
قلبي ومفتاحه.. تطويع مبدع لمواقع التصوير الحية في قلب القاهرة

-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لا تكتمل ملامح أي عمل درامي دون أن يكون للمكان حضوره الطاغي، إذ يتحول من مجرد خلفية للأحداث إلى عنصر حيوي ينبض بالحياة، يحمل في تفاصيله روح الشخصيات ويعكس واقعها. في مسلسل “قلبي ومفتاحه”، يقدّم المخرج تامر محسن درسًا بليغًا في استلهام المكان كعنصر درامي، مستبدلًا الديكورات المصطنعة بشوارع القاهرة الحقيقية، في تجربة تحمل تحديًا إنتاجيًا لا يُستهان به.
المكان كمرآة للواقع
بعيدًا عن الاستوديوهات المغلقة واللوكيشنات المصطنعة، اختار تامر محسن تصوير المسلسل في قلب القاهرة النابض، حيث تعيش الشخصيات في أماكن تنتمي فعلًا إلى طبيعتها الدرامية، ما يمنح العمل واقعية غير مفتعلة، فجاءت شوارع اللبيني بالمريوطية كإحدى المحطات الأساسية في المسلسل، حيث صوّرت غالبية المشاهد الخارجية في تلك المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية، كما كانت هناك عدد من المشهد في شوارع القاهرة بين الأزقة الضيقة، وسط ضجيج السيارات وصوت الكلاكسات، وكأن الكاميرا تلتقط نبض المدينة في مشهدية سينمائية حية.
التحدي الإنتاجي والسيطرة على الفوضى الحية
اختيار التصوير في شوارع القاهرة لم يكن مجرد قرار جمالي، بل تحديًا إنتاجيًا بامتياز، فالسيطرة على موقع تصوير مفتوح وسط الزحام، وإدارة حركة المارة والسيارات، تطلب جهدًا مضاعفًا من فريق الإنتاج، بقيادة المنتج الفني أحمد علي الشهبة، ورغم ذلك، نجح الفريق في تطويع الفضاء الخارجي ليخدم النص الدرامي، محوّلًا موقع التصوير إلى جزء أصيل من الحكاية.
اقرأ أيضًا: أسعد في قلبي ومفتاحه.. حين يصبح الإنسان دراما قائمة بذاتها
رمزية المكان ودلالته الدرامية
ولم يكن اختيار اللبيني مجرد صدفة، بل جاء متماشيًا مع طبيعة شخصيات المسلسل، خاصة شخصية أسعد، التاجر الذي تنتمي ملامحه إلى بيئة تجارية واقعية، حيث الأسواق الشعبية والحياة اليومية البسيطة، كما أن انتقال البطلة، التي تجسد دورها مي عز الدين، إلى كوبري قصر النيل في لحظة تأمل، يعكس حالة وجدانية يمر بها معظم سكان المدينة حين تضيق بهم الحياة، فيتجهون إلى النيل بحثًا عن لحظة صفاء وسط الضجيج.
ولم يقتصر المسلسل على تصوير الأحياء الشعبية فقط، بل امتد إلى قلب وسط البلد، حيث حملت المشاهد روح المدينة القديمة التي تمزج بين الحداثة والتاريخ، لقطة الفندق الفاخر في أحد المشاهد، والذي تبيّن أنه فندق كارلتون المطل على دار القضاء العالي، لم تكن مجرد خلفية، بل استدعاء لذاكرة المكان، حيث المعمار العريق والتفاصيل الكلاسيكية التي تعكس حقبة زمنية خاصة، وحتى في المشاهد الجوية، استخدمت لقطات الدرون بذكاء، كما في المشهد المأخوذ أعلى كوبرى المريوطية الجديد، لتظهر عمليات التطوير العمراني وتضيف بعدًا بصريًا يعكس تحولات المدينة الحديثة.
المكان كحكاية موازية
في “قلبي ومفتاحه”، لا يبدو المكان مجرد وعاء للأحداث، بل يصبح هو ذاته شخصية درامية، يحكي قصته الخاصة، من حرارة المباني العتيقة في وسط البلد، إلى برودة المباني الإسمنتية الحديثة، ومن دفء البيوت إلى سكون الكوبري ليلًا، يتشكل نسيج بصري ثري، يجعل المشاهد يشعر وكأنه يسير بنفسه في شوارع القاهرة، يستمع لصخبها، ويعيش تفاصيلها اليومية.

“قلبي ومفتاحه” ليس مجرد مسلسل يحكي عن شخصيات تعيش في القاهرة، بل هو عمل يعكس المدينة ذاتها، بمتناقضاتها، بصخبها وحميميتها، بتناقضاتها الجميلة التي تجمع بين الفوضى والنظام، وبين الزحام والعزلة، إنه عمل يذكّرنا أن الدراما، في أبهى تجلياتها، ليست فقط حكايات تُروى، بل أماكن تُعاش، وحياة تنبض من الشاشة إلى قلب المشاهد.
اقرأ أيضًا: قلبي ومفتاحه .. عمل غير مكتمل أم رؤية فنية ترفض الكمال
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ما هو انطباعك؟







