لماذا دفنت إيفا بيرون بعد اثنين وعشرين عامًا من وفاتها؟

إيفا بيرون أو كما لقبها شعب الأرجنتين بـ”إيفيتا” من أهم الشخصيات في تاريخ الأرجنتين الحديث حيث كانت السيدة الأولى للدولة ما بين 1946 وحتى موتها في 1952 لكن الغريب أن إيفا لم تدفن بعد موتها مباشرةً كما هو معتاد بل دفنت بعد 20 عامًا من موتها والسبب في ذلك هو سبب سياسي بحت.

إيفا ما قبل السياسة

ولدت إيفا بيرون باسم ماريا إيفا دوراتى لكن يوم ميلادها مختلف عليه إن كان 7 مايو عام 1919 أم 7 مايو عام 1922. في كلتى الحالتين ولدت إيفا في قرية لوس تولدوس في الأرجنتين، عائلة إيفا كانت غريبة فهي وأخواتها الأكبر جميعهم كانوا أطفال غير شرعيين لأنهم ولدوا خارج إطار الزواج لأن والدهم كان لديه زوجة وعائلة أخرى.

طفولة إيفا لم تكن بالسهلة فوالدها توفى عندما كانت في عمر السادسة وتم منعها هي وأخواتها من حضور جنازته أو حتى الحصول على جزء من ميراثه لعدم شرعيتهم وحتى قبل موت والدها عاشت إيفا في ظروف سيئة حيث هجر والدها العائلة وكانوا يعيشون في فقر شديد في الريف الأرجنتيني.

كان حلم إيفا طوال طفولتها هو أن تصبح ممثلة مشهورة وكانت مولعة بالسينما والأفلام كما كانت دائمًا ما تشارك في المسرحيات التي تقوم بها مدرستها لكن والدتها كان لها رأي أخر حيث أرادت تزويجها لأحد سكان قريتهم مما دفع إيفا لترك المدرسة والهرب من قريتها إلى العاصمة بوينس آيرس بصحبة موسيقار شاب.

وفي بوينس آيرس حققت إيفا حلمها حيث تبدأ مشوارها كممثلة مسرح ثم ممثلة راديو قبل أن تصبح ممثلة سينما، نجحت إيفا في أن تحصل على المال بشكل مبهر حيث انتقلت للعيش في أحدى أغلى أحياء العاصمة الأرجنتينية.

زواجها ودخولها السياسة

يوم 15 يناير من عام 1944 تعرضت سان خوان لزلزال نتج عنه وفاة 10 ألاف شخص مما دفع وزير العمالة حينها خوان بيرون لتظيم حفل خيري لجمع التبرعات للمتضررين يوم 22 يناير وهناك قابلت إيفا زوجها خوان بيرون للمرة الأولى. كان حب إيفا وخوان وليد النظرة الأولى بالرغم من فرق سن الكبير بينهم فإيفا كانت في منتصف العشرينات من عمرها بينما خوان كان في أخر الأربعينات من عمره. تزوجت إيفا من خوان العام التالي وأصبحت إيفا بيرون رسميًا.

كان دخول إبفا بيرون الرسمي في السياسة عندما ترشح خوان بيرون لرئاسة الأرجنتين في 1946 وكانت إيفا جزء كبير من حملته الإنتخابية. وبالفعل فاز خوان بيرون بالإنتخابات وأصبحت إيفا سيدة الأرجنتين الأولى. أحب الفقراء والطابقة العاملة الأرجنتينية إيفا بشكل كبير حيث أسست جمعية خيرية تحمل اسمها هدفها الأول والأخير هو مساعدة الفقراء. بالرغم من مساعدة ودعم إيفا للطبقة العاملة إلا أنها كانت تحب المجهورات والملابس الغالية مما جعل المعارضين لها اعتبارها منافقة.

ملابس إيفا لم تكن المشكلة الوحيدة فخوان وإيفا بيرون كان لهم علاقة بالنازية بالرغم من مشاركة الأرجنتين في الحرب العالمية الثانية بجانب الحلفاء حيث أن الأرجنتين كانت المكان الذي هرب إليه مئات من النازيين بعد إنتهاء الحرب بموافقة خوان بيرون، رئيس الأرجنتين في ذلك الوقت، لم يكن هؤلاء النازيون مجرد جنود بل كانوا من أهم الأشخاص في الحزب النازي مثل جوزيف مينجيل وأدولف أيخمان. مؤيدين إيفا يزعمون أنها لم تكن على علم بهذه الأشياء.

لعبت إيفا دور كبير في تحسين علاقة الأرجنتين بأوروبا من خلال جولتها الأوروبية في 1947 كما أنها كانت من أكبر الداعمين لحقوق العمال وحقوق المرأة في الأرجنتين. كانت إيفيتا هي من يدير وزارة العمال والصحة بشكل غير رسمي كما أنها أنشئت أول حزب سياسي نسائي في تاريخ الأرجنتين، من السهل رؤية لماذا أحب الأرجنتيون إيفا لهذا الحد ولماذا مازالوا يحبونها حتى يومنا هذا. شعبية إيفا كانت أكبر بكثير من شعبية زوجها وكون إيفا السيدة الأولى للأرجنتين كان سبب كافي لزيادة عدد السياح للعاصمة الأرجنتينية سواء كانوا سياح أرجنتينيون أو سياح أجانب.

في 1951، أرادت إيفا أن تترشح لمنصب نائب الرئيس ودعمها بشدة حزبها السياسي وجميع الأحزاب التي دعمت زوجها بجانب الطبقة المتوسطة لكن رفض كلًا من القوات المسلحة والطبقة العليا ذلك تمامًا. بسبب مشاكلها الصحية غيرت إيفا رأيها ولم تترشح.

مرضها ووفاتها

في 1950 فقدت إيفا الوعي في أثناء أحد مهامها العلنية وكان التشخيص المبديء هو إلتهاب الزائدة مما جعلها تستأصل زائدتها إلا أن هذا لم يعالج مشاكلها الصحية. حالة إيفا الصخية سائت أكثر وأكثر حتى كانت لا تقدر أن تقوم بمهامها التي أعتادت عليها ولم يكن هناك تفسير لذلك حتى تم تشخيص إيفا بالسرطان. كان التشخيص الأولي هو سرطان عنق الرحم وللتأكد من هذا التشخيص، قام خوان بإحضار طبيب أمريكي الذي بالفعل أكد إصابة إيفا بسرطان عنق الرحم.

من اليوم الأول للتشخيص حتى وفاتها لم تعرف إيفا أنها مصابة بالسرطان بل حتى لم تعرف أن هناك طبيب أمريكي قام بالكشف عليها حيث تم تخديرها قبل أن يصل ذلك الطبيب ولم تستيقظ إلا بعد ما غادر. خضعت إيفا لعملية إزالة الرحم على يد نفس الطبيب لكن مجددًا لم يخبرها أحد بمرضها وفي وقت العملية كان السرطان انتشر في بطنها. السبب المرجح هو أن مرض إيفا كان في نفس وقت الإنتخابات وإيفا كانت سبب أساسي لإنتخاب الناس لخوان بيرون وكان يعلم الجميع أن في حالة أن عرفت إيفا مرضها سوف تخبر عامة الشعب مما يمكن أن يأثر على فرصته في الفوز بالانتخابات.

فاز خوان بالانتخابات مجددًا لكن في يوم 6 يوليو 1952 تتوفى إيفا بيرون في عمر 33 دون أن تعرف إصابتها بالسرطان. في الساعة 8:52 مساءًا من ذلك اليوم تم قطع جميع برامج الراديو للإعلان عن عبر موت إفيتيا بسبب السرطان. كان هذا الخبر سبب أن تتوقف الأرجنتين تمامًا عن جميع النشاطات فالسينمات وقفت عرض الأفلام والمطاعم والمتاجر أغلقت.

لمدة أسبوعين بعد موت أيفا كانت شوارع بوينس آيرس مليئة بالزهور حزنًا على إيفا كما أن كان هناك طوابير أمام مبنى وزارة العمال الذي كانت جثتها بداخله. حصلت إيفا بيرون على جنازة شعبية لكن إيفا لم تدفن بعد هذه الجنازة.

تم تحنيط جثة إيفا حيث قام دكتور بيدرو أرا باستبدال دم إيفا بالجلسرين وترك جميع أعضائها في مكانها بداخل جسدها كما أن كلًا من مصفف الشعر الخاص بها وخبير التجميل الخاص بها قاموا بعملهم مما جعل إيفا تبدو كأنها نائمة وليست متوفية. خوان بيرون قام بكل هذا لأن خطته كانت وضع جسد إيفا في مقبرة ضخمة أكبر من تمثال الحرية لكي يستطيع جميع الناس زيارتها في أي وقت. لكن خطة خوان لم تنجح حيث قام انقلاب عسكري وتم نفيه بعد موت إيفا بسنتين وفي أثناء بناء تلك المقبرة.

إقرأ أيضا

عندما اتهمت الصحافة دراما التسعينات الرمضانية بتكدير المزاج العام!

بعد نفي خوان بيرون كانت جثة إيفا تحت سيطرة القوات المسلحة حيث كلف كولونيل كارلوس كونيج بدفن جثة إيفا سرًا خوفًا من أن تقع في يد الداعمين لخوان واستخدامها في ثورة لكن أينما ذهب الكولونيل وجد ناس تعقبه بهولاء الذين يحبون إيفا حيث كانوا يضعون الورود والشمع حزنًا عليها عندما كانت جثته في سيارته ولا يعرف أحد كيف كان يعرف هؤلاء الناس مكان جثة إفيتا ولذلك قام الكولونيل بوضع جثة إيفا في العلية فوق مكتبه في مقر القوات المسلحة لكنه لم يخبر أي أحد بذلك بل كذب وقال أنه دفنها.

بالطبع تم اكتشاف مكان جثة إيفا من قبل أحد القيادات في القوات المسلحة الأرجنتينية وتتوصل القيادات لأن الحل الوحيد أن تدفن إيفا في بلد أخرى وبالفعل تدفن إيفا في إطاليا تحت اسم ماريا ماجاي إلا أن الثورة تقوم في 1971 ويعود حزب زوجها السياسي للسلطة. تقرر الحكومة الجديدة أن تخرج جثة إفيتا وتعطيها لزوجها خوان بيرون الذي كان في اسبانيا في ذلك الوقت.

أول شيء فعله خوان عندما عادت جثة إيفا هو إحضار دكتور بيدرو أرا ليصلح ما تم إفساده طوال كل هذه السنين وبعدما قام دكتور بيدرو بالعمل، قرر كلًا من خوان وزوجته الجديدة إيزابيل أن يحتفظوا بجثة إيفا في غرفة معيشتهم وكانت أول شيء تفعله إيزابيل في يومها هو أن تسرح شعر جثة إيفا كل يوم.

في 1973 يعود خوان وإيزابيل إلى الأرجنتين ويصبح خوان رئيس الأرجنتين للمرة الثالثة وتصبح إزابيل نائب الرئيس لكن جسد إيفا ظل في اسبانيا. خوان توفى عام 1974 وهو رئيس للأرجنتين مما يعني أن إزابيل كانت رئيسة الأرجنتين فور مماته وكانت من أول مهامها أن تحضر جسد إيفا للأرجنتين وكانت الخطة أن يدفن كلًا من إيفا وخوان في منصب تذكاري كبير إلا أن هذه الخطة لم تكتمل لأن تم إزالية إيزابيل من السلطة في 1976 وهذه المرة تم دفن إيفا في مقبرة عادية في العاصمة الأرجنتينية.

دفنت إيفا بيرون بعد 22 وثلاثة أشهر من موتها. تم إهانة إيفا في أخر سنوات عاشتها في مرضها بسبب رجل أراد أن يستمر في السلطة وتم إهانتها في موتها بسبب نفس الرجل والرجال الذي كانوا ضده سياسيًا لكنها كسبت حب شعبها الذي مازال يحزن عليها حتى يومنا هذا.