مأمون الشناوي .. الهارب من جحيم الست إلى جنة عدوية
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
دعوني أحكي لكم حكاية مأمون الشناوي وأم كلثوم وأغنية الربيع.
الجزء الأول حينما ذهب مأمون الشناوي إلى الست ومعه كلمات أدي الربيع عاد من تاني، كان يحلم ان يصل إلى قمة هرم الغناء في مصر، كان يحلم ان تغني الست من كلماته، فلم يكن يحلم بالتحقق أو التواجد، لأنه كان متحقق ومتواجد بالفعل، ولكنها أم كلثوم، ما أدراك ما أم كلثوم، ولأنها الست قررت أن هناك بعض الكلمات داخل الأغنية لا تعجبها وقد تعدلها، وهنا رفض مأمون الشناوي وقال جملة مهمة للغاية هي ( هو لما حد بيخلف عيل بياخده ويروح للدكتور يقوله والنبي صغرلي مناخيره ولا غيرله لون عينيه، انا أغانيا عيالي مينفع اغير فيهم) وهذه الجملة هي المقصود من القصة التي رويتها في مدخلنا لمأمون الشناوي.
***
أن تكون شقيق كامل بك الشناوي الصحفي الألمعي والشاعر الفذ، هو أمر غاية في الخطورة والصعوبة في حالة أنك أنت الأخر شاعر، الفرق بينكما هو كيف تكتبا الشعر، كامل بك يكتبه فصحى بينما أنت تكتبه عامية، ولكنك تتعامل مع قصائدك بمبدأ “أولادي” هذا المبدأ يحملك دائما لمنطقة أكثر دفاء وتنوعا من غيرك، يحملك لتصبح مأمون الشناوي.
فحينما يكتب لعبدالوهاب أنت وعازولي وزماني عام 1941، أو انسى الدنيا وريح بالك، واغاني فيلم الوردة البيضاء، فهو مأمون الشناوي وهو نفسه الذي كتب جميل جمال والربيع وتقول لاء وغيرها من الأغنيات لفريد الأطرش يكون هو نفسه الذي كتب لعبدالحليم حافظ خسارة خسارة وخايف مرة أحب وحلفني وأقول ما اقولش وهو أيضا من أخرج لنا أحمد عدوية.
لا يمكن أن تقسم مأمون الشناوي مثل الأخرون، مأمون الشناوي خيط من الصدق المتصل دوما وأبدا، خط من الإبداع المتواصل، مأمون الشناوي حينما يكتب مع صباح علمني الحب، فأنت تصدق كل تلك الغواية وكأنه شيطان من عالم سفلي يغوي إنسان، وحينما يكتب مع فايزة أحمد بصراحة وبكل صراحة مالقيتش في حبك راحة، تجد كل ما يمكن أن تخدة من انقطاع الأمل والرجاء في الحبيب.
عملته الأساسية كانت الصدق حتى حينما أخرج لنا أحمد عدوية وكتب له الدنيا زحمة الموال الذي ساهم في شهرة عدوية وقتها، الثابت أن مأمون الشناوي كتب لعدوية اغنية سيب وانا أسيب التي لحنها الشيخ سيد مكاوي ولكن هل كتب فعلا كركشنجي دبح كبشه.. عكشة؟!
الإجابة هنا غريبة، شركة صوت الحب لصاحبها عاطف منتصر تقول إن كاتب الأغنية هو حسن أبو عتمان مؤلف عدوية الملاكي، بل وحسن أبو عتمان نفسه يحكي أن الاغنية كانت بسبب تحدي بينه وبين اخر حول كتابة أغنيه من الكلمات المستغربة.
بينما العديد من الحوارات التي من المفترض انها أجريت مع عدوية والعديد من المراجع تقول أن كاتب كركشنجي دبح كبشه من كلمات مأمون وألحان حسن أبو السعود، ولكن أغلب الظن أنها بالفعل كلمات الشناوي، ولكن دعنا منها ونقف قليلا امام سيب وانا أسيب حينما يقول مأمون الشناوي في البداية ” علمته التقل لكن سبقنا بمية سنة.. وده عز علينا بحره وسقانا من الأنا”.
هو ببساطة ولا تعقيد كالعادة ولكنه يخرج عدوية الذي يسكن فيه، فبداخله العشيقة والغاوية والحبيبة والمغدور بها واليائسة والعاشق والمخلص وبالطبع أبن البلدي الفهلوي القادر على صياغة مشاعره بهذه الطريقة، هذا مفتاح صدق مأمون الشناوي في كل أغنية كتبها.
ومع سيب وانا أسيب أيضا حينما يقول ” ده الحب دنيا حلو واهي كورة مدورة بتلف علينا لفة وأهي دنيا صغيرة، والقرب نصيب والبعد نصيب والأمر خطير والحب كبير.. وتقولي سيب؟! طب سيب وانا أسيب” التنقل من ابن البلد الفهلوي إلى أبن البلد الحكيم في نفس الشطر، ولا تنسى أن تتكلم عن أحد أعمدة الأغنية الكلاسيكية في الأربعينات والخمسينات والستينات الرجل الذي غنى له الجميع حتى أم كلثوم.
***
الجزء الثاني من الحكاية هو أنه حينما رحل بيرم التونسي عن الدنيا رحل معه أحد أسلحة أم كلثوم فوجب استبداله وإيجاد غيره على الفور وفي نفس سنة الرحيل، لتأتي أغنية أنساك التي وافقت عليها أم كلثوم بدون قيد أو شرط، انساك البداية التي استقرت أخيرا الى يد بليغ حمدي ليلحنها، بينما تبعتها ثلاث أغنيات ” كل ليلة وكل يوم” و”بعيد عنك” وهما من ألحان بليغ حمدي، دارت الأيام التي لحنها محمد عبدالوهاب.
لينتصر مأمون الشناوي ويصل إلى هدفه مبكرا، لقد صعد قمة الهرم وتربع عليه ليتحول من شاعر إلى أحد حكماء الأغنية المصرية الهاربين من جحيم الست إلى جنة عدوية.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال