همتك نعدل الكفة
484   مشاهدة  

لو كانت فيروز إسكندرانية!

فيروز


يمكن بسهولة تخمين المكان الذي كانت ستسكن فيه السيدة “فيروز”، لو كانت من أهل الإسكندرية، والتي تغنت بشاطئها في أغنيتها البديعة “شط إسكندرية”.

إذًا يمكن أن نخمن أنها كانت ستسكن بقُرب البحر، والآن نحن في مطلع الشتاء، الذي رحّب به صوت السيدة “فيروز” في سعادة: “رجعت الشتوية”، مما ربّط صوتها والكثير من أغانيها بجو الشتاء في أذهان المصريين بالتحديد، وبالأخص في الإسكندرية وقُرب بحرها، حيث يحلم الجميع بقدحين من القهوة يجمعانه بشخص يحبه، في مكان هادئ قُرب بحر الإسكندرية في ليلة شتاء ممطرة؛ هذا الحلم المُتخيَّل قلما فشل في مداعبة خيال أي إنسان في مرحلة ما من حياته.

 

نستطيع ان نتخيل السيدة “فيروز” لو كانت من أهل الإسكندرية، تجلس في المقعد الخلفي لسيارتها، وقد أخذها الحنين للمطر وأجواء الشتاء، فقررت النزول بالأمس مثلًا والأمطار تهطل بكثافة في الإسكندرية.

 

ستُفاجأ السيدة “فيروز” من داخل سيارتها ببركة الماء الضخمة، المتجمعة قبل مطلع كوبري “سيدي جابر” على كورنيش البحر.. وبينما تحاول السيارة تخطي بحيرة الأمطار الصغيرة المتجمعة دون خسائر فادحة، ستلمح من خلف زجاج السيارة عيون الواقفين على رصيف البحر، والماء يصل لأسفل ركبهم، ستجد الكثير من الأسى الصادق، والذي أخذها حبيبها من قبل في أحد أغانيها وترك الحب.

 

ربما يقترح عليها سائقها فيما بعد أن يتفادوا طريق الكورنيش وبحيرات المطر المتجمعة في عدة نقاط منه، ليسيروا من خلال الطريق الموازي للترام، لكنهما سيتلقان تحذيرًا من سائق تاكسي سيسأله سائق سيارة السيدة عن أحوال الطريق قُرب الترام، فبعض السيارات تعوم- حرفيًا- في بركة ماء عُظمى قُرب محطة ترام “سبورتنج”.

 

ليعوِّض الله مالكي تلك السيارات، دعنا من أمرهم الآن ولنتابع سيارة السيدة وقد قررت أن تدخل منطقة “سموحة”؛ الأحوال هناك أفضل بالتأكيد، على الأقل ستكون هناك بالقرب من مكان بأهمية مبنى “مديرية أمن الإسكندرية” بكل مهابتها.. وقرب ميدان “فيكتور عمانويل”، أكبر ميادين منطقة “سموحة”، ستُفاجأ أن الوضع هنا أسوأ بكثير من تخيلاتها، فالماء المتجمع بفعل الأمطار قد ارتفع عن مستوى الأرصفة المُحيطة بالميدان، والعربات شبه متوقفة تخشى المسير.. سيحاول السائق تجاوز الميدان، بأقل سرعة ممكنة، عدة أمتار وتصدر عدة أصوات مرتبكة من مقدمة السيارة، لا يعلم أسبابها إلا الله، لكن الأكيد الآن أن السيارة ستتوقف تمامُا، عاجزة عن الحركة قُرب منتصف الميدان.. يمكنك أن تتخيل السيدة “فيروز”، بكل وقارها، وهي تحاول الاتزان فوق رافعة الجرار الذي جعلوه مسئولًا عن إجلاء العالقين بين بحيرات الأمطار المتجمعة، بالتأكيد كانت السيدة لتراجع موقفها من الشتاء، والقهوة، وكل الأجواء الرومانسية التي ارتبطت بأغانيها؛ شتاؤنا في مصر غير رومانسي للأسف يا ست فيروز.

 

في مدينة يزيد تعدادها على خمسة مليون إنسان، يكفي سقوط بعض الأمطار ليتعطل كل شيء تمامًا، ويصبح النزول للشارع مدعاة للمرمطة، وربما- في أسوأ الأحوال- قد تعرض حياتك للخطر صعقًا بالكهرباء، لو اقترتب خطأ من أحد أعمدة الإنارة في الشوارع، والتي تصبح أسلحة قاتلة في أوقات سقوط المطر.

اقرأ أيضا

السيد محافظ الأسكندرية .. القبض على الكلاب لم ينقذ المدينة من الغرق

إقرأ أيضا
فيلم الكاسيت

الأذى الذي نتعرض له كسكان للإسكندرية لا يتوقف عند البهدلة في أيام المطر، ولا افتقاد الجواء الرومانسية في “مدينة الرب”، بل يمتد الأمر إلى خسائر مادية شديدة القسوة يتعرض لها صغر التجار، ممن تقع محلاتهم في شوارع تتجمع فيها الأمطار حتى تقتحم المحلات وتغرض ما فيها من بضائع مثل المفروشات والأجهزة الكهربائية.. يمكنك أن تتخيل إحساس إنسان يفقد جزء رئيسي مما يملك في الحياة بفعل بعض الأمطار.

 

أحلام السكندريين تقلَّصت فيما يخص الشتاء؛ لم نعد نحلم بالأجواء الفيروزية الرومانسية الحالمة، نريد ألا نغرق فقط، ألا تتعطل الحياة عند سقوط المطر.. أعتقد أن السيدة “فيروز” لو قضت شتائها معنا في الإسكندرية، لغنّت بحرارة ومن كل وجدانها لمنظومة فعّاله لصرف الأمطار، كي لا تصبح “الشتوية” مصدرًا للمآسي فقط.

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
2
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان