همتك نعدل الكفة
7٬312   مشاهدة  

فيلم العملاق.. المثقف الشيطان في مواجهة عادات وواقع المجتمع المصري المتردي

فيلم العملاق


ناقش فيلم “العملاق” أحوال المجتمع المصري في فترة الثمانينات، وقد تتشابه هذه الظروف بما يعانيه المجتمع المصري حاليا، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة ومجحفة، وتٱكل الطبقة المتوسطة وانتهازية الطبقات الأكثر ثراء، واعتلاء موجات التردي والتسطح من قبل الشخصيات التي فقدت إنسانيتها، وفقدان فطرة الفرد المصري وأخلاقه ومبادئه تحت وطأة الوقت الحالي وصعوباته وتفشي الجهل وانحدار الوعي وتخلي السينما عن دورها الحقيقي.

سينما الماضي

لم يتح هامش كبير من الحرية للسينما المصرية لطرح ومناقشة الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي المصري برؤى شاملة ومتحررة، دون خوف، بل كانت مقيدة بقرارات وقوانين فرضتها الرقابة عام ١٩٤٧ بوضع ٦٤ شرطًا يحظر تناول السينما للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المصري.

ظلت هذه القيود دون تعديل إلى أن نُسخت بقانون عام ١٩٥٥ لتنظيم الرقابة على الأغاني والمسرحيات والمونولوجات ولوحات الفانوس السحري وأشرطة التسجيل الصوتي والأسطوانات، حتى التعديلات التي طرأت فيما بعد كان ظاهرها الحرية وباطنها نفس القيود.

لذا في العهدين الناصري والساداتي لجأ السينمائيون إلى سينما الماضي، لنقد السياسات والأوضاع الاجتماعية التي ولت، ففي عهد”ناصر” انتقدت السينما الفقر والأوضاع المتردية في عهد الملك والاحتلال.

بعد نكسة 67 عندما أعطى جمال عبد الناصر الضوء الأخضر لإنتاج أفلام سينمائية تنتقد السياسات والفساد ومراكز القوى، ظهرت أفلام مترددة في نقد الأوضاع، فعمل المخرجون والمؤلفون بدافع الحيطة والحذر.

وفي فترة السبعينات بداية عهد الانفتاح الاقتصادي، تٱكلت الطبقة المتوسطة وهبط معظمها لمواطني الطبقة المعدمة والفقيرة، وتوحشت الطبقات الأكثر ثراءً، وهو ما أثر على الوضع الثقافي والفكري في مصر، فالطبقة المتوسطة  المشغولة بالقراءة والإطلاع والفنون، لم تعد قادرة على دفع ثمن تلك الخدمات، وانصرفت عنها.

لذا ظهر تيارين، الأول سُمى بـ” الوعي والتنبيه”  والثاني كان تيار سينما الانفتاح”المقاولات” تحكم فيها الموزع العربي، الذي سيطر على سوق الإنتاج السينمائي المصري، وفرض قيوده عليه، من خلال متطلبات معينه يتطلع إليها الجمهور الخليجي، مع مراعاة القيود الرقابية التي تفرضها الدول العربية أيضا، لذا زادت القيود على السينما وأصبحت من الداخل والخارج.

نجح تيار “التنبيه والوعي” في السبعينات في إنتاج عدة أفلام تثير الوعي، وتوقظه وتعيد تحرير فكره وتدفعه ليتعامل مع واقعه بشكل أفضل، وتبين التناقضات التي يعاني منها المجتمع المصري وقتها. وهذا لا ينفي سيطرة تيار الانفتاح والسينما الجديدة التي تهدف للربح وإثارة الغرائز والشهوات عن طريق الإسفاف والابتذال.

فيلم العملاق وتردي الواقع المصري

وفي أواخر تلك الفترات ١٩٨٧ أنتج سعد شنب من إخراج أحمد السبعاوي فيلم”العملاق”، تأليف فاروق سعيد، بطولة عادل أدهم، صلاح السعدني، رغدة، سوسن بدر، وعدد من الفنانين المشاركين بأدوار ثانوية لعل أشهرهم حمدي الوزير.

تدور قصة فيلم “العملاق” حول دخول أحد المثقفين والكتاب المشهورين السجن بتهمة شيك مزور ويتلقي بعامل المطبعة داخل السجن الذي حُكم عليه بالسجن مدة ثلاث سنوات بعدما ضرب شخصًا تحرش بزوجته وأحدث له عاهة مستديمة.

فيلم العملاق
فيلم العملاق

أحمد السبعاوي مخرج “العملاق” رحل عن عمر يناهز ٩٠ عامًا، لم يحظى بحفاوة أو تقدير لأعماله السينمائية أو الدرامية، أخرج أعمال عديدة مع عادل إمام منها، “المتسول”، “عنتر  شايل سيفه”، “أنا اللي قتلت الحنش”، “رمضان فوق البركان”، وله عمل درامي متميز وهو مسلسل”العصيان” بجزأيه الأول والثاني، وكانت ابنته منال السبعاوي قد اعتزلت الفن.

المخرج أحمد السبعاوي
المخرج أحمد السبعاوي في كواليس مسلسل العصيان

طرح فيلم “العملاق” عدة قضايا شائكة وعديدة، بداية من ظهور عادل أدهم بشخصية الكاتب والمثقف الشهير “زكي الإسناوي”، الذي دخل السجن ظلمًا في قضية التزوير.

لحظة دخول على مأمور السجن يقف له احترامًا:” الكاتب والمثقف اللي تعلمنا منه كلنا يدخل السجن” فيرد: أكيد حضرتك تحبست في كلية الشرطة أيام دراستك، وأيام الحبس دي هي اللي علمتك مترتكبش الخطأ ده بعد خروجك، لإنك طول مدة حبسك بتعيد تفكيرك في جريمتك وغلطتك”.

يلتقي عادل أدهم “زكريا الإسناوي” بصلاح السعدني الذي يجسد شخصية”عامل مطبعة كتب” في الزنزانة فيقف احتراما أيضا، ويعترف لعادل أدهم”زكي الإسناوي”بأنه قد تعلم منه ومن كتبه، وتشكل وعيه، أثناء طباعته لها في مطبعة والده، ويشير على حائط الزنزانة لعبارات كتبها”السعدني” من كتب زكريا الإسناوي ومنها مثلا” الإنسانية هي أن تكون ثقافة الشخص هي نفس سلوكه”.

مشهد من فيلم العملاق
مشهد من فيلم العملاق

يحرض  الفيلم منذ بدايته على ضرورة الارتداد للقيم والمبادئ وضرورة الالتفات للثقافة والتنبيه تجاه وعي سليم وصحي.

المثقف الشيطان

كما يكشف من خلال تحولات الشخصيات الدرامية داخل فيلم “العملاق” عن الوجه المزيف المثقف الشيطان”عادل أدهم” الذي يحاول إقناع صلاح السعدني “حسن” باستغلال فرصة السماح له بمدة ١٢ ساعة لزيارة والده بعدما تهدم منزلهم وسكنت زوجته سوسن بدر “باتعه” ووالده وابنته داخل المقابر.

إقرأ أيضا
حزب الله المسيطر على الحدود اللبنانية
مشهد من فيلم العملاق
مشهد من فيلم العملاق

بفطرة ووعي المواطن الشعبي الذي كسب عادات وقيمه من خلال الممارسة الفعلية الصادقة يرفض صلاح السعدني “حسن” ويكشف عن الوجه القبيح المثقف الذي يبرر لنفسه فرصة الهرب بدافع من زوجته”رغدة” التي تزوجته طمعا في شهرته وأمواله كما اتفقت مع شقيقها على استغلال المنزل وتحويله لملهى ليلي، بعدما كانت تقيم فيه رفقة زوجها”عادل أدهم” والذي كان يسميه”دار الفكر”.

يبين المخرج أحمد السبعاوي، التناقضات بين المثقف الحقيقي والمشيطن، في مشهد ظهر فيه عادل أدهم وهو يودع صديقه ويخبره بفكرة الهروب للخارج، ويعبر عن يأسه من ظروف السجن، ويذكره بأيام النكسة التي كانوا يزيفون فيها الحقائق حسب هوى النظام، لكن صديقه يرد:” حقيقي، عملنا كده، جات الفرصة وتحررنا وبقينا نكتب بحريتنا فنسيب الفرصة ونهرب، نخون الناس ووعيهم، إنت لو هربت اعتبرها قطيعة بيني وبينك”.

كما يظهر تناقض ٱخر وتحول مجتمعي يعبر عن تدهور وعي الفرد المصري الذي اتجه لقراءة كتب الطهي والجنس وكتب الثقافة المستهلكة، من خلال مشهد مقابلة صلاح السعدني للمالك الذي اشترى مطبعة والده.

يقول “المالك” الذي جسد شخصيته الفنان حسين الشربيني “زينهم”:” مبقيناش نطبع غير جدول الدوري وأهلي وزمالك، وكتب وصفات الأكل، وبقيت أشتري صور عريانة بقرشين صاغ وأبيعها باتنين جنيه تمن حقنة علاج والدك، تعالى اشتغل معايا، ده حتى سور الأزبكية حاله تدهور، تعالى نركب الموجة، وهخليك تشتري عربية وتقب ع وش الدنيا وأهرب من السجن وأنا هخبيك هنا”.

مشهد من فيلم العملاق
مشهد من فيلم العملاق

يرفض صلاح السعدني”حسن” مستنكرًا:” أنا أطبع كتب جنس وطبخ، بعد ما طبعت القرٱن والإنجيل بأيدي، أنا أتاجر في المخدرات والفراخ الفاسدة ولا ألوث عقول الناس، الفراخ والمخدرات هنعالجها، لكن عقول الناس تبوظ دي مصيبة وكارثة، حتى لو أنا وافقت، صوابعي مش هتقدر تطبع كتب تدمر عقول ووعي الناس”.

كما يشير فيلم “العملاق” إلى انتهازية زوجة عادل أدهم التي جسدت شخصيتها رغدة “منى”، من خلال محاولة فرض سيطرتها من خلال مشاعر حب مزيفة وخادعة، مقابل مساندة وشهامة سوسن بدر”باتعه” زوجة صلاح السعدني “حسن” التي حملت هموم تدبير أحوال والده وابنتها ومحاولة تطمين صلاح السعدني “حسن” أثناء فترة سجنه، وظهرت بأخلاق ومبادئ السيدة المصرية الأصيلة التي لم تنحني للظروف رغم صعوبتها.

مشهد من فيلم العملاق
مشهد من فيلم العملاق

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
14
أحزنني
2
أعجبني
5
أغضبني
2
هاهاها
2
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان