من ألمانيا .. الإمام الأكبر يرسخ مبادئ السلام والإسلام
كثيرًا ما نسمع عبارة “الإسلام هو دين السلام”، لم تكن هذه العبارة بمثابة تجميل لصورة هذا الدين أمام من يدينون بغيره من الأديان، بل هي عقيدة ثابتة عند المسلمين كافة، حيث رسخ الدين الإسلامي مبادئ السلام وحق البشر جميعًا في العيش بأمان مهما اختلفت عقائدهم ومذاهبهم وممارسة عبادتهم بحرية بالغة، فهو لم ينزل بحد السيف كما ذكر المعادين للإسلام.
أينعم هناك مَن يخالف هذه العقيدة الثابتة وينشئون الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تستحل الدماء والأعراض، لكنهم في الحقيقة ما هم إلا ثلة من المنحرفين عن الإسلام ومقاصده السمحة، ولا يمثلونه بأي شكلٍ من الأشكال فالإسلام منهم براء.
الاستجارة.. أمر إلهي يرسخ عقيدة السلام
ولعل من الأدلة الجلية على مآثرة هذا الدين للسلم والسلام وعدم وضع الانتمائات الدينية في المعادلة؛ هو حكم الاستجارة المذكور في القرآن الكريم في سورة التوبة، قال تعالى: “وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ”، وهذا أمر إلهي للنبي محمد -صل الله عليه وسلم- الذي لم يرسل للقتال البتة، فلم يشرع القتال إلا على من نقضوا العهود لمنع الفتنة في الدين، ويتخلص الأمر في الآتي “إذا جاء أحدهم يطلب جوار التجارة أو رسالة أو لمجرد الأمان فإنه يجاب، ويكون في أمن المؤمنين حتى يسمع كلام الله ويفهمه ويتدبره، ثم يبلغ مأمنه”.
الدعوة لسلام كل العقائد
ولأن الأزهر الشريف يعتبر هو منارة الإسلام وهو الممثل الأكبر لهذا الدين الحنيف أمام العالم أجمع، فإنه حرص دائمًا على الدعوة إلى السلام العالمي والترغيب في تبعاته ودحض كل الافتراءات التي تنال من الإسلام والتبرأ من أي تنظيمٍ رفع راية الإسلام متجرأً وكان من شأنه زعزعة الأمن العام.
كان هذا الحرص يعم الأزهر بمؤسساته ومشايخه، وبخاصة رئيس مجلس حكماء المسلمين، فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، الذي لطالما أمتعنا في المحافل والمؤتمرات المحلية والدولية بخُطب وكلمات في غاية الفصاحة والإيجاز والإلمام بكل ما يؤرق العالم الإسلامي في دقائق معدودة، كل هذا في آنٍ واحد.
ولحلول مناسبة اليوم العالمي السلام فإن الأزهر الشريف نشر عبر صفحته الرسمية على “الفيس بوك”، مقتطف من إحدى خطاباته يفصح فيه عن كونه داعمًا للسلام حول العالم قائلًا: “أقدم نفسي لحضراتكم بحسباني رجلًا تخصص في دراسة الإسلام وفهمه كما أراد الله للناس، وكما بلغه لهم رسوله محمد.. أنا مسلم محب للبشرية جمعاء، مهموم بقضايا السلام بكل أبعاده الدينية والاجتماعية والعالمية، أبحث عن هذا السلام وأتمناه للناس كل الناس، مهما اختلفت أوطانهم وأجناسهم وقومياتهم وكيفما كانت أديانهم وعقائدهم ومذاهبهم”.
كلمة الإمام الأكبر تفوح سلمًا
لم يمضي من الوقت الكثير على كلمة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب خلال “اللقاء الدولي من أجل السلام” بألمانيا، الذي نظمته جمعية “سانت إيجيديو” في برلين والحاصلة على جائزة زايد العالمية للأخوة الإنسانية لهذا العام، التي لاقت تصفيقًا حارًا من جُل الحضور، وتمحورت الكلمة التي بلغت من الوقت ما يقرب من 20 دقيقة حول أهمية السلام العالمي، مستنكرًا ما تعرض له العالم من حروب وعبث بالأرواح، والاستهانة بحقوق المظلومين والمستضعفين، والسخرية من قيم الأديان وضوابط الأخلاق والفطرة الإنسانية، رغم كل هذا التقدم التقني والعلمي والحضاري الذي كان من المفترض أن يوازيه تحضر الإنسانية وتراحمها وتعارفها، فيؤدي إلى القضاء على الحروب وأسبابها قضاءً مبرمًا، لكن هذه الافتراضات للأسف لم تكن سوى أماني لم تجد لها سبيلًا على أرض الواقع.
وكان للفيلسوف الفرنسي “كوندورسيه” مقولة شهيرة “بقدر ما تتسع رقعة الحضارة على الأرض سنشهد زوال الحرب، وكذلك زوال العبودية والبؤس”، استعان فضيلة الإمام الأكبر بهذه المقولة موضحًا ما آل إليه حال العالم قائلًا: “هذه الأماني سرعان ما تبين أنها حلم من أحلام اليقظة، وأن صليل الأسلحة وطبول الحرب ودماء القتلى وأنين الضحايا وخسارة الأموال التي تحسب بالمليارات والتريليونات، كانت الحقيقة المرة والواقع الأليم الذي صحت عليه الإنسانية في الشرق والغرب”، مؤكدًا قوله بما ذكره الفيلسوف البلغاري المعاصر “تودورف تزفيتان” “إن الثقافات الإسلامية بكل مكوناتها التقنية والفنية تنتشر بسرعة متزايدة في أرجاء الأرض، وتعرفها شرائح كبيرة من سكان العالم، ومع ذلك فإن الحروب لم تتوقف والبؤس لم يتراجع؛ حتى أن العبودية لم تلغى إلا من القوانين، أما على مستوى الممارسة فإنها لا زالت باقية”.
حياة تحت وطأة الحروب
ليبين شيخ الأزهر مدى المأساة التي يعانيها المرء في ظل هذه الواقع الأليم، طرح تجربته الشخصية حيث ولد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فتوالت عليه الحروب بداية من العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ثم حرب نكسة 67، ومجزرة مدرسة بحر البقر عام 1970، إلى أن تنفست مصر الصعداء بعد حرب تحرير سيناء عام 1973، ثم بدأت التنظيمات الإرهابية المتطرفة تصول وتجول شرقًا وغربًا التي لازالت تعوث في شتى البلدان، ولم يغفل أن يشير إلى الحروب القاسية التي كانت سببًا في دمار هائل للبلاد العربية الشقيقة كحرب الخليج، حرب العراق، سوريا، لبنان، اليمن، ليبيا.. إلخ.
السلام لا يتجزأ
وللتدخل الأجنبي في شؤون بعض الدول وبخاصة الدول العربية يد في تفاقم الأزمات العالمية، وهو ما استاء منه رئيس مجلس حكماء المسلمين حيث حولت هذه الدول حسب قوله إلى “سوق رائجة للأسلحة، وما يلزم هذه التجارة من إثارة الفتن، وبعث النعرات العرقية، والنزاعات الدينية والطائفية، وإيقاذها من مراقدها”.
“إن سلام العالم مرتبط أشد الارتباط بسلام الشعوب، وبما أن المنطق يقرر أنه لا يسلم الكل إلا إذا سلم الجزء يقرر بنفس الدرجة أنه لا سلام في أوروبا بدون سلام الشرق الأوسط، ولا سلام في آسيا دون سلام إفريقيَا، ولا سلام في أمريكا الشمالية بدون سلام أمريكا الجنوبية”، هذه كانت خاتمة كلمة الإمام الأكبر التي تنادي أولي الألباب بل أولي الضمير للتفكر.
السلام الذي يعتبر اعتقادًا ثابتًا عند المسلمين يتمثل في حفظ الأرواح من التهلكة، وكذلك سلامة دور العبادة كالكنائس والمعابد والمقدسات كالكتب المقدسة، وعدم النيل منها على كافة الأديان، وبالمثل يتوجب على أي إنسان أيًا كانت عقيدته عدم المساس بنبي الإسلام و عدم مس المصحف الشريف الذي يقدره ملياري إنسان بأي طريقة مشينة.
إذا أردت مشاهدة كلمة فضيلة الإمام الأكبر.. إليك هذا الرابط
https://www.facebook.com/OfficialAzharEg/videos/290275296970403/