همتك نعدل الكفة
251   مشاهدة  

أبي الرائع وليفربول واللغة العربية

أبي


منذ ثلاثة أعوام، طلب مني أبي أن أشترى له ريسيفر bein sport الذي يذيع مباريات الدوري الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا، حتى يتسنى له متابعة محمد صلاح بعيدًا عن صخب المقاهي، لأنه لا يألف الجلوس عليها من الأساس.. وقد كان.

في البداية كان أبي يواجه صعوبةً بالغة في متابعةِ رفقاء صلاح أو الإشارة إلى أسمائهم، بل كان يتلعثم في نطقِ اسم “ليفربول” نفسه؛ فكان يلفظها “ريفربول”، وأحيانًا يكتفي بالإشارة إلى اسم النادي بطريقةٍ غير مباشرة حتى يتجنب الوقوع في الخطأ، فيسأل:
– هو فريق محمد صلاح هيلعب انهارده؟
فضلًا عن أسماء اللاعبين والأندية الأخرى بالطبع!

ولكن مع الوقت اكتسب بعض المعلومات، وصار يخبرني بسلاسة، وبثقةِ العارفين بالخبايا، أنَّ مانيهْ وفيرمينيو بجانب صلاح في خط الهجوم، بالإضافة إلى جيمس ميلنَر وفان دايك سيكونوا متواجدين في التشكيلةِ الأساسية للفريق، وأنَّ كلُوب لن يقوم باستبعاد أحدهم لأهمية المباراة المقبلة، وأصبح يهتم بموقف مانشستر سيتي من الصدارة، رغم صعوبة نطق اسم الفريق لرجلٍ لم يتم تعليمه الأساسي وقد بلغ الستين من عمره.
وما زال يجاهد لينطق اسميّ تشامبرلين وجوردان هاندرسون.

الحقيقة أن اللغات الأجنبية ونطق كلماتها لم تكن مشكلة أبي الأولى، وإنما حديثه باللغةِ الفصحى هو ما كان يتسبب له بإحراجٍ أحيانًا مع بعض الناس!
إنه اعتاد أن يُظهِر حروف الاستعلاء في كلامه (مثل القاف والظاء)، فيقول مثلًا:
“صلاة الظهر”، وليس “الضهر” كما في اللغة الدارجة.. ويقول: “وقت الشروق”، هكذا بإظهار القافَين في الكلمتين وليس “وَئت” أو “وَكْت” كما يتلفظها أهل الشمال أو ننطقها نحن عندنا في الجنوب. وغيرها من الكلمات.
كان أصحابي يستهزأون ويتضاحك أقاربنا على كلامه، وكان هو -أكرَمهُ الله- يتجاهل أفعالهم. أما أخوتي، فكانوا يُجاروهم أحيانًا لئلا يتشارك جميعنا الحرج؛ فيضحكون مرة، ويسكتون مرة، ولا يلتفتوا إليّ كالعادة ليقلدوني كما يفعلوا في مواقفٍ عَصيبَةٍ أخرى!

أما أنا، ومن باب حسن الحظ، فإنني وُلِدتُ بِكرًا، فلم أجد ولدًا يسبقني لأتّبع خطواته ولا وليًا، إلا أبي؛ وإني أضبط نفسي متلبسًا وأنا أقوم بتقليده في نطق بعض كلماته، فأقول: “قَلب أبي جَنَّة” بإظهارِ قافها وتشديد جيمها وتجاهل ما يَتَجَنّاه الناس.

تحدّثوا العربية، وخاطبوا أبناءكم وإخوانكم بها، حبّبوها إلى الصغار، واحتالوا في تقريبهم إليها وتعويدهم عليها، علّموهم أن العربية زيادة في العقل والمروءة، واستبدلوا اللفظة الفصحى بالأعجمية والعامية. شدّدوا التأكيد عليهم بأن الرطانة بلغة أجنبية بغير مناسبة عِيّ لا فصاحة، وأنه صنيع المهزومين، وأمارة تخلّف لا تقدّم.
العربية إرث عظيم، وأمانة ثقيلة، يجب أن لا تكون هامشًا.

إقرأ أيضا
عمر أفندي

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان