مفلسين : رحلة شاب عشريني في انتظار أول راتب

 توجه عمر إلى الحسابات وهو في قمة سعادته ليتسلم راتبه واقفًا في طابور العاملين الأشبه بطابور العيش الذي لا ينتهي. وصل في النهاية إلى الشباك المخصص لقبض الراتب، وقال اسمه للموظف بالحسابات شاعرًا بالفخر بنفسه عن أول راتب يقبضه بحياته من عرق جبينه.

سأله الموظف عن تاريخ توظيفه، فأجابه بالتاريخ والساعة بالضبط، فكيف ينسى تاريخ يوم بمثابة علامة بتاريخه؟  لم يُقلق عمر السؤال وظن أنه سؤال روتيني لأي موظف جديد بالشركة.

 ولكن لم يساعده حسن الظن فيما حدث بعد ذلك، فقد انهال عليه الموظف بكم عجيب من الأسئلة ابتداءً من هل سُجل اسمك في دفتر الحضور والانصراف؟ انتهاءً بهل كنت تمضي في الميعاد المحدد؟ وهنا جاء دور عمر بالأسئلة:

عمر: هو في مشكلة حضرتك؟

الموظف: مش بالظبط يا أستاذ عمر بس…

عمر: بس إيه؟! أنا شايف زميلك من ساعتها بيقلب الدنيا عشان يدور على اسمي، وأنت ماسكني أسئلة من الصبح؟

الموظف: بصراحة إحنا مش لاقيين مرتبك…أقصد يعني اسمك منزلناش أصلا

لم يتحمل قولون عمر المفاجأة، شعر بهذه القشعريرة التي تسري من القلق للمعدة مباشرة. طلب منه الموظف أن يتجه لشؤون العاملين ويحكي لهم ما حدث معه تفصيلًا، ثم يعود للموظف بورقة مختومة منهم تثبت حضوره يوميا للعمل.

توجه عمر لشؤون العاملين محاولًا ادعاء الهدوء، وظل يتخيل الشهور القادمة التي سيتسلم فيها الراتب عن طريق الفيزا البنكية كما وعده مديره.

قصة مقتل جاربيس أشهر صانع جيلاتي باسكندرية زمان

اصطدم عمر بعدما ذابت قدمه من البحث عن الموظف المسؤول  بشؤون العاملين بلافتة تحمل اسم الموظف المقصود “سامح صبري” تسائل بصوت غير مسموع، لم كل شؤون العاملين يجب أن يكون بها سامح ما؟

عمر: لو سمحت يا أستاذ سامح أنا دلوقتي رحت أقبض وبعد ما وقفت طابور طويل عريض وفي الأخر قالولي في الحسابات أن اسمي منزلش، وعشان أقبض عايز ورقة منكوا تثبت إني من الموظفين الجدد.

سامح: ورقة منكوا مين؟ لا تبقى مش منكوا بقى…أنت تروح لأستاذ صابر هو المسؤول هنا عن شغل الكمبيوتر، ومسؤول عن ملف الموظفين الجدد.

عمر: وألاقيه فين دلوقتي؟!

سامح: ده في اجتماع مع رئيس الإدارة أنت عارف إنهاردة رئيس الإدارة عامل اجتماع مهم لرؤساء الأقسام، ممكن بقى تسنتاه في السكرتارية اللي هناك.

أصر عمر على أن يتسلم  أول راتب له، فقد رسم من أول اليوم خطة صغيرة لما سيفعله بالراتب، كما أذاع في بيته بالأمس أنه سيتسلمه تخيل استقبال أمه من الباب بسؤالها عنه، ولن يتحمل شهقتها عند النفي ومطر الأسئلة المتلاحقة منها الذي سيغلب مطر أسئلة مسؤولين الحسابات وشؤون العاملين، ولذلك قرر ألا يتنازل، وألا يسوِّف أبدًا هذا الأمر للغد

إقرأ أيضا

خالد ونور وولده نور خالد….نهاية جيدة رغم البداية السيئة

ظل عمر منتظرًا في السكرتارية  يتخيل تحقيق أحلامه وشرائه لشقة بالإسكندرية كمكان للمصيف، وكعادة عقارب الساعة عندما ننتظر شيئَا تتدلل، وما إن ظهر عم صابر مدير شؤون العاملين بعد انتهاء الاجتماع حتى أخذ عمر أنفاسه.

زفة عصافيري على شباكي

 استقبله بابتسامة مصطنعة حتى تنتهي الأمور على خير. وحكى له الموقف الذي حدث معه بالتفصيل، فقام صابر باصطحابه لمكتب الشؤون وتحرير ورقة بخط يده عن أنه تسلم وظيفته من شهر، وقام بالتوقيع عليها، وختمها بختم الشركة بعدما أثار تعجبه من هذا الخطأ الفادح كي يبرىء ذمته، واستنكر الموقف بسبة فجة تعجب لها عمر.

توجه عمر بورقة عم سامح  طائرًا إلى مكتب الحسابات، وقد أعطته الورقة ثقة عالية بنفسه. وكان إصرار عمر على تسلم راتبه  أكبر من تعنّت الموظف الذي كان يهم بالانصراف متحججا بانتهاء ساعات العمل.

 أخذ الموظف  منه الورقة، وحكى له قصة شيقة أن هناك راتب لزميل ترك عمله بشهر سابق نزل عن طريق الخطأ، ولولا هذا الخطأ لما تسلم عمر راتبه في نفس اليوم.

تظاهر عمر بابتسامة سمجة أنه على يقين بصحة كلامه، وتسلم راتبه، وأصبح بمعدل كل دقيقة تقريبًا يتذكر الموقف قلقًا أن يكون قد نسيَ تسلم الراتب فيربت على جيبه ليجده دافئًا به، فيطمئن قلبه ويكمل طريقه.