
لماذا توقفت في موقع الميزان عن تغطية مسلسل معاوية؟

-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
منذ عام 2019 وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم تغب عني في موقع “الميزان” أيّ دراما تاريخية عُرضت، فقد كنت أتابعها عن كثب، مُقدِّمًا تقارير يومية أو أسبوعية، بغض النظر عن مستواها الفني، مقتصرًا في تغطيتي على الزاوية التاريخية فقط.
أُدرك جيدًا أن الدراما لا تلتزم بحرفيّة التاريخ، وكثيرةٌ هي الأعمال التاريخية التي وقعت في أخطاء فادحة، ومع ذلك تابعتها، لا لشيء سوى أن لها صدى واسعًا وجمهورًا متابعًا، وكان لزامًا عليّ تسليط الضوء على الجوانب التاريخية فيها، حرصًا على نشر المعلومة الصحيحة، لكن مسلسل “معاوية” لم يندرج ضمن هذه الفئة، إذ لم يحظَ بتلك الأجواء التي تستدعي التغطية والمواكبة.
لماذا توقفنا عن تغطية مسلسل معاوية ؟
تتباين الآراء حول الغاية من الدراما؛ فهناك من يراها رسالةً تحمل مضامين ثقافية وتوعوية، وآخرون يرونها محض ترفيه، فيما يعتبرها فريق ثالث مجرد صناعة تهدف للربح، وبصرف النظر عن صوابية أيٍّ من هذه الرؤى، فإن مسلسل “معاوية” لم يحمل في طيّاته أيًّا من هذه الأبعاد، مما جعل تغطيته أمرًا بالغ الصعوبة.
في الأعمال الفنية، لا سيما التاريخية منها، تجد نفسك مأخوذًا بعناصرها المختلفة، فإن لم يرقَ لك الإخراج، فربما يجذبك الأداء التمثيلي، وإن لم يستهوِك التمثيل، فقد يشدك الحوار، وإن خذلك الجميع، فستجد في الموسيقى بعض العزاء.
لكن مسلسل “معاوية” حتى اللحظة لم يقدّم أيًّا من هذه المتع؛ فالأداء التمثيلي يفتقر إلى الإتقان باستثناء حالات نادرة (طبعًا بطل المسلسل ليس فيها) والحوار لم يحمل ما يشدّ الانتباه، أما الإخراج، فلستُ ضليعًا في نقده، لكنه لم يمنحني الدافع للاستمرار في المشاهدة، وذلك في حد ذاته أول سبب لصرف النظر عنه.
أما ثاني الأسباب التي تحول دون متابعتي للمسلسل، فهو افتقاده “للروح”، لا أرغب في مقارنة عمل فني بآخر، لكن حتى الحلقة الثامنة، لم أتمكن بعدُ من تحديد الهوية الزمنية التي ينتمي إليها المسلسل؛ فديكوراته، وأسلوب التمثيل، والحوار لا تعكس إطارًا زمنيًا واضحًا، في مشاهد المدينة المنورة، يُخيَّل إليّ أنني أمام تصوّر منقول بتصرّف عن ديكورات مسلسل “الزير سالم”، الذي تدور أحداثه في العصر الجاهلي، بينما في مشاهد دمشق، يراودني الإحساس بأنني أتنقل بين أروقة “الأندلس”، لا بين أجواء عهد الدولة الراشدة، ولا حتى ملامح العصر الأموي، الذي لم يظهر بعد في الأحداث.
أما ثالث الأسباب التي دفعتني إلى العزوف عن متابعة المسلسل، فهو الرسالة التي يحملها، والتي حتى الآن غير واضحة أصلاً، فلا شك أن فكرة “معاوية” تحمل جاذبية كبيرة، فهو يتناول شخصية مثيرة للجدل في حقبة تاريخية شديدة التعقيد، لكن حتى الآن، يبدو أن العمل قد فقد بوصلته، نتيجة قفزاته الزمنية المتسارعة وضعف الحوار والسيناريو، مما جعله يفتقر إلى الاتجاه الواضح الذي كان ينبغي أن يتبعه.
وربما يعود هذا إلى النهج الذي أعلنه خالد صلاح بقوله: «في “معاوية”، لم نكتب التاريخ بمنطق المنتصر والمهزوم، لم نبحث عن الحقيقة في صياغاتها الجامدة، بل حاولنا أن نرى الإنسان خلف السياسة، وأن نعيد قراءة القصة بعيدًا عن صخب الروايات المتضادة»، بالتالي من هذا النص نعرف أن المسلسل لا هوية له.
رابع الأسباب، الأخطاء التاريخية الفجة التي من المرشح أن تزيد بعد سلسلة من الأخطاء البديهية التي وقع فيها العمل، فجميعها تجعلنا نسأل لماذا وقع المسلسل بهذه الميزانية الضخمة في مثل هذه الأخطاء الغريبة والعجيبة.

أما خامس الأسباب، وهو الأخير، فهو المنشور الذي كتبه كاتب المسلسل، الصحفي خالد صلاح، وليته صمت، فقد احتوى منشوره على كمٍّ من المغالطات التاريخية والمنطقية، ما يثير التساؤل حول مصداقية العمل الدرامي نفسه، ويجعلنا نتوقع أن تكون الأخطاء فيه بحجم الهفوات التي وردت في المنشور.
على سبيل المثال، استعرض خالد صلاح في منشوره التحولات الكبرى التي طرأت على حياة معاوية بن أبي سفيان بأسلوب صحفي مقبول، فتحدث عن نشأته في بيت يعج بالعظمة من جهة الأب والأم، قبل أن تنقلب الأمور فجأة مع ظهور الإسلام، إذ هاجرت أخته إلى الحبشة مع زوجها، وقُتل جده وخاله وعم أمه في غزوة أحد، ثم دخلت أمه الإسلام لاحقًا.
لكن المدهش أن هذه التفاصيل لم تظهر في المسلسل على الإطلاق، فقد كانت السرعة والتجاوز عنوان السيناريو، فتم اختزال غزوتي بدر وأحد، ولم يُقدم أي مشهد يعكس هذه التحولات الجوهرية. بل إن الكاتب وقع في خطأ عندما تحدث عن أخت معاوية بطريقة غير دقيقة.
وإذا قارنا بين محتوى المنشور وما عُرض في المسلسل، سنجد ليس فقط تناقضًا واضحًا يجسد الفجوة بين ما كُتب نظريًا وما تُرجم إلى مشاهد درامية.
في الختام
فإن ميزانية مسلسل معاوية أكبر من تأثيره، وتأثيره أقل بمراحل من انتشاره، وما في المسلسل أقل بقليل من من الجدل والصخب الذي صاحب الإعلان عنه، وعليه فمن الصعب تغطيته بشكل بحثي احترافي.
“دراما أم أخطاء؟” 5 اختزالات في الحلقة الأولى من مسلسل معاوية وقراءة لمشهد غزوة أُحُد
لهذه الأسباب وقعت الحلقة الثانية من مسلسل معاوية في أخطاء
الحلقة الثالثة من مسلسل معاوية “مشاهد تبدو خاطئة تاريخيًا لكنها صحيحة”
“الحلقة الرابعة من معاوية” أخطاء في مشاهد قصر الخضراء وإجادة بمعارك قيسارية
“مسلسل معاوية الحلقة 5” التاريخ بعين طائفية
“الحلقتين 6 و7 من مسلسل معاوية” هذه قصة إهانة زوجته له وتأسيس الأسطول
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ما هو انطباعك؟







