رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
220   مشاهدة  

ملف العيش : (اللقمة الخامسة) .. رغيف العيش الناشف وليلة زفاف الفرخة لوزة

رغيف العيش والفرخة لوزة
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



رغيف العيش

في بداية الألفينات ، جرت العادة عند البيوت المصرية في الدلتا تربية غية من الدجاج في عشة على السطوح ، ذلك توفيرًا لأسعار  الدجاج المُجمد أو الجاهزة ، وكانت لدينا فرخة عانس ترفض الزواج من أي ديك يأتي إلى العشة أو حتى وافدًا ضالًا من العشش المجاورة ، حتى إنهم قد اتفقوا في البيت أنه سوف يتم ذبحها في أقرب وقت عملًا بمبدأ  “الفرخة اللي ماتبضش تندبح ” ، وهي فعلًا كانت دجاجة ثقيلة الوزن ، كسولة  وأكولة إلى حد كبير ، لها شخصيتها وتحتفظ بالكاريزما الخاصة عن جميع الأمهات داخل العشة ، لها خُن خاص لا يجرؤ أحدهم الاقتراب منه ، إذا ظهرت ابتعدت زميلاتها ، وكشّ ريش الديكة .. لها رصيد كبير في المعارك حتى حفظت هيبتها في الأولوية بالطعام ، فقد كان الجميع يأكل بعدما تأكل “لوزة” ، ويشرب بعدما تشرب “لوزة” ، ويتحرك على راحته عندما تكون لوزة في الخارج ، لوزة كانت تأديب وتهذيب وإصلاح !

 

رفضت فكرة ذبح لوزة باكيًا ، حتى توصلت لاتفاق مع البيت ، أن أتولى أمرها بنفسي ، وكانت حركة شديدة الدهاء من “البيت” ، يعرفون أنني أعيش عيشة “ابن الباشا” ، الذي لا يضع الطعام للدجاج حتى لا تتسخ يده ، كنت فقط أعشق المشاهدة ، ومن ضمن شروط بقاء الست لوزة ، هو ذهابي صباحًا لطابور العيش ، لتوفير رغيف أو اثنين لتنشيفهم ثم بللهم ووضعم كغداء للست لوزة التي أرهقتني كأنني زوجها .. فبدأت رحلتي اليومية في دوامة العيش ، قبل المنظومة التي تعمل الآن ، كان هناك منظومة أخرى وهي “منظومة الدراع” ، وهي المنظومة القديمة لمن يريد أن يحصل على عشرة أرغفة عيش .. وملخصها أن تقف في الطابور من الصباح الباكر ، وتحاول افتعال خناقة مع رجل مسن أو طفل صغير حتى تضمن الخروج من الخناقة كسبانًا ، فتعطي انطباعًا عند صاحب الفرن أنك قد تسكعه إذ لم يعطيك الأرغفة ، وبالفعل ، كان كل من يقف في الطابور يتبع تلك النظرية ، ولإن لكل قاعدة شواذ ، فقد كانت تحدث بعض الخناقات يجتمع في أصحاب “الدراع” مع بعضهم ، فتكون المستشفى هي الملاذ الأخير بدل من العيش .. وهكذا عرفتني الست لوزة على عالم لم أعرفه .. هذا لإنني كنت أعفي نفسي من هذه المهام الشاقة ، واكتفي أيضًا بمتعة المشاهدة من بعيد .

 

 كنت أحفظ لـ لوزة حقها في رغيف العيش .. رغيفين من عشرة .. أنشفهما جيدًا على سور السطوح ، ثم أبللهما وأضعمها في طبق من الفخار ، وتأتي لوزة بهيبتها المعهودة وتنقر وتنقر في منتصف الرغيف ، حتى تأكل كفايتها ويأتي الأتباع بالباقي ، وفي إحدى المرات تأخرت لوزة عن موعدها في الطعام ، وكل الأصوات في العشة تنبأ بأن هناك حدثًا غريبًا في خُن لوزة ، ارتعد قلبي وتوقعت إن إحدى العرس كانت قد قطفت رأسها ومصّت دمها ، وهي الحركة التي كان يخاف منها كل صاحب غية ، لكن المفاجأة كانت بالنسبة لي حين رأيت ديكًا يعتليها ، وكانت هي في قمة الكبرياء والسعادة معًا ، فنظرت إلى عينيها فرمقتني بنظرة أن اخرج من هنا يا قليل الذوق ، خرجت من العشة سعيدًا .. فسوف تنزاح من على أكتافي مسئولية العيش الناشف ، وسوف يمتد زمن بقاء لوزة لسنوات قادمة .

إقرأ أيضا
أينشتاين

 

الكاتب

  • ملف العيش : (اللقمة الخامسة) .. رغيف العيش الناشف وليلة زفاف الفرخة لوزة محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان