإدراج الشايب بقوائم الصحفيين العاملين، بينما تم فصله من المجلة وترقيه ممثل اللجنة النقابية للعاملين بمؤسسة دار المعارف لعدم اعتراضه على قرار الفصل.

المكيدة تتطلب تلونًا ووضاعة لا يقوي عليها المخلصين، فقبيل نجاح أنيس منصور في التخلص من الشايب وفصله كان قد كتب مقالًا يثني فيه على موهبته ويمرر من خلال مقاله كيف أنه هو صاحب العبقرية الفذة الذي أوحى للشايب بضرورة ترجمة وصف مصر عن الفرنسية وهو الذي لم يعرفه أو يقابله إلا بعد أن نشر الشايب عددًا من أجزاء وصف مصر، كما أن منصور نفسه حمل خبر إعجاب الرئيس السادات بمقالات الشايب التي يكتبها عن سوريا ومصر وطلب جمعها في كتاب وهو ما حدث في أقل من ثلاثة أسابيع إثباتًا لحسن النوايا.

الجدير بالتأمل  أن يقرر المجلس الأعلى للفنون والأداب والعلوم الاجتماعية منح زهير الشايب جائزة الدولة التشجيعية في الترجمة إلى اللغة العربية من الأدب العالمي عن عام الفصل نفسه ١٩٧٩م

وحتى يبرهن الله عن قربه من عباده المخلصين وجبره لكسرهم يمنح رئيس الجمهورية الشايب وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى تقديرًا لحميد صفاته وجليل خدماته للترجمة إلى اللغة العربية، كما ورد في براءة المنح.

يحاول الضباع دائما إبعاد شبهة الخسة عنهم والتغطية على سواد القلوب والردم على الأحقاد حتى تجيئ اللحظة الحاسمة التي يتمكنوا فيها من فريستهم دون فرصة نجاة واحدة.

– أصدقك وأعلم أنك شهدت مثل هذا الأسى أو كنت شاهدًا على ذبح أحدهم أمام ناظريك وعلى أغلب الظن سكت.

توسطت جيهان السادات لدى الرئس في إنقاذ الشايب وحمايته بعد أن طلب منها أحد أساتذته بأن تكف شر أنيس منصور عن زهير خوفًا على موهبته في الترجمة ورغم معرفتها بقرب أنيس منصور من السادات لكنها أيضًا تدرك أن السادات ربما يستمتع بصحبته ويجالسه لكنه لم يكن يفضل صحفيًا دون الآخرين ولم يكن له مقربًا بالمعنى الذي شكله محمد حسنين هيكل للرئس جمال عبد الناصر وربما كانت هذه هي عقدة منصور التي لم يتجاوزها أبدًا.

المهم أمر السادات بوضعه تحت حماية موسى صبري في الأخبار وتحت سيطرته في الوقت نفسه.

وكما العادة في كل مكان وبيئة عمل صحفي رحب مصطفى أمين بانضمام الشايب للأخبار واقترح أن يتولي الشايب تحرير اليوميات في الصفحة الأخيرة والتي كان يحررها أنيس منصور قبل أن يغادر لرئاسة تحرير مجلة أكتوبر.

رفض موسى صبري طلب مصطفى أمين ليس فقط إرضاء لأنيس منصور بل إخلاصًا للقاعدة التي تحمي البارونات وشلل كبار الفساد الذين إن غضبوا على صحفي جعلوه مكروهًا من الجميع منبوذًا ومحاصرًا حماية لمصالحهم ودفاعًا عن وجودهم، أوصى موسى صبري بعمل زهير الشايب بالقسم الخارجي ثم داوم على إهانته وتحقيره أمام الجميع.

إقرأ أيضا
المغامر محمد وجيه

حتى جاءه عرض عمل في عُمان حمله إليه زميله الصحفي بمجلة أكتوبر في ذلك الوقت ويدعى سيد نصار، ولم يضيع الشايب العرض وحزم أحلامه مع متاعه وأسرته وفر هاربًا من أنياب موسى صبري ورحل عن الأخبار بإجازة لم يكن يعلم أن ما ظنها فرصته الأخيرة كانت رحلته الأخيرة للهروب من شر الحاسدين وطغيان الضعفاء.

خلال أول  اجتماع لوزير الإعلام العماني الذي كان يتوقع صدور مجلته سريعًا مع تزامن مناسبة وطنية صارحه الشايب بأن ما يطلبه هو المستحيل بعينه وقدر له طاقة العمل والوقت المطلوب والذي كان مغايرًا لوعد واتفاق سيد نصار مع الوزير – بدا للشايب أن سيد نصار عمل للوزير من البحر طحينة –

لم يجد نصار غير أن ينكر أمام الوزير صحة ما قاله زهير وأضاف أنه تفاجئ بميوله اليسارية والمتطرفة وأنه مصري متعصب ولم يكن جديرًا بترشيحه.

انتهت رحلة زهير الشايب في عُمان بأقل من شهرين وفي المطار عائدًا بخيبته وكسره للقاهرة تم إبلاغه بأن سبب الاستغناء  عنه جاء لعدم كفاءته وأنه غير مستحق لأي تعويضات بعكس ما جاء في عقده.

انكسر قلب الصحفي والأديب وانزوى بعيدًا عن محل سكنه خشية سخرية الأهل وخوفًا من استرجاع المالك للشقة التي كان يستأجرها زهير في حال تشكك في قدرته على دفع الإيجار وسريعًا صعدت روحه النقيه إلى السماء بعد ذبحة صدرية سببها الحزن.

أصدر زهير في حياته سبعة أجزاء من ترجمة كتاب وصف مصر أما الجزئن الثامن والتاسع فكانا معدين للطبع وصدرا بعد وفاته في حين ترك الجزء العاشر مسودة جمعته وراجعته ابنته الدكتور مني الشايب وصدر باسمه مع مقدمة تؤكد مراجعتها.

وبالبحث وراء مصير سيد نصار الذي افترى على زهير لدى الوزير العماني علمت أنه انخرط في علاقة مريبة مع المخابرات العراقية لسنوات في زمن صدام وكان يتفاخر بالصداقة الشخصية التي تربطهما معًا حتى أنه ذكر بموقع إيلاف أن آخر لقاء لصدام حسين كان معه.

ولقد نشرت مواقع عراقية مستندات تثبت زيارته للعراق عام ٢٠٠٢ وفواتير تم سدادها عن زيارته وإقامته من قبل الأمن العراقي واتهمه العراقيين بالتخابر مع الاستخبارات العراقية، أما عن عمله بمجلة أكتوبر فقد تم رفض التجديد له بعد سن المعاش غالبًا لأن ريحته فاحت وانتهى زمان من كان يحتمي بهم.

في احتفال معرض القاهرة للكتاب بدورته الخمسين في يناير ٢٠١٩ أصدرت الهيئة العامة المصرية للكتاب كتاب وصف مصر مطبوعًا كاملًا بأجزاءه السبعة والثلاثين للمرة الأولى بعد سنوات من نفاذ الكتاب المترجم الذي طبع مجزءًا عام ٢٠٠٦ ضمن مشروع مكتبة الأسرة، طرحت الهيئة العامة المصرية للكتاب الأجزاء كاملة في صندوق أنيق وأتاحتها للجماهير وعليها نقش اسم زهير الشايب ومني زهير الشايب، وقد أهدى معرض الكتاب المجموعة كاملة للرئيس عبد الفتاح السيسي بمناسبة افتتاحه المعرض، وهي مفارقة تعيدني لكتاب أنيس منصور (  في تلك السنة  ). حينما حاول باستماتة الحصول على تمويل من أمير خليجي ليقوم بتأسيس فريق عمل أو مؤسسة تقوم على ترجمة وصف مصر كاملًا حتى يهديه للرئيس محمد حسني مبارك عند افتتاح فندق سميراميس متجاهلًا ما أنجزه زهير الشايب قبل موته لوحده فلما عاندته الفرص التقى أنيس منصور بأرملة زهير الشايب السيدة عفت شريف وأراد أن يحصل منها على تنازل بحق استغلال الأجزاء التي أنهى زهير الشايب ترجمتها وقال في كتابه أنها رغم طلبه ذلك  أكثر من مرة لم تعلق أو تتجاوب رغم لم يكن قد قرأ شيئًا من ترجمة وصف مصر لزهير الشايب قبل أن يلتقيها !

حسبي الله ونعم الوكيل هي الجملة التي اختتمت بها السيدة عفت الشريف رسالتها لنقابة الصحفيين شاكية الظلم الذي وقع على زوجها وتسبب في موته ..  والله سمع يا ست عفت .

 

الكاتب

  • أنيس منصور رشا الشامي

    إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة






ما هو انطباعك؟
أحببته
48
أحزنني
31
أعجبني
26
أغضبني
7
هاهاها
0
واااو
6


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (5)
  • ايضا كان انيس منصور من اعز اصدقاء اسرائيل. وكانت لديه جرأة ووقاحة في الدفاع عن اسرائيل وحتي عن مذابحها في الفلسطينيين وكنت اقول ان انيس منصور هو في الواقع سفير اسرائيل في مصر

  • مقال يمثل مفاجأة بل صدمة، حيث كنت في طريقي للبدأ في قراءة أرواح و أشباح لأنيس منصور ، و لكني فقدت الشغف. و الآن أبحرت في ماضي متسائلا ، كم مرة كنت انا زهير الشايب و كم مرة قابلت أنيس منصور ؟

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان