همتك نعدل الكفة
1٬524   مشاهدة  

كان مع الله.. اللحظات الأخيرة في حياة طه حسين

طه حسين


بدأت الأيام الأخيرة في حياة الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي مع مطلع عام 1961، وكان وقتها في عمر الثانية والسبعين عندما أجريت لع جراحة عاجلة.

يحكي الدكتور محمد حسن الزيات عن ذكرياته مع طه حسين، أن الدكتور محمد كامل حسين خرج من المنزل إلى الحديقة مع طه حسين بعد أن فحصه فحصًا شاملًا، واقترح نقله إلى المستشفى فورًا، العمود الفقري يحتاج لعملية ضرورية وإلا سيواجه طه حسين خطر الشلل.

طه حسين

اقترح أن يجرى العملية أستاذ من أساتذة العالم، جراح الأعصاب السويدي أوليفا كرونا، ف مستشفى الطيران، وتدخلت ابنة عميد الأدب العربي، قائلة: متى؟ رد “حسين”: حالًا، وفي مستشفى الطيران استغرقت العملية ساعتين ولم يشارك مع اوليفا كرونا، سوى الدكتور البنهاوي وطاقم “أوليفا” السويدي.

نُقل عميد الأدب العربي إلى غرفة الإنعاش بعد العملية.

منذ تلك اللحظة لم يتوقف المرض في جسد طه حسين، وتدهورت صحته، وتابعت الصحف وقتها حالته، وكتبت جريدة الأهرام عام 1963، تقول:”أن العميد أغمى عليه مرتين في يوم واحد، حيث أصيب بدوار أعقبه إغماءة أثناء وجوده في مجمع اللغة العربية، وانتقل إلى إسعافه في هذه اللحظات الدكتور أحمد عمار عميد كلية الطبق السابق، والدكتور محمد سليمان مدير الجامعة الأزهرية، وعمره الآن 74 عاما، وظل بمجمع اللغة العربية حتى عاد إلى منزله بعد أن تحسنت حالته”.

وبعد شهر من الواقعة، كتبت جريدة الأخبار، تقول أن أزمات المرض بدأت تعاود الدكتور طه حسين باستمرار وأنه اضطر لذلك أن يعقد عدة اجتماعات أدبية في فيلته “رامتان” وهو نائم في سريره.

كما أضافت “الأخبار”، أن عميد الأدب العربي أبلغ سكرتيره الخاص أنه ممنوع مقابلته أو زيارته لأنه لم يغادر الفراش منذ منتصف سبتمبر الماضي، ومنذ أن خرج من المستشفى بعد إجراء العملية الجراحية في العمود الفقري وأنه يقضي يومه مستلقيًا على السرير في حجرته بالطابق الأول.

وكان الأديب الراحل يقضي بعد أوقاته التي يشعر فيها بالانتعاش في حديقة فيلته لمدة ساعة أو نصف الساعة، وكان يلازمه فريد شحاتة سكرتيره وسائقه الخاص حسين مصطفى شبانه الذي ارتبط بالعميد منذ عام 1944.

وفي تلك الفترة عانى عميد الأدب العربي من أمراض العمود الفقري وأمراض الشيخوخة، كما عاني مع فراق الأحبة من زملاء الأدب والنقد، حيث زاده رحيل صديقه “العقاد” في عام 1964 ألما فوق آلامه الكثيرة.

فقدان العقاد

ويذكر “الزيات”، أن الدكتور طه حسين كان يتحدث في التليفون إلى منزل عباس العقاد، فأبلغوه خبر وفاته، عندها نادى على سكرتيره الخاص ليملي عليه مقالًا عن “العقاد” يُنشر في جريدة الجمهورية.

وبعد أن انتهى من الإملاء طلب من السكرتير أن يتركه بمفرده، ولا يدخل عليه أحد، إلا أن زوجته السيدة سوزان دخلت عليه بعد قليل، وتساءلت عن السبب، فيما قاله سكرتيره، قال العميد: “نموت قليلًا عندما يغادرنا في هذه الدنيا الأهل والأصدقاء، لقد كنت بالأمس أذكر الأعضاء العشرة الذين دخلت معهم المجمع عام 1940، لقد ودعنا الآن لطفي وهيكل وعبد العزيز فهمي ومصطفى عبد الرازق، كما ودعنا على إبراهيم والمراغي وعبد القادر حمزة وأحمد أمين، والآن “العقاد”، ولم يبق على قيد الحياة من الزملاء العشرة سواي”.

طه حسين

ومما زاد ألم الأديب الراحل ألما فوق آلامه عندما استغنوا عنه كصحفي وكاتب وكرئيس لتحرير جريدة الجمهورية في الفترة نفسها، وعبر عن تلك الفترة بقوله:”منذ فترة استغنوا عن خدماتي، علمت بذلك من خطاب وصلني بالبريد وقد جاء فيه أن الجريدة تستغني عن خدمات عدد من المحررين ومن بينهم طه حسين”.

طه حسين

وفي العام نفسه أعلن الرئيس جمال عبد الناصر منح العميد قلادة النيل بمناسبة الاحتفال بعيد العلم، ولم يتمكن من حضور الحفل لتسلم القلادة لمرضه، فأوفد الرئيس جمال عبد الناصر الأمناء إلى “رامتان” ليتسلم العميد قلادته.

وظل العميد على مدى سنوات آلامه إلى وقت رحيله عام 1973، وهو نصف نائم على سريره بحجرته بالدور الأول في فيلته، ففي عام 1970 اعتذر عن رئاسة اللجنة الثقافية لشدة مرضه، ولكن مجلس الجامعة يقرر في شهر مارس من العام نفسه وبالإجماع تمسكه برئاسة طه حسين للجنة لأن العمل الثقافي العربي بحاجة لعلمه وخبرته.

طه حسين

كما عتب في الوقت ذاته على كثير من الكتاب المصريين لأنهم لم يعودوا يرسلون إليه كتبهم وأعلن ذلك في بعض أحاديثه.

يوم الرحيل 

ويقول الدكتور “الزيات”، أنه في فجر اليوم الثامن والعشرين من شهر أكتوبر عام 1973، بتوقيت نيويورك، وهو يوم رحيل طه حسين طلبني مدير مكتبي في وزارة الخارجية بالقاهرة السفير محمد شكري لينعي إليّ طه حسين”.

وامتلأت “رامتان” عن آخرها، فاستقبلت يوسف السباعي وزير الثقافة، صوفي أبو طالب وكيل جامعة القاهرة، وكان “السباعي” يرى أن تشييع الجنازة من جامع عمر مكرم، لكن “الزيات” فضل أن تشيع الجنازة من جامعة القاهرة.

وتجمع المشيعون في قاعة الاحتفالات الكبرى في الجامعة، واحتشد الموكب عن آخره، وحسين الشافعي ومحمد فوزي نائبا الرئيس يحاولان استبقاء مؤنس طه حسين الذي أسرع بالحضور من باريس لتشييع الجنازة في الصفوف الأولى، رغم الزحام الشديد ورجال الدولة في مصر وممثلو الدول الأجنبية فيها، ثم زملاؤه في المجمع في الجامعات وتلاميذه.

طه حسين

وانضمت جماهير من الشعب، يعبرون معه النيل من الغرب إلى الشرق ويقفون ألوفا خارج مسجد صلاح الدين، حتى تصلى عليه صلاة الجنازة.

شهادة سوزان

وتسجل السيدة سوزان طه حسين، اللحظات الأخيرة، فتقول، أنه في يوم السبت 27 أكتوبر، الثالثة من بعد الظهر شعر بالضيق، كان يريد أن يتكلم، لكنه كان يتلفظ الكلمات بعسر شديد وهو يلهث، وناديت طبيبه والقلق يسيطر عليّ، لكني لم أعثر عليه، فركبني الغم، وعندما وصل كانت النوبة قد زالت، وكان طه قد عاد إلى حالته الطبيعية، وفي تلك اللحظة وصلت برقية الأمم المتحدة التي تعلن فوزه بجائزة حقوق الإنسان، وانتظاره في نيويورك في العاشر من ديسمبر لتسلم الجائزة، وكان الطبيب هو الذي قرأها له، مهنئًا إياه بحرارة، غير أنه لم يجب سوى بإشارة من يده كنت أعرفها”.

إقرأ أيضا
طه حسين

وتواصل “سوزان”:”كانت تلك الإشارة تعني، وإيه أهمية ذلك؟، وكانت تعبر عن احتقاره الدائم، لا للثناء والتكريم، ولا للأنوطة والأوسمة والنياشين”.

طه حسين

حقنه الطبيب بالكورتيجين، وأوصاه أن يتناول بعض المسكنات الخفيفة في الليل، غادر بعد أن طمئن “سوزان” على الأديب الراحل، ثم غادر السكرتير الخاص به في الثامنة والنصف، وبقيت “سوزان” بمفردها، وطلب منها طه حسين أن يستلقي على ظهره، لكنه كان مستحيلًا بسبب ظهره المسلخ، لكنه كان يتوسل كالطفل الصغير قائلًا:”ألا تريدين، ألا تريدين؟”.

وبعد قليل، قال لها “طه”: أنهم يريدون بي شرا، هناك أناس أشرار، فسألته من؟ رد : كل الناس، فسألته: حتى أنا؟ قال: لا، ليس أنت. ثم قال بسخرية مريرة: إية حماقة، هل يمكن أن نجعل من الأعمى قائد سفينة؟

ثم تناول يد “سوزان” وقبلها.

وجاءت الليلة الأخيرة، نادى على “سوزان” عدة مرات، لكنها لم تستجب، لأنه كان يناديها في بعض الأوقات بلا مبرر في أوقات كثيرة، وكانت حينها مرهقة ، فنامت، ولم تستيقظ، تقول:”هذه الذكرى لن تكف عن تعذيبي”.

وفي السادسة صباحا، جعلته “سوزان” يشرب قليلا من الحليب، وتمتم ببعض الكلمات، ونزلت، ثم صعدت مرة ثانية مع صينية واقتربت من سريره وناولته ملعقة من العسل بلعها، وكان وجهه شاحبا، ثم وضعت على الطاولة وجهزت قطع البسكويت، لكنه التنفس والنبض توقف.

طه حسين

حاولت مساعدته، لكنها فشلت، فنادت الدكتور غالي، ووصل بعد نصف ساعة، وجلست قرب عميد الأدب العربي، مرهقة متبلدة.

اقتربت من يده تنزع خاتم الزواج، واغلقت اليد التي كانت تمتد إليها دوما، وكأنها تقول:” إلى اللقاء”.

تقول سوزان طه حسين:” ليس من الممكن أن يتصور المرء أنه كان ثمة احتضار، لا، فقد كان اليوم يوم أحد، اليوم الثالث من رمضان، ساعة الفجر، ساعة التجلي الإلهي، وإني على ثقة من أ، الله كان يصبحه على هذا النحو دون أن استشعر ذلك، إذ ما شأني فيما يجري بينهما؟”.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
2
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
2


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان