355 مشاهدة
لماذا يحب بعض الإعلاميين تلقي الأوامر؟ .. اسأل كرومر
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
في رده على سؤال متى تكون حرًا؟ أجاب أسامة أنور عكاشة المؤلف والسيناريست الكبير قائلًا : عندما أمسك بالقلم لأكتب دون أن أفكر في عواقب ما سأكتبه.
يحكي الولد الشقي الأستاذ محمود السعدني في جلسة هانئة عنه والأستاذ لويس جريس عندما كانا يتشاركان رئاسة تحرير مجلة صباح الخير لأول مرة في الصحافة المصرية حيث كان السعدني رئيس التحرير وجريس رئيس التحرير التنفيذي وكانت هذه بدعة الرئيس أنور السادات، يقول السعدني كنا نتحايل على الرقيب بتحالفنا مع بعضنا البعض وتضييع المسئوليات فيما بيننا حين يسألنا الرقيب لكنه لم يكن واردًا أن نراجع مقالًا لأحد الكتاب، وكنا نتمسك بالقاعدة التي تقول أنه من غير المهني تعديل مقالات كتابنا وأن الموضوعات تذهب رأسًا إلى المطبعة دون حتى قراءتنا وذلك ليرسخ لدى الرقيب أنه لا يجوز التعديل على الرأي أو اجتزاءه.
كنا نحن الصحفيين ولا زلنا مثلهم نتلمس حدود ما يسمى بالسقف أو الحد الأقصى للحرية في التناول الصحفي لموضوع ما بالتجريب والاختبار ما يعني أن تظل تكتب وتحاول حتى تأتيك إشارة بالتوقف وتجاوزك الحدود المسموحة لكننا كنا نعيب على أنفسنا أن ننتظر التوجيهات ذلك لأن طبيعة الكتابة في الأصل هي التعبير بحرية والرفض والاعتراض.
في المهن الإبداعية والإبتكارية لا يمكنك أن تحدث تأثيرك المطلوب وتحوز على المصداقية إلا بوضوح شديد للفروق الفردية بين المبدعين كل في مجاله ولا ضامن لبروز الفردية غير باتاحة قدر من الحرية لكي يعبر كل كاتب عن فكره ورأيه والزمن وحده كفيل بفرز الجيد من الرديئ ومع ترسيخ القيم المهنية لكل فن ومهنة يتم الفرز بشكل أسرع.
غير أن القيود التي يضعها الرقيب أو يتخيلها الممارس للعمل الفني وفق تصوره يزيدها المحدودون من أبناء المهن المقصودة أضعافًا مضاعفة لأن المحدود والدخيل على المهن الإبداعية لا سبيل لبقاءه غير إزاحة الموهوبين وتقديم القرابيين وتمني وصول التوجيهات بل وللأسف السؤال عنها وطلبها بإلحاح في أحيان كثيرة.
فتكون النتيجة انعدام الفروق الفردية وتقديم المحتوى نفسه حتى دون توجيه وبالتبعية إنعدام القدرة على التواصل مع الجمهور والتأثير.
ولكن لماذا يفضل البعض بالمهن الفنية ومنها الصحافة والاعلام تلقي الأوامر والتعليمات
– الخوف من الوقوع في الخطأ أو الوقوع في الخطر
فكما يقول محمد صبحي في مسرحيته وجهة نظر ( تشتغل كتير تغلط كتير تترفد تشتغل نص نص تغلط نص نص متشتغلش خالص متغلطش خالص تترقى )
وإن كان مجيدًا لعمله مبدعًا فقد يعرضه ذلك لدائرة الضوء بقوة أو الخطر ويخالف بذلك القطيع الذين حتمًا لن يتركوه وربما يزعج أحدهم ويفقد استقراره الوظيفي وكما تعرف عزيزي العالم كله ينشد الاستقرار فلماذا تتوقع من فرد أن يقدم على المجازفة واحتمالات الخسارة !
– التخلص من المسئولية ووقوعه تحت طائلة المحاسبة وكل ما تقع مصيبة أو تقصير يظل هو مجرد أداة للتنفيذ لا حول ولا قوة لها ولا كرامة أيضًا لكنه دايمًا في السليم من أي محسابة أو تبعات تلحق بالتقصير أو الفشل
– وداع نهائي للقلق من المنافسين والتخلص من أعباء استمرارية التعلم و دراسات السوق مجهود ليس له داع طالما احنا أدوات نظل مرتاحين.
– ضمان وضع وظيفي يفوق أضعاف قدراتهم ومواهبهم وبالتالي يتحد جميعهم في وجه أي تغيير أفضل لوضع المهنة لأنه يعني أن يعودوا إلى مقاعدهم المستحقة والتي غالبًا ما تكون المقعد المقابل لجهاز التلفيزيون في غرفة المعيشة في بيوتهم.
التطوع لخسارة الفرص دون مبرر وسخرية الجمهور
معظم المواقف المخزية التي وقع فيها بعض الصحفيين والإعلاميين كانت بسبب تطوعهم الزائد لخدمة السقف المُتخيل دون أدنى محاولة لاكتشاف حدوده أو زحزحته – أقول معظمها وليس كلها.
سخرت الجماهير بغضب لدى تناول أحد المواقع خبر عن طفل يعمل بالمحارة لتوفير اللبن لشقيقه بعد وفاة أمه باعتباره بطلًا أسطوريًا بينما لو كان الموقع ذاته تناول الخبر نفسه معتبرًا الطفل ضحية وفقط لتعاطف معه القراء ووافقوه ورغم أن نموذج الطفل الضحية موجود في كل دول العالم من أغناها إلى أفقرها إلا أن التطوع الزائد لإهدار المصداقية كان أسهل عليهم من إدراك الواقع الذي أظنه يشين المجتمع المصري أيضًا كما يعتبر واجبًا على الدولة حيث أكدت حالة طفل قنا أننا فقدنا الكثير من جدعنتنا وتكاتفنا سويًا في المصائب ولا ألوم المجتمع بل قصدت أن تغيره كان مستحقًا للنظر بدلًا من اختصار كل شيئ في بطولة زائفة لطفل ونفاذ ما تبقي للصحيفة لدى القراء من رصيد مصداقية
ينسحب ما سبق على التغطيات الغالبة على حدثي دعوات مقاطعة المنتجات الفرنسة وتغطية الانتخابات الامريكية وكنت أرهما فرصتين سانحتين لتحقيق مشاهدات وتنمية قدر من المصداقية ولو متعلق بالشأن العالمي كما أنها مناسبة لاستعراض الإمكانيات التي بدى من الواضح أنها نادرة التوفر
يصعب هذا النوع من الإعلام مهمة الدولة – أي دولة – فالتطوع المفرط الذي يقوم به الغالبية – أقولها خوفًا من الوقوع في خطأ التعميم – يضع السياسة في موقف محرج يصعب تبريره فالقطيع تتبني وجهة نظر واحدة بالصوت نفسه وبالحنق نفسه فليس أمام النظام أي نظام بالمناسبة غير استخدام الوجوه ذاتها لنفي ما سبق وتبنته هذه الوجوه ما يخرج مشهدًا مضحكًا على طريقة نجيب الريحاني يبكينا من الأسى .
كلما زادت كفاءة وموهبة الشاغلين لمقاعد الكتابة والإبداع كلما زادت الفروق الفردية ومعها تحققت المصداقية بدرجات متفاوتة ومع ذلك تزيد الفرص، فرص الجمهور للتعبير عن نفسه وفرص الدولة لتوصيل رسالتها للداخل والخارج .
دائمًا ما نسمع تهكمًا وسخرية من الإعلام القابع في تركيا والإخوان المجرمين تجاه أي محاولة للتغيير باعتبارها ديكور مزيف وهذا في رأيي مستحيل حيث يصعب أن يكون نتاج أي تيار من المبدعين محل شك بشكل كامل ولو اتفقوا على نهج أو هدف واحد وذلك للفردية التي ذكرتها سابقًا فلن تكون الرسائل متطابقة طبق الأصل طالما تخرج عن موهوب أو حتى نصف موهوب فحتمًا سيضع من خلالها رأيه واختلافه وتفرده
قد يكون هذا المقال تحسسًا للسقف فوق رأسي وربما أكون قد أزحته قليلًا – الآن لا أعلم –
لقد سبقت حرية الصحافة في مصر حرية العمل السياسي والعمل الحزبي وتأسست الأحزاب على عكس معظم دول العالم من كنف الصحف لتعبر عن إرادتها و اتجاهها بشكل مادي وظل هذا الوضع حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى
لذلك يمكنني أن أقول أن الصحافة في مصر جاءت قبل السياسة والأحزاب مثلما جادت مصر قبل التاريخ ، وكلما أرادت الدولة التفاخر بقوتها وسيطرتها أمام العالم عبر الأزمنة المتعاقبة كلما قللت من قيود الصحافة والفنون وجذبت إليها المثقفين من كل الدول وكانت قبلتهم
ما سبق كتبته لسببين
أولًا أن هناك أصوات من الخارج لم تعد قاصرة على مصريين – معارضين من الخارج باختلاف أجنداتهم ومصالحهم أو الإرهابيين من الجماعة المحظورة قد أعلنوا عن خططهم بمخاطبة الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن للحديث حول قضايا مصرية داخلية من بينها الإعلام والصحافة فلم أقبل أن يملا علينا ونحن أهل للإصلاح من أنفسنا وتصويب أخطاءنا
ثانيًا لأنني أرى في الصحافة ما رآه اللورد كرومر – القنصل العام لانجلترا في مصر ١٨٨٣ – ١٩٠٨ وقت الاحتلال وكتبه بأحد تقاريره السنوية عن مصر متحدثًا عن الصحافة وقال ” وإني رأيت أولًا أن الحجج التي تقدم لتقييد حرية الصحافة لا تعادل الحجج التي تقدم لإطلاق حريتها وثانيًا لأن رجال الحكومة يستطيعون تحمل نقد الصحف لهم ” وهذا لا ينفي وقوع حوادث مثبتة عن إغلاق لبعض الصحف في عهد كرومر غير أنه كان يميل إلى مبدأ حرية الصحافة حيث اعتبره صمام الأمان للتعبير عن الشعور الوطني في البلاد .
ولا أعتقد أن مبارك استطاع أن يمضي فترة طويلة في الحكم رغم فداحة أخطاءه على الصعيد الداخلي إلا بحمله في كل زيارة للخارج رزمة من صحف تحوي مقالات ورسوم كاريكاتير تهاجمه وتنتقده هو وحكوماته المتعاقبة .
فلماذا لا نطمح في أن نهتم بالبناء والتعبير في الوقت نفسه فلا تعارض .. واسأل كرومر .
اقرأ ايضا
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
الوسوم
ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide