“أبو لهب ومرضعة الرسول” ثنائية الأساطير الكاذبة في السيرة النبوية
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
قبل الهجرة النبوية بسنوات نزل القول الإلهي الفصل الذي حسم مصير ونهاية أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، حيث لُعِن في الدنيا مع زوجته وسيكونا رفيقين إلى جهنم وذلك مصداقاً لقول الله تعالى في سورة كاملة أنزلت فيهما وهي سورة المسد “تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ” .
لكن الجدلية بشأن مصير أبي لهب بدأت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسبب منام شقيق أبي لهب وهو العباس بن عبدالمطلب ، عم النبي صلى الله عليه وسلم .
حيث جاء في صحيح البخاري حديث رقم: (5101) كتاب النكاح ، من طريق عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت: “يا رسول الله، أنكح أختي بنت أبي سفيان….وفيه أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن، قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، وكان أبو لهب اعتقها، فأرضعت النبي – صلى الله عليه وسلم-، فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة”.
وقال السهيلي في كتابه “الروض الأنف والمنهل الروي في ذكر ما حدث عن رسول الله وروى” أن العباس قال : لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال فقال : ما لقيت بعدكم راحة ، إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين ، قال: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين ، وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فأعتقها .
وهنا يكمن التضاد الكبير في كتب السيرة النبوية مع القرآن الكريم .
دلت آيات القرآن الكريم أن من يدخل النار من الكفار لا يخفف عنه العذاب على كفره بحال من الأحوال، وذلك في قوله تعالى : “وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ” فاطر/36 .
وقال تعالى: “وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ . قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ” غافر/49-50.
ثاني تلك الإشكاليات تكمن في مسألة إسلام ثويبة نفسها ، حيث اختلف كل المؤرخون في مسألة إسلامها كون أنها ماتت سنة 7 هجرية ولم يذكر أي كتاب في السيرة إشارة تفصيلية لإسلامها ، فقد ذكرها بن منده العبدي الأصبهاني في كتابه ” معرفة الصحابة ” وقال : اختلف في إسلامها.
فيما قال أبو نعيم : لا نعلم أحدا ذكر إسلامها غير بن منده ، كما انضم لـ بن منده أبي بكر بن العربي في كتابه “سراج المريدين” ، حيث قال ما من إمرأت أرضعت النبي إلا وأسلمت.
ورغم الخلاف حول إسلام ثويبة لكن المتفق عليه في كتب تاريخ السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرمها وكانت تدخل عليه بعدما تزوج خديجة وكان يرسل إليها الصلة من المدينة، وهو ما يطرح التساؤل : لماذا لم يتكلم أحد عن إسلام ثويبة أو على أقل تقدير أحد ممن عاشرها ليقول بنهايتها ، فإن ما يُفْهَم من سياق ذلك أن المسألة القبلية هي التي أججت أسطورة تخفيف العذاب عن أبي لهب ، حيث أن شقيقه هو من قص هذا المنام وعليه قامت كل كتب تاريخ السيرة النبوية.
إقرأ أيضاً
قصة أزمة مفتاح أحد أبواب المسجد الأقصى “لماذا أثيرت بعد النكسة وكيف انتهت ؟
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال