همتك نعدل الكفة
1٬408   مشاهدة  

“من دروس 2020” … لعلّك تجد فيها ما يفيدك

التعلُّم


الميت هو مَن توقف عن التعلُّم ومراكمة الخبرات، والاشتباك معها والتفكير فيها، “معجنة الأفكار” التي تخوضها يوميًا داخل رأسك هي ما يصنعك بشكل فعلي.. وبالتبعية، يمكنك أن تكتشف بسهولة أنك مُحاط بالكثير من الأموات في كل مكان تقريبًا، جثث تسعى وتأكل وتتحدث وتتنفس، دون أن تكتسب شيئًا جديدًا صادقًا من غمار حيواتهم اليومية بكل تعقيداتها.

 

ولأن أجمل ما ميّزنا به الله هي قدرة العقل على التعلُّم من خبراته وأخطائه وخطاياه، فقد اعتدتُ أن أبذل قصارى جهدي في محاولة التعلُّم من ذلاتي، على كثرتها؛ طمعًا- على الأقل- في عدم تكرار ذات الأخطاء، فإحساس المرء بالغباء عند تكراره ذات الخطأ، في نفس الموضع، وأحيانًا بنفس الطريقة إلى حد التطابق في كل التفاصيل، قد يدفعه في النهاية إلى مرحلة خطرة من عدم التصالح مع نَفْسه، إلى حد كُرهها.

 

من فضلك، حاول ألا تأخذ ما يلي على محمل النصائح التي لستُ أهلًا لإلقائها على أحد، اعتبرها مجرد فضفضة، لعلّك تجد فيها ما يفيدك.. ولعلّي أعيد قرائتها بعد عام من الآن، لو رزقني الله العمر الكافي، فأجد أنني توقفتُ عن كوني ساذجًا ولو قليلًا.

 

عن سورة الكافرون في القرآن الكريم “النوم على خاتمتها براءة من الشرك”

“العادي” جميل.. أجمل مما تتصور!

 

لا يمكن القول أن لجائحة فيروس “كورونا- كوفيد 19” فوائد، بما اعتدنا إدراجه تحت لفظ “فوائد”، وهي التي قتلتْ أكثر من مليون إنسان، وزعزعت الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمليارات من البشر حول العالم كله، إلا أن لكل حادثة- مهما عظمت في مصيبتها وفجيعتها- دروس تحت سطح المأساة، واستيعاب هذه الدروس قد يُهوِّن مرارة الفاجعة على النفوس.

 

عِشنا أيام العُزلة الإجبارية بكل مرارتها، وجرَّبنا أن يكون أجمل ما تحلم به هو جلسة مع صديق في مقهى بسيط، لتشربا كوبين من الشاي، وتتبادلان حديثًا لا ينقطع إلا عندما يحين ميعاد انصرافكما.. وما نزال نحيا تحت وطأة الخوف على مَن نحب، حتى أن بعضنا لم يحتضن أبيه أو أمه منذ شهور، خوفًا عليهم لأنه يخرج للشارع ويعود للبيت ولا يعلم ما حمله معه من فيروسات، قد يكون إحداها قاتلًا.. حتى التجمعات- على تنوّعها- والتي كانتْ مصدرًا للونس الإنساني والدفء الاجتماعي، صارتْ بابًا مفتوحًا قد يدخل منه شبح المرض، بكل ما يُحيطه من ثقل.

 

تعلَّمنا، وما زلنا نتعلم في خضم تجربة جائحة “كورونا”، أن “العادي” بكل ما فيه من تفاصيل بسيطة، وأحيانًا تبدو مملة مُعتادة، يحمل من النِعم والجمال ما لا تتخيله، إلا بفُقدانه.. معظم جمال الحياة في الرضا بـ “العادي”، يومك العادي وحياتك اليومية بكل تفاصيلها العادية، وكأنَّ السر في التمسُّك بمحاولة الاستمتاع بـ “العادي” من حولنا، مهما بدا لنا كأمر مُسلّم به، يحدث من تلقاء ذاته.. الدُنيا تنقلب في لحظة، وتتبدل أحوالها بشراسة أحيانًا؛ قد يصبح ذلك “العادي” الذي تملّ منه هو أبعد أحلامك وأجملها.

 

 

الشر غالبًا هنا.. بجوارك

 

هل هناك نموذج للشر أكثر شُهرة، في وعينا الإسلامي والعربي بشكل عام، من “أبي لهب”؟

 

لا أظن، حتى سينمائيًا نال الرجل مكانًا خالدًا في وعينا كنموذج صارخ للشر.. بعيدًا عن السينما، هل نحتاج دليلًا على إمعانه في الكيد والتدبير والأذى لنبي الله “محمد”، عليه أفضل الصلاة والسلام، أكبر من نزول الوحي في حقه باللعن والوعيد بالخلود في الجحيم؟

 

لكننا ننسى أحيانًا صلة القرابة القوية التي جمعته بالرسول؛ حيث أن “أبي لهب” هو عم النبي بشكل مباشر؛ أخٌ غير شقيق لأبيه “عبد الله بن عبد المطلب”.. نعم، كل هذا التنكيل والأذى صدر من عم تجاه ابن أخيه، حتى جعلّه الله عِبرة للعالمين.

 

زوجة نبي الله “لوط”- عليه السلام- تجافيه وتقف في صف أعدائه، “يهوذا” تلميذ المسيح “عيسى”- عليه السلام- يبيع دمه بثلاثين قطعة فضة، وهو المُقرَّب له.. أمثلة لا حصر لها دينيًا وتاريخيًا، تؤكد لنا الحقيقة التي لفرط قسوتها نتجاهلها عمدًا: الشر دومًا قريب، في الجوار، يشاركك الطعام والشراب والمآسي والأفراح.. الشر ناعم كذوب، يتسرب لأعمق نقطة بداخلك كي يستطيع هزيمتك، لن تأتيك الخيانة القاسمة للظهر من شرير نمطي، يسير بالطبنجة في يده ورائحة الخمر تفوح منه، على طريقة الأفلام الرخيصة.

 

الشر كامنٌ داخل كل نَفْس بشرية بدرجات متفاوتة، ليس دخيلًا علينا ولا يتطلب مسًا شيطانيًا ليخرج إلى السطح، فالأمر مرهون بجودة الإنسان كإنسان، من حيث سلامة الفِطرة واستقامة السلوك إلى حد معقول.. فلا تصادق ثعبانًا وتأمنه لمجرد أنك لم تنل نصيبك من سُمه حتى الآن؛ المسألة مسألة وقت لا أكثر حتى يلدغك أنتَ أيضًا.

 

 

إقرأ أيضا
جار النبي الحلو

هذه رحلتك وحدك

 

لو أجبرتك الظروف على مصاحبة شخص لا تستلطفه لساعات أو لأيام، هل تتخيل كم يستهلك هذا من طاقتك النفسية؟ يمكنك طبعًا أن تؤكد لي مدى فداحة هذه المعاناة لو كنتَ مُجبرًا على مطالعة وجوه لا تحبها يوميًا في مكان عملك أو مسكنك مثلًا.. طيب تخيل معي شخصًا يعيش غير راضٍ عن روحه بشكل كامل، هل تتخيل حجم العذاب الذي يعيش محبوسًا داخله؟

 

لا يوجد بشر أقرب إليك من نَفْسك.. ليس كلامًا متفلسفًا تأمليًا لكنه الواقع، ذاتك الملازمة لكَ هي الملاصقة لعقلك حتى في نومك، ومهما حاولتَ التشويش على هذه الحقيقة، حتى لو عملت 16 ساعة يوميًا، سيلاحقك الجحيم في الدقائق- ربما الساعات؟- التي تقضيها ملاحقًا النوم دون جدوى.

انعدام الثقة بالنفس وجلد الذات.. ماذا تفعل تصرفات وأحكام الأخرين بنا؟

 

بشكل دوري، وبتصميم، تؤكد لكَ الحياة أنها رحلتك وحدك، وحدك تخوض تفاصيلها الحقيقية، تبتلعك لتندمج فيها.. ستجد الرفقة أحيانًا، والوَنس في بعض المواضع، والرحمة الصادقة في مواضع أقل، واللُطف كنسائم تهوّن عليك طول الشقاء، لكن في لحظات الألم العاصف الذي يزعزعك من أوتادك التي ظننتها ثابتة، في أوقات الحزن الغميق الأسود الذي يترك في قلبك نُدبًا وبقعًا سوداء لا تزول، ستدرك أن الوحدة أثناء خوض الرحلة جزءٌ رئيسي من اختبار الدنيا، فصل أساسي من “الكَبَد” الذي خلقناه الله فيه، كما أخبرنا صراحةً في كتابه الكريم.. لستَ وحدك لأن البشر أنذال بطبعهم، بل هذا هو جوهر الامتحان يا صديقي.

أحمد عفيفي .. الرجل الذي سيحترم عقلك دائمًا

والعمل؟

 

يعني، حاول أن تتلطف بنَفْسك وتعذرها، قدر استطاعتك، طالما ابتعد الأمر عن ظلم الناس.. لا تقلق يا صديقي، نكد الدنيا لا يتوقف، فلا تخترع لنَفْسك سُبلًا جديدة للعقاب.. بالبلدي: متبقاش أنت والدنيا على روحك!

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
17
أحزنني
3
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
3


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان