والله ابداً .. عمرو دياب و الخروج من المناطق الأمنة قد ينجح أحيانًا.
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
لأول مرة منذ فترة بعيدة يتم تناول أغنية جديدة لعمرو دياب من منطلق فني بحت بعيدًا عن مظهره الصادم أو عدد المشاهدات أو الذكاء في تسويق نفسه، لم يمر على أغنية “والله أبدًا” ساعات قليلة حتى أصبحت حديث الجميع على مواقع التواصل الإجتماعي وهي من المرات القليلة التي يستفز فيها عمرو الجمهور فنيًا بعد أن ظل فترة يستسهل في اختياراته وكأنه يقول بشكل مباشر لا رغبة لي في المغامرة أو صنع شئ جديد.
عندما نتحدث عن الأغنية لا بد أن نبدأ من عند عزيز الشافعي الذي كتب كلماتها و قام بتلحينها، يجلس عزيز حاليًا على متربعًا على عرش سوق التلحين في مصر لا يكترث بما يحدث من خلافات داخل الوسط حول حقوق الملكية الفكرية أو يكيل الاتهامات لفلان وعلان بالسرقة أو يدخل في صراع حول من له الأولوية في إعادة التراث كلها أمور هو بعيد تمامًا عنها لا يفعل شئ سوى التركيز في عمله ولا غير ذلك، ويكاد يكون الملحن الوحيد حاليًا الذي يمتلك مشروعًا حقيقيًا، تعرف أغنياته من أول حرف فيها، يجرب كثيرًا ويأخذ من الفلكلور المصري ويطور ويضيف لحنيًا يكتب الشعر الغنائي أفضل من نصف الشعراء المتواجدين على الساحة، يصنع تيار غنائي خاص مستمد من الطقاطيق الخفيفة القديمة و يستلهم منها ما يتناسب مع ذائقة الجمهور الحالي، يخطئ ويصيب و يستهسل أحيانًا في الكلمات وينحت فنيًا مع الجميع بلا استثناء لكنه في النهاية لا يتوقف عن الإبداع والنجاح أبدًا.
الكلمات :
نونية ابن زيدون ليست جديدة على الغناء فقد سبق وأن غنتها المطربة الكبيرة فتحية أحمد والمطربة نور الهدى لكن لأول مرة يتم إدخال كلمات عامية عليها
بذكاء شديد أصل عزيز الشافعي لفكرته بأن اقتطع من سياق القصيدة بيتان بما يتناسب مع عنوانها “والله أبدًا” الأول من منتصف القصيدة
وَاللَهِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلاً
مِنكُم وَلا اِنصَرَفَت عَنكُم أَمانينا
والثاني من مطلعها
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا
ثم أضاف مقطعين من العامية المصرية بمفردات تقليدية كلاسيكية “الحلو – المر – نسينا – حبايبنا ” مبتعدًا بحنكة عن إدخال أي مفردات حداثية أو إفيهات قد تضر بسياق الفكرة ويحسب له الإتيان بقصيدة شهيرة وبناء عليها فكرة بالعامية وهو استكمال لذكائه وإدراكه لما يفعله جيدًا.
الموسيقى :
رغم فكرة الكلمات المفاجئة إلا أن اللحن لم يكن على نفس المقدار من المفاجأة ولم يكن بالقوة المعهودة من عزيز الشافعي، اللحن يتأرجح بين مقامي البياتي والكرد حيث اختار الأول للجزء الفصحي والثاني شابه بعض الميوعة في جزء العامية لكن تظل اللقطة المضيئة في اللحن هي جملة “والله أبدًا” اللحنية.
توزيع عادل حقي أخذ اللحن إلى أجواء الموسيقى الإليكترونية في قالب الـ Chill Out التوزيع بسيط دون تعقيدات أو فذلكة أعطى مساحة جيدة لإبراز صوت عمرو دياب مع مؤثرات صوتية جيدة وجمل خاطفة جيدة من الكيبورد وظهور لـ الكمان الاليكتريك في نهايته أضفى نوع من الثراء الموسيقي للتراك.
برنامج ساعة وغنية وقصة أفضل نحتاية في تاريخ الغناء العربي
أهم ما في الأغنية أنها تعطي لمحة لـ عمرو دياب نفسه بأنه لا يمتلك منطقة اّمنة يخشى الخروج منها حتى لا يفقد جمهوره، لأنه يكاد يكون الوحيد الذي يمتلك جمهورًا بلع له الزلط كثيرًا في تراكات ضعيفة فنيًا ولن ينصرف عنه حتى لو اعتزل الغناء، وأن سر نجاحاته الضخمة كان معتمدًا على المغامرة وتقديم الجديد وليس اللوك والدعاية والبهرجة المصطنعة في الكليبات.
مغامرة “والله أبدًا” تحسب في المقام الأول للشاعر والملحن “عزيز الشافعي” الذي أقنع عمرو دياب بأن يغني مقطعًا بالفصحى من نونية ابن زيدون مع إضافة مقطعين باللهجة العامية، الفكرة في حد ذاتها ليست بجديدة على سوق الغناء فقد فعلها الكثيرون من قبل ولكن الجديد أنه نجح في أن يفعل ذلك مع عمرو دياب وهو ما يجعلنا نقول أنه دخل مشروعه كي يضيف لمسات من مشروعه الموسيقي الخاص وليس انخراط في الجوقة الفنية التي تسير وفق متطلبات الأغنية الديابية والتي أجبرت أغلب الصناع على التخلي عن إمكانياتهم وهو ما جعل أحد الشعراء الكبار يدافع عن نفسه بعد أن هاجمه أحد المعلقين على سوء الكلمات التي كتبها في أغنية أخيرة لعمرو دياب وقام بتحميل دياب المسئولية كاملة قائلًا “مش في مطرب بيغني” وكأنه ترزي يفصل على حسب طلب العميل فقط.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال